حين حلقت أولى القاصفات اليابانية فوق ميناء بيرل هاربر الأمريكي في 7 ديسمبر 1941، كان التوتر بين الدولتين قد بلغ ذروته بعد نحو عقد من الزمن، الأمر الذي جعل الحرب بينهما حتمية. حين ظهرت الطائرات القاصفة في سماء بيرل هاربر كان الجيش الأمريكي غير مستعد بتاتًا لمثل هذا الهجوم المفاجئ، الذي غير مسار الحرب العالمية الثانية كثيرًا خصوصًا على جبهة المحيط الهادي، لكن الهجوم المفاجئ كان في الواقع شبه حتمي لأسباب عدة لم تُدرك إلا بعد فوات الأوان.
تزايدت التوترات بين اليابان والولايات المتحدة قبل هجوم بيرل هاربر بنحو عقد من الزمن. فاليابان، الدولة الجزيرة التي كانت معزولة عن العالم أكثر تاريخها، باشرت حملة توسعية عدوانية مع مطلع القرن العشرين تقريبًا، وشجعها على ذلك انتصارها في حربين ضد الصين (1894-1895) وروسيا (1904-1905)، إضافةً إلى مشاركتها الناجحة في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء.
إبان الكساد العظيم في الثلاثينيات، اختارت اليابان أن تحل مشكلاتها الاقتصادية والسكانية على حساب الصين، فغزت منشوريا سنة 1931، وحين أدانت لجنة شكلتها عصبة الأمم هذا الغزو انسحبت اليابان من المنظمة الدولية، واستمر احتلالها لمنشوريا حتى سنة 1945.
أدى اشتباك على جسر ماركو بولو في بكين، يوليو 1937، إلى اشتعال حرب أخرى بين اليابان والصين، وفي ديسمبر من ذلك العام، وبعد أن استولت القوات اليابانية على «نانجنغ»، عاصمة الحزب القومي الصيني «الكومينتانغ»، نفذت القوات اليابانية ما يُعرف اليوم بمذبحة نانجنغ التي استمرت ستة أسابيع وتضمنت عمليات قتل واغتصاب.
محاولة أمريكا وقف التوسع الياباني
في ضوء هذه الفظائع، أخذت الولايات المتحدة بفرض العقوبات الاقتصادية على اليابان، ومنها حظر تصدير الطائرات والنفط والخردة المعدنية وغيرها، إضافةً إلى دعمها قوات الكومينتانغ اقتصاديًا. في سبتمبر 1940 وقعت اليابان ميثاقًا ثلاثيًا مع ألمانيا وإيطاليا، النظامين الفاشيين اللذين كانا في حرب مع الحلفاء.
تفاوضت طوكيو وواشنطن شهورًا دون جدوى حتى وقع هجوم بيرل هاربر، وفي حين أملت واشنطن أن تجعل العقوبات الاقتصادية اليابان توقف عملياتها التوسعية، فإن العكس هو ما حدث، إذ اقتنعت اليابان بضرورة التمسك بموقفها، وتصاعد الغضب الشعبي ضد التدخلات الغربية المتواصلة في الشؤون الآسيوية.
من وجهة نظر اليابان، كانت الحرب مع أمريكا حتمية، حتى تستطيع الدفاع عن وضعها بوصفها قوة عالمية رئيسية. ولأن احتمال فوز اليابان بالحرب كان ضئيلًا، فقد اضطرت اليابان للجوء إلى عنصر المفاجأة.
السعي للسيطرة على المحيط الهادي
في مايو 1940، جعلت الولايات المتحدة من بيرل هاربر قاعدة رئيسية لأسطولها في المحيط الهادي، ونظرًا إلى اعتقاد الأمريكيين باستحالة أن تكون هاواي هدفًا للهجوم الياباني، إذ تبعد الجزيرة عن اليابان نحو 6400 كم، فقد تُركت هذه القاعدة بلا دفاعات كافية، ما جعلها هدفًا سهلًا للهجوم.
خطط الأدميرال ياماموتو إيسوروكو شهورًا لهجوم هدفه تدمير أسطول المحيط الهادي ومعه معنويات البحرية الأمريكية، حتى لا تستطيع مقاومة تقدم القوات اليابانية جنوب المحيط الهادي.
كان الهجوم الياباني المفاجئ على بيرل هاربر محفزًا لإخراج الولايات المتحدة من عزلتها وجعلها تشارك في الحرب العالمية الثانية ، التي انتهت باستسلام اليابان بعد قصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي بقنبلتين ذريتين في أغسطس 1945.
في البداية، بدا الهجوم الياباني على بيرل هاربر ناجحًا، فقد قصفت طائراتهم 8 بوارج أمريكية، غرقت 4 منها وتضررت 4 نتيجة القصف، ودمّرت كليًا أو جزئيًا أكثر من 300 طائرة وقُتل نحو 2400 شخص.
ثم تقدمت القوات اليابانية لتستولي على عدد من المستعمرات الغربية السابقة والحالية، في بورما وماليزيا وإندونيسيا والفلبين، ما منحهم ميزة الوصول إلى الموارد الطبيعية العظيمة التي تمتلكها تلك الأراضي، متضمنةً النفط والمطاط.
لكن هجوم بيرل هاربر فشل في تحقيق هدفه بتدمير أسطول المحيط الهادي كليًا، إذ لم تدمر القاصفات اليابانية خزانات الوقود ولا مواقع الذخيرة أو منشآت الصيانة، إضافةً إلى غياب كل حاملات الطائرات الأمريكية وقت الهجوم، وفي يونيو 1942 ظهر أثر هذا الفشل حين أحرزت القوات الأمريكية نصرًا عظيمًا في معركة ميدواي وأدارت بذلك دفة الحرب في المحيط الهادي.
اقرأ أيضًا:
كل ما تود معرفته عن عملية بارباروسا
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: أكرم محيي الدين