أضخم النجوم في الكون أقصرها حياةً، فكلما ازدادت كتلة نجم زادت سرعة احتراقه، مسببةً قصر أمد حياته إلى أقل من عشرة ملايين سنة في بعض الحالات.
وهذا ما يتركنا أمام لغز حقيقي. فمعظم النجوم تكون قريبةً نسبيًا للمكان الذي ولدت فيه، لكن بعضها يوجد في زوايا بعيدة من المجرة عن القرص المجري الذي تشكلت فيه، أي بعيدًا عن مسقط رأسها. وتصل بعض النجوم إلى مناطق بعيدة لدرجة أن الوقت الذي سيستغرقها للوصول إلى تلك الأماكن يتعدى نظريًّا فترة حياتها.
يقول عالم الفلك دوغلاس غييس من جامعة جورجيا: «يجد علماء الفلك نجومًا ضخمة بعيدًا عن منشئها، بعيدًا لدرجة أن وصولها إلى هناك يستغرق وقتًا أطول من حياة النجم، وطريقة وصولها إلى هناك ما تزال مثار جدل بين العلماء».
لكن ربما أصبحنا نملك الإجابة على هذه المعضلة المحيرة بفضل بحث جديد.
ركزت الدراسة على نجم يسمى HD 93521. وهو نجم من الفئة O, أكبر فئات النجوم على التسلسل الرئيسي، يبعد نحو 3600 سنة ضوئية عن القرص المجري، في منطقة قليلة النجوم تسمى الهالة المجرية. إنها مسافة هائلة يبحث غييس وزملاؤه عن تفسير منطقي لوصوله إليها.
استعان الفريق ببيانات من قمر غايا التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وهو مشروع قيد العمل لرسم خارطة لمجرة درب التبانة بالأبعاد الثلاثة بأعلى دقة ممكنة، متضمنةً بيانات عن حركة النجوم وسرعتها، أظهرت بيانات غايا أن نجم HD 93521 يبعد نحو 4064 سنة ضوئية عن الأرض، و3600 سنة ضوئية عن القرص المجري.
حلل العلماء طيف الضوء الذي يصدره النجم لمحاولة تحديد كتلته وعمره وسرعة دورانه حول محوره، وتبين أن كتلة نجم HD 93521 تفوق كتلة الشمس 17 ضعفًا، وحرارته تبلغ نحو 30000 كلفن. وبناءً على هذه المعطيات قُدر عمره بنحو 5 ملايين سنة، بهامش خطأ يبلغ مليوني سنة. ومدة حياته العظمى تبلغ 8.3 مليون سنة.
لكن لكي ينتقل من مسقط رأسه في القرص المجري إلى موقعه الحالي، سيحتاج نحو 39 مليون سنة، فما تفسير ذلك؟
إنه لغز محير، لكن حله قد يكمن في النجم نفسه. تدور شمسنا بسرعة أقل من كيلومترين في الثانية، بينما يدور نجم HD 93521 بسرعة هائلة تبلغ 435 كيلومترًا بالثانية.
من بين عدة عوامل قد تؤدي لزيادة سرعة نجم ما إلى هذا الحد، يعتقد العلماء أن نجم HD 93521 تعرض لاندماج نجمي، أي أنه بدأ نجمًا في نظام ثنائي مكون من نجمين متوسطي الكتلة، اندمجا في الماضي القريب نسبيًّا ليشكلا النجم الذي نراه اليوم، فالاندماج النجمي يجمع سرعة دوران النجمين حول محوريهما، والزخم الزاوي حول مداريهما.
حسب قول العلماء، سيملك نجمان متوسطا الكتلة فترة الحياة اللازمة ليقوما بالرحلة إلى الهالة المجرية.
حتى أنهم وجدوا نجمًا ثنائيًّا قد يؤكد أقوالهم، نجم آي تي ليبرا هو نجم ثنائي مكون من نجمين من الفئة B أحدهما أكبر من الآخر (نجوم الفئة B أصغر بدرجة من نجوم الفئة O)، يبدو النجم الأكبر بينهما أقصر عمرًا من أن يقوم بالرحلة التي أوصلته إلى مكانه الحالي. لكن فريقًا من العلماء فسر الأمر في بحث قيد الطباعة، يظهر أن النجمين في نظام ثنائي متقارب وأن كتلة النجم الأصغر بدأت بالفعل الانتقال إلى الأكبر.
الأمر الذي يعني أن كتلة النجم الأكبر مضللة، لأنه ولد أصغر من ذلك ثم انتقلت إليه كتلة من النجم الأصغر، أي أن فترة حياته أطول مما تبدو عليه.
يقول الباحثون: «تتوافق الخصائص الملاحظة لنجم HD 93521 مع توقعاتنا لنجم ناتج عن اندماج. يبدو النجم يافعًا جدًّا مقارنةً مع زمن سفره من القرص المجري، وذلك لأن اندماج نجمي النظام الثنائي قد جدّده. سيزود استكشاف الأنظمة المماثلة بمعلومات هامة حول خصائص النجوم الناشئة عن الاندماج أو انتقال الكتلة، الأمر الضروري لفهم نواتج انفجارها النهائي».
نُشر البحث في مجلة Astronomical Journal.
اقرأ أيضًا:
رصد جرم غريب يؤثر في سطوع نجمه
رصد كوكب خارجي داخل نظام نجمي كبير يغير مفهومنا عن كيفية تكون هذه الأجرام
ترجمة: إيهاب عيسى
تدقيق باسل حميدي
مراجعة: نغم رابي