تتوجه الكثير من الشركات إلى تقديم العروض الرخيصة والمجانية والتخفيضات لجذب العملاء، لكن دراسة حديثة كشفت أن الناس غالبًا ما يرفضون هذه العروض بسبب توقعهم تكاليف خفية. فكيف تتحول العروض المجانية أو الرخيصة من فرصة إلى مصدر قلق؟
الحذر من العروض الرخيصة:
لو قُدِّم لك قطعة من الكوكيز مجانًا، ربما ستقبلها. لكن إذا مُنحت المال مقابل تناولها، هل سيكون رد فعلك ذاته؟ وفقًا لدراسة جديدة، كان عدد الأشخاص المستعدين لتناول الكوكيز دون مقابل أكبر بمقدار الضعف مقارنةً بمن عُرض عليهم مكافأة لتناولها.
تُظهر هذه النتائج سلوكًا يتناقض مع النظرية الاقتصادية التي ترى أن الحصول على منتج إضافةً إلى مقابل مالي أفضل من الحصول على المنتج وحده. إلا أن البشر ليسوا آلات حسابية، فهم كائنات اجتماعية تميل إلى البحث عن دوافع خفية وراء تصرفات الآخرين، خاصةً عندما تبدو العروض رخيصة بإفراط.
توقع التكاليف الوهمية:
يبدو أن الناس يتوقعون وجود تكلفة خفية عند تقديم عروض رخيصة سخية وغير عادية. فقد تخيل المشاركون في الدراسة أن الكوكيز المجانية المرفقة بمكافأة مالية قد تكون ملوثة أو تحمل التزامات مستقبلية لمن يقدمها، ما دفعهم للابتعاد عن قبول العرض.
دراسة العروض الرخيصة:
شملت الدراسة 10 تجارب بمشاركة 4,205 شخص في الولايات المتحدة وإيران. هدفت إلى اختبار تأثير التكاليف الوهمية في قرارات قبول العروض الرخيصة أو رفضها.
طلبت تجربة من المشاركين تخيل أنهم سائقي شاحنات يبحثون عن عمل. مع أن جميع الوظائف المتاحة تحمل نفس الوصف، اختلفت الأجور المعروضة. قبل المشاركون العرض ذي الأجر العادي البالغ 15 دولارًا في الساعة بسهولة، إلا أن من عرضت عليهم أجور أعلى بدؤوا يتوقعون تكاليف إضافية. كأن تتطلب الوظيفة جهدًا أكبر. مع زيادة الأجر إلى مبالغ خيالية مثل 900 دولار في الساعة، رفض معظمهم العرض تمامًا، متخيلين أن العمل ينطوي على مخاطر غير مرغوبة مثل التعامل مع عصابات أو نقل مواد خطرة.
الشك سلوك عالمي:
أُعيدت التجربة مع وظائف وأجور مختلفة في بلدان متعددة، منها إيران التي تتميز بواقع اقتصادي مغاير. لكن النتيجة كانت متشابهة، إذ عبر الناس في كلا البلدين عن الشك ورفضوا العروض التي بدت جيدة أكثر من اللازم، وإن كان الأجر الذي أثار الشك في إيران أقل بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة نظرًا إلى اختلاف مستوى الأجور المعتاد.
تأثير التكاليف الوهمية في شراء تذاكر الطيران:
اختبرت تجربة أخرى كيفية تأثير التكاليف الوهمية في قرارات شراء تذاكر الطيران، إذ عُرض على المشاركين ثلاث رحلات بأسعار مختلفة، إحداها بسعر مخفض إلى 15 دولارًا فقط. مع أن الرحلة الأرخص كانت جذابة اقتصاديًا، رفضها أغلب المشاركين إذ توقعوا تكاليف خفية مثل مخاطر السلامة.
مع توضيح سبب السعر المنخفض بذكر وجود مقاعد غير مريحة، تقبل معظم المشاركين العرض. إذ إن تفسير منطقي مثل مقاعد غير مريحة أزال مخاوفهم، ما يوضح أن الشرح الكافي للعروض الرخيصة قد يقلل من توقع التكاليف الوهمية.
تقديم عرض غير مريب:
تواجه الشركات تحديًا كبيرًا عند تقديم العروض الرخيصة. فمن جهة، تثير التوقعات بوجود تكاليف خفية شكوك المستهلكين، ومن جهة أخرى، يبحث المستهلكون عن أفضل العروض. لتجنب هذه المشكلة، يمكن للشركات توضيح أسباب العروض الرخيصة، مثل الإشارة إلى أن التخفيضات جزء من عرض نهاية الموسم أو تخفيضات العطلات، ما يقلل الشكوك ويجعل المستهلكين أكثر راحة في قبول العروض الرخيصة.
في سوق العمل، قد يكون تبرير زيادات الرواتب بأنها نتيجة أداء ممتاز وسيلة لتجنب توقع الموظفين لتكاليف خفية مثل زيادة الأعباء الوظيفية.
الاقتصاد الاجتماعي:
من الواضح أن الناس ليسوا مجرد كائنات اقتصادية بحتة. إنهم كائنات ذكية ويمتلكون حسًّا اجتماعيًا يجعلهم يقرؤون نوايا الآخرين بدقة لحماية أنفسهم من العروض التي تبدو جيدة أكثر من اللازم.
تُظهر الدراسة أن العروض الرخيصة والهدايا المجانية ليست دائمًا مشجعة كما قد يظن البعض، فالتكاليف الوهمية التي يتخيلها الناس قد تكون عائقًا أمام قبول العروض. قد يساعد إدراك هذا الجانب النفسي للسلوك الاستهلاكي الشركات على تصميم عروض أكثر شفافية تجذب العملاء بدلًا من أن تثير شكوكهم. في النهاية، تبرز هذه النتائج أن الناس يتصرفون وفق دوافع اجتماعية ونفسية تتجاوز المنطق الاقتصادي البحت، ويظل التوازن بين العرض الجيد والوضوح في تقديمه هو المفتاح لبناء ثقة العملاء وتحفيزهم للاستفادة من هذه العروض.
اقرأ أيضًا:
هل ستصبح العملات الرقمية صديقة للبيئة؟
هل يمكن للمستثمرين الاستفادة من الركود الاقتصادي؟
ترجمة: دياب حوري
تدقيق: أكرم محيي الدين