يعرف أصغر النجوم في مجرة درب التبانة باسم (إي بي إل إم جي 0555-57 ايه بي)، وهو نجم قزم أحمر ويبعد عنا نحو 600 سنة ضوئية، ويبلغ نصف قطره 59 ألف كم، ما يعني أنه أكبر قليلًا من كوكب زحل، وهو أصغر النجوم الهيدروجينة التي نعرفها، إذ تحدث في نواتها اندماجات هيدروجينية تبقيها مشتعلة حتى ينفد وقودها. في نظامنا الشمسي يفوق حجم المشتري حجم هذا النجم الصغير، ويبدو المشتري لناظريه ككرة كبيرة من الآيس كريم يبلغ نصف قطرها 69911 كم. فلماذا لم يتحول كوكب بهذا الحجم إلى نجم ؟
الإجابة البسيطة والمختصرة: لا تدعم كتلة المشتري الضئيلة اندماج الهيدروجين وتحويله إلى الهيليوم كما تفعل معظم النجوم. أما عن النجم المذكور فكتلته أكبر من كتلة المشتري بنحو 85 مرة، ما يجعل كتلته أقل من كتلة أي نجم معروف في الكون، ولو كانت أقل لما حدثت بداخله اندماجات الهيدروجين.
ولكن ماذا لو كان نظامنا الشمسي مختلفًا قليلًا؟ هل كان من الممكن أن يتحول المشتري إلى نجم منافس للشمس؟
تشابه أكبر مما نعرفه بين الشمس والمشتري
لن يتحول هذا العملاق الغازي إلى نجم في ظروف النظام الشمسي، مع أن كتلته تبلغ 2.5 من كتلة كل كواكب المجموعة الشمسية مجتمعة، وبسبب طبيعته الغازية تعد كثافته منخفضة مقارنةً بالأرض مثلًا، فهي حوالي 1.33 جرام لكل سم مكعب في المشتري بينما تبلغ نحو أربع أضعاف (5.51 جرام لكل سم مكعب) في الأرض.
لكن عند مقارنته بالشمس نجد أوجه تشابه مثيرة للاهتمام، إذ يتشابهان في تركيبهما الداخلي، وكثافة الشمس تساوي 1.41 جرام لكل سم مكعب. وفيما يخص الكتلة يشكل الهيدروجين نسبة 71% من كتلة الشمس والهيليوم 27% وبعض العناصر الأخرى تشكل ما تبقى، وفي المشتري يشكل الهيدروجين نسبة 73% من كتلة الكوكب والهيليوم 24%. ولهذه الأسباب ربما يقال أحيانًا أن المشتري نجم فاشل.
تولد النجوم والكواكب بآليتين مختلفتين، فتنشأ النجوم عادةً حينما تنهار كتلة نشيطة وكثيفة من المادة في سحابة نجمية جزيئية تضغط عليها جاذبيتها، وتبدأ بالدوران حول نفسها وجذب بقية الجزيئات في هذه السحابة للدوران حولها بما يعرف باسم القرص المُزوّد للنجم.
وبينما تزداد كتلة النجم الوليد تزداد جاذبيته بالتزامن، وتبدأ نواة النجم في الانضغاط أكثر ما يجعل درجات الحرارة بداخلها ترتفع، ويصبح النجم مضغوطًا وحارًا بمرور الوقت لدرجة بدء استعار الاندماجات النووية في نواته.
بعد انتهاء النجم من تكوين مواده، تبقى كثير من المواد في بقايا قرصه المزود الذي يدور حوله، وهي ما تُشكل الكواكب التي تدور حول هذا النجم، وذلك وفقًا لما نفهمه عن عملية ولادة النجوم.
يعتقد علماء الفلك أن الأمر مختلف بالنسبة للكواكب العملاقة الغازية كالمشتري، إذ تبدأ عملية تكوينها من الجزيئات الثلجية والغبارية الصغيرة الموجودة في القرص المزود لأي نجم، وفيما يدور الكوكب الناشئ حول هذا النجم الوليد، تبدأ هذه المواد الصغيرة بالتصادم والتمسك ببعضها بالكهرباء الساكنة. وبمرور الوقت، تكتسب هذه التكتلات حجمًا أكبر بما يفوق حجم الأرض 10 مرات وتصبح لديها القوة الجاذبية الكافية لجذب المزيد من الغازات الموجودة في القرص المزود للنجم الذي تدور حوله وتكونت منه.
عند هذه المرحلة، تعاظم حجم المشتري حتى أصبح بكتلته الحالية التي تفوق كتلة الأرض بنحو 318 مرة، وتساوي 0.001 من كتلة الشمس، وما أن تمكن من التهام كل العناصر والمواد المتوفرة له توقف نموه فجأة بعيدًا جدًا عن بداية الاندماج الهيدروجيني.
لذلك لم يتمكن المشتري أبدًا من أن يصبح نجمًا، والسبب في التشابه بين تكوينه وتكوين الشمس لم يأت من كونه كوكبًا فشل في أن يصبح نجمًا، وإنما يُعزى إلى أن نشأته جاءت من نفس السحابة الغازية التي تشكلت منها الشمس.
النجوم الفاشلة الحقيقية
ثمة تصنيف مختلف تمامًا من الأجرام السماوية يطلق عليه العلماء اسم النجوم الفاشلة، وتضم النجوم القزمة البنية اللون، وهي فئة من النجوم تعد الحلقة المفقودة بين ولادة الكواكب الغازية العملاقة وبين النجوم.
تفوق كتلة هذه النجوم كتلة المشتري 10 مرات، ويتكون معظمها من الهيدروجين الثقيل أو المسمى بالديتريوم -نظير الهيدروجين الموجود في البروتون والنيترون المكونين للذرة- الذي يتميز بأن درجة الحرارة والضغط المتولدين من اندماجه أقل بكثير من درجات حرارة اندماج الهيدروجين العادي.
وبسبب فرص الاندماج السريع للديتريوم وانخفاض درجات حرارته والضغط المنخفض الذي يولده اندماجه عند كتلة منخفضة، يعد العلماء اندماج الديتريوم خطوةً أولى في الاندماج الهيدروجيني الذي تولد منه معظم النجوم، لأن هذا الاندماج يزيد من كتلة الجرم السماوي، لكن بعض هذه الأجرام تفشل في الوصول إلى الكتلة المطلوبة، وينتهي بها المطاف بأن تصبح أقزامًا بنية.
أُعلِن اكتشاف هذه الأقزام البنية عام 1995، لم يكن معروفًا وقتها هل هذه الأقزام البنية أجرام فشلت في أن تتحول إلى نجوم، أم يمكن أن تُعد كواكب طموحة، ولكن بعد إجراء المزيد من الدراسات، توصلت النتائج إلى أن هذه الأجرام لا تولد من القرص المزود للنجم، وإنما تنشأ بعد انهيار السحب الغازية تمامًا كما تتشكل منها النجوم، وحتى أن بعضها كتلته أقل مما ينبغي لصهر الديتريوم ويجعلها ذلك غير قابلة للتميز عن الكواكب.
كتلة المشتري أقل بقليل من الحد لانهيار السحب الغازية، وتشير التقديرات إلى أن أصغر كتلة لجرم نشأ من انهيار سحب الجزيئات تساوي تقريبًا كتلة المشتري، ولو أن المشتري نشأ من انهيار سحابة -بدل بقايا القرص المولد- لكان بوسعنا أن نعده نجمًا فاشلًا.
وبالرجوع إلى البيانات التي زودتنا بها مركبة جونو التابعة لوكالة ناسا، نجد أن نواة المشتري كانت صلبة في وقت مضى، وأظهرت النماذج أن الكتلة القصوى المطلوبة لتشكل الكواكب تقل 10 مرات عن كتلة كوكب المشتري.
ولهذا لا يمكننا أن نعد المشتري نجمًا فاشلًا، والتفكير في سبب ذلك يساعدنا على فهم النظام الخفي الذي يدير هذا الكون، وهو كوكب مليء بالعواصف والدوامات ولولا وجود المشتري ما وُجدت حياة على الأرض في الأساس.
اقرأ أيضًا:
عشر حقائق مدهشة عن كوكب المشتري
ترجمة: هبة الحارس
تدقيق: محمد حسان عجك