يعود سبب ارتفاع درجة حرارة نواة الأرض إلى الحرارة الأولية المختزنة فيها، إضافةً إلى التحلل الإشعاعي. تخيّل فقط أن الشتاء على وشك الرحيل وأنت تستمتع بنوم هانئ تحت بطانيتك، تخطط وتقرر أخذ كلبك في نزهة إلى الحديقة في اليوم التالي، ثم تستيقظ في أوجِ حماسك مستعدًا لبدء يومك، وما إن تنظر إلى الخارج عبر نافذتك حتى ترى بياض الثلج غطّى كل شيء.
فجأةً تتذكر أحد المواضيع التي درستها أمس وبدأت تشعر بالارتباك، أنت متيقّن أنّ لبّ الأرض حارّ جدًا، فأين تذهب هذه الحرارة الهائلة ولماذا تتراكم الثلوج على سطح الأرض إذا كان هناك كل هذه الحرارة؟ تجاوُزك هذه القضية دون تحليل، يعني أنّه فاتك الكثير من النقاط المهمة حول ماهية نواة الأرض.
منذ بدء تكوّن الأرض ونواتها حارّة جدًا، هذه الحرارة الهائلة هي سبب وجودنا على هذه الأرض، هل يبدو هذا غريبًا؟ الأمر ليس كذلك، فنواة الأرض الملتهبة ضرورية جدًا لاستمرارية بقائنا على الأرض.
قبل أن نذهب إلى أعمق نقطة داخل الأرض، فلنتعرف على المزيد عن طبقاتها.
الأرض طبقةً تلو الأخرى:
مع أننا وصلنا إلى مرحلة التقاط صور لثقب أسود وهي نقطة متطوّرة جدًا، لم يكن حلّ ألغاز كوكبنا سهلًا أبدًا، ومع ذلك ساعدنا تحليل الصخور الناتجة عن الانفجارات البركانية ودراسة الموجات الناتجة عن الزلازل (الموجات والإشارات الناتجة عن الزلازل، والانفجارات البركانية و أيّ اضطراب آخر صادر عن داخل الأرض) على فهم البنية الداخلية لكوكبنا بصورة أفضل.
الأرض ليست مادة صلبة بتجانس وتماثل، بل تتكوّن من مجموعة من الطبقات، إذ تكوّنت الأرض مع بدء تكوّن النظام الشمسي منذ 4.6 مليار سنة، وكانت الأرض في البداية كرة من الغازات، ولكن عندما تفاعلت هذه الغازات مع بعضها، وبدأت المواد متفاوتة الكثافة بالانفصال عن بعضها، أصبحت الأرض ما هي عليه اليوم، كوكبًا صخريًّا ضخمًا من عدة طبقات تشبه البصلة من الداخل.
الطبقة الخارجية الأولى للكرة الأرضية هي القشرة، الطبقة التي نعيش عليها، نبني عليها المنازل ونزرع فيها الأشجار، هي طبقة رقيقة جدًا إذا قورنت مع باقي طبقات الأرض، يبلغ عمقها 8 كيلومترات، وتتكوّن من الصخور البازلتية والقشرة القارية التي يبلغ عرضها 32 كيلومترًا، وتتكون بشكل رئيسي من الجرانيت.
الوشاح، هو اسم الطبقة التالية لطبقة القشرة، يبلغ سمكها نحو 2900 كيلومتر، الجزء العلوي منها صلب وجاف تمامًا، بينما يتدفق الجزء السفلي مثل الصخور شبه المنصهرة. تُعرف الطبقة العلوية من الوشاح مع القشرة باسم الغلاف الصخري (ليثوسفير)، بينما تسمى الطبقة السفلية شبه المنصهرة الوشاح الأدنى (أسينوسفير).
توجد نواة الأرض تحت طبقة الوشاح وتنقسم إلى قسمين: الخارجي، والداخلي. يبلغ سمك القسم الخارجي نحو 2300 كيلومتر من لب الأرض، يتكوّن بصورة رئيسية من الحديد والنيكل وهو في صورة سائلة تمامًا، لها درجة حرارة عالية جدًا تتراوح بين 4000 و 5000 درجة فهرنهايت.
نزولًا من القسم الخارجي إلى نواة الأرض إلى القسم الداخلي لها، نصل إلى الجزء الأكثر حرارة من الكوكب، درجات حرارة عالية جدًا لا يمكن تصورها، تتراوح بين 9000 و 13000 درجة فهرنهايت، ومع أن درجات الحرارة هائلة، فإن اللب الداخلي للأرض صلب تمامًا، ويبلغ سمكه 1200 كيلومتر تقريبًا.
لماذا نواة الأرض حارّة جدًا؟
بالنسبة لنا نحن البشر الذين نعيش على سطح الأرض، يصعب تخيل أن درجة حرارة نواة الأرض قد تكون أعلى من درجة حرارة سطح الشمس، والسؤال الحقيقي هو: «كيف لأرضنا البالغة من العمر 4.6 مليار سنة أن تولّد هذه الحرارة الهائلة؟»
هناك سببان رئيسيان وراء نواة الأرض الملتهبة.
الأول، بسبب العملية التي تكوّن عبرها كوكبنا، ألا وهي التراكم أو الازدياد، عندما وُجد النظام الشمسي بدأ كوكبنا رحلته حول الشمس، كانت قوّة الجاذبية كبيرةً بما يكفي لتشدّ عددًا من النيازك والأجسام الأخرى فتكوّن مجتمعةً كوكبًا كبيرًا، وهذه العمليات تنتج الحرارة بصورة هائلة جدًا.
بعد الانتهاء من عملية تكوين الكوكب، بدأت المواد بالانفصال والانقسام إلى طبقات وفقًا لكثافتها، استقرت بعد ذلك المواد الأكثر كثافة في نواة الأرض، أنتجت هذه العملية الكثير من الحرارة.
ما تزال الحرارة الأولية لأرضنا موجودة في نواتها بسبب عدم قدرة كوكبنا الضخم بدايةً على تشتيت هذه الحرارة بسرعة، إذ يمكن تبديدها عبر طبقة القشرة فقط، ولكن بسبب وجود الصفائح التي تعمل كغلاف، ولأن طبقة الوشاح ليست ناقلًا جيّدًا للحرارة، استقرت الحرارة في نواة الأرض فترات أطول.
السبب الثاني لحرارة نواة الأرض الهائلة هو تحلل العناصر المشعّة مثل اليورانيوم، التحلل الإشعاعي هو المسؤول عن تكوين (النظير الفيزيائي)، وهي عملية طاردة للطاقة للحرارة.
هناك اختلاف بسيط بين حرارة الأرض الناتجة عن التحلل الإشعاعي والحرارة الأولية، فالحرارة الأولية مستقرة تتركز في نواة الأرض، بينما الحرارة الناتجة عن التحلل الإشعاعي تتوزع في جميع أنحاء طبقات الأرض الأخرى.
هل نواة الأرض الملتهبة تساعدنا بشكل أو بآخر؟
أهمية نواة الأرض
مع أنّ نواة الأرض ساخنة جدّا مثل الشمس، فإنها مهمة جدًا لبقاء الحياة على سطح الأرض، الطبقة الخارجية لنواة الأرض سائلة ملتهبة مستمرة في التدفق، ما يولّد تيارات نقل حمل حراري، وهي السبب وراء المجال المغناطيسي للأرض الذي يحميها من مقذوفات نظامنا الشمسي ويحافظ على الغلاف الجوي للأرض، أما الطبقة الداخلية لنواة الأرض فتساعد على استقرار هذا المجال المغناطيسي.
تؤدي التيارات والانتقالات الحرارية -التي تحصل في الطبقة الخارجية من نواة الأرض والحرارة التي توّلدها- إلى حركة الطبقات الأعلى منها، خاصةً في الطبقة الثانية (الوشاح)، تساهم هذه الحركة في إزاحة الصفائح وتحركها، ما يؤدي إلى إزاحة القارات وتشّكل كتل أرضية جديدة.
الخلاصة
لا تقتصر أهمية نواة الأرض على الإنسان فحسب، بل تتعداه إلى جميع الكائنات، متضمنةً النباتات، فإذا بردت الأرض أو أصبحت صلبة أو سائلة تمامًا، ببساطة لن يكون هناك مجال لاستمرار الحياة وازدهارها. هذا هو التوازن الرائع الثمين الذي يقدمّه لبّ الأرض لعالمنا.
اقرأ أيضًا:
من سيسود الأرض لو اختفينا نحن البشر؟
هوكينج يريد تزويد الأرض بالطَّاقة عبر الثقوب السوداء، جنون أم حقيقة؟
ترجمة: سلام محمد حسن
تدقيق: علي البيش
مراجعة: تسنيم الطيبي