قد تكون الآن أكثر سعادةً من الفترات السابقة في حياتك ، وربما كانت سنين مراهقتك بائسة وصعبة، ومع ذلك فبعد بلوغك سن الثلاثين تصبح سنين مراهقتك فجأة ذات بريق، غير مستحق ربما.
لا يقتصر مشاهدو معظم المسلسلات التي تعود بالزمن إلى الستينيات على كبار السن، فالأزياء القديمة تجذب اهتمام الشباب اليوم، ويبدو أن الجميع يتوقون إلى زمن أبسط، مع أنه لم يكن كذلك في الحقيقة.
ليس التوق إلى الماضي بمفهومه الشامل ما يدفع الناس إلى محاولة إعادة إحياء العقود السابقة. توجد ظاهرة تُسمى (صدمة التذكر)، تدفع البالغين إلى تذكر سنوات شبابهم بوضوح وشغف كبيرين.
إن ذاكرة السيرة الذاتية -أي تذكر المرء أحداث حياته- تكون في أقوى حالاتها عندما تتعلق بالأحداث التي تطرأ بعمر 15-30 عامًا، فعندما تتذكر حياتك الماضية، تستطيع تكوين صور ذهنية واضحة عن نشاطاتك في تلك الفترة وعن تاريخ ذكرياتك. ما يحدث فعليًا هو ازدياد قدرتك على تذكر ما حدث في تلك الفترة المهمة من حياتك.
ليست سنين المراهقة وحتى العشرينيات من العمر أسعد سنوات حياتك بالضرورة، إذ أظهرت الأبحاث أن النسبة الأقل من الأشخاص الذين يصفون أنفسهم بأنهم (سعداء جدًا) تراوحت أعمارهم بين 18 و27 عامًا. إذن لماذا يتذكر أكثر الناس تلك السنين بشغف؟
يبدو أن صدمة التذكر تلك تنطبق على الذكريات السعيدة فقط. عندما نتذكر تلك السنين بعد عمر الثلاثين تصبح الأحداث المؤلمة باهتة أكثر فأكثر، فنحن نعيد تشكيل قصص حياتنا، ونعيد روايتها بطريقة تحسن من شعورنا تجاه أنفسنا في الوقت الحاضر. من طرق التأقلم تذكر الأحداث السعيدة لا الحزينة من ماضينا، لكن من الضروري إعادة صياغة بعض الأحداث المؤلمة، فتركيزنا على الإيجابي فقط يفقدنا الصلة بوقائع شكلت شخصياتنا الحالية.
تغذي وسائل التسلية ذات المواضيع القديمة ميلنا إلى إعادة النظر في أحداث إيجابية شكلت تصورنا عن أنفسنا في الحاضر، وتعزز شعورنا بهويتنا. آخر سنوات المراهقة وبداية العشرينات من العمر هي السنوات التي يتشكل فيها تصورنا عن هوياتنا، وتصبح الموسيقى والأفلام والمسلسلات والكتب والأزياء في تلك الفترة جزءًا من شخصياتنا.
منذ أن أصبحت مصطلحات مثل (المولودون في أثناء طفرة المواليد) جزءًا من الثقافة الشعبية، أصبح مواليد فترات زمنية محددة يُعرفون بعبارات مشهورة خاصة بهم، وأصبحت مصطلحات مثل (جيل إكس Gen X) (مواليد الفترة 1965-1980) و(جيل واي Gen Y) و(جيل الألفية millennials) جزءًا من شخصيات أفراد تلك الأجيال، فالثقافة السائدة في أوقات شبابنا تصنع -ولو جزئيًا- العقلية التي نتبنّاها عندما نفكر في هويتنا.
يساعدك التواصل العاطفي مع شخصيتك أيام شبابك على الاحتفاظ بحسٍّ من الاستمرار مع مرور الوقت، فدون الذاكرة لن تملك أي هوية، وتجاربك عبر حياتك تحدد هويتك في أي وقت كان. يحتفظ الأشخاص الذين يعانون فقدان الذاكرة بشخصياتهم، لكنهم يفقدون حس الارتباط بماضيهم، وتترك المساحات الفارغة من قصص حياتهم فجوات في إحساسهم بهوياتهم الشخصية.
لا يعني التوق إلى الماضي عدم التطور في حياتك، لكن قد يجعلك التفكير المطول في الماضي غير مهيأ للتأقلم مع التحديات الحالية. قد تساعدك استعادة الماضي أحيانًا -لتذكر طريقة تكيفك مع أحداث الحياة الصعبة والقديمة- على تعزيز ثقتك بقدرتك على التعامل مع ما تواجهه الآن.
استمع إلى الأغاني القديمة، فقد يكون ذلك أمرًا مريحًا وضروريًا لروحك. استعد ذكريات ثقافة أيام شبابك وانغمس في ماضيك لتنعش إحساسك بهويتك، لكن من المهم ألا تبقى عالقًا في الماضي، كي تحافظ على وجهة نظر متجددة وموضوعية. لا تفترض أن المستقبل سيكون أسوأ فقط لأن من هم في العشرينيات من عمرهم الآن أصغر سنًا من جيلك، سيساعدك البقاء على تواصل مع الشباب الآن على التأقلم مع السنوات القادمة من حياتك.
إليك هذه النصائح الثلاث للاستمتاع بالماضي ولكي يرشدك في الحاضر:
- استفد من التجارب السابقة لتقوي هويتك، فالحفاظ على ارتباطك بأوقاتك القديمة قد يبقيك ثابتًا في الحاضر.
- ابق على اطلاع بالمواضيع الدارجة الآن، فإذا أردت أن تكبر بطريقة صحيحة فيجب أن تبقى مرتبطًا بثقافة الحاضر، وإنْ كنت تعتقد أنها ليست بجودة ثقافة جيلك.
- وسع صدمة التذكر الخاصة بك، مع أن أكثر الناس يركزون على إيجابيات حياتهم الماضية، فمن الضروري أن توازن بين ذكرياتك الإيجابية والسلبية.
اقرأ أيضًا:
هل ”حقيقتك“ مجرد خرافة؟! هل نخلِق باستمرار ذكريات زائفة لتحقيق الهوية التي نريدها!
ترجمة: ليلان عمر
تدقيق: عون حداد
مراجعة: أكرم محيي الدين