اعتادت أمي أن تقول لي إذا استطاع كلبك التحدّث، فستنكشف كلُّ أسرارك!
وهي في الواقع مُحقةٌ كليًا، لأنّه في نهاية المطاف أكثر كائنٍ مُقرَّب إليّ.
وعلى الرغم من ذلك، يدفعني هذا إلى التفكير، لماذا لا تستطيع الحيوانات التكلّم مثلنا؟
العديد من الأفلام مبنيّة على سيناريوهات كهذه، إذ تتحدث فيها الحيوانات مع بعضها ومع البشر أيضًا، فلِمَ هذا الأمر غير مُمكن؟
أو بالأحرى، ما الذي يمنحنا القدرة على التواصل بهذه الطريقة؟
التواصل والكلام
يمكن لمفهوم التواصل والكلام أن يكون غامضًا، لذلك دعني أوضّح ما أعنيه.
كل الكائنات تتواصل، فهذا هو مفتاح نجاتها، وحتّى الكائنات وحيدة الخلية لديها القدرة على التواصل.
لكنَّ هذا التواصل ليس بالضرورة أن يكون بالطريقة المحكيّة، إذ يمكن أن يتمّ عبر الأفعال، الإيماءات، المواد الكيميائية، الأصوات، أو حتّى عبر الرقص!
عندما أقول (الكلام)، فأنا لا أشير إلى قدرة البشر على الاكتفاء بالتحدّث عن الجوع فقط ولكن أيضًا إلى مناقشة خططهم القادمة في عطلة نهاية الأسبوع.
عادةً ما يكون التواصل موجودًا بالفطرة، إذ لا يُضطرّ المخلوق بعمرٍ صغيرٍ أن يتعلّم كيفية التواصل مع أهله.
على سبيل المثال، القطة لا تعلّم أطفالها كيف يطلقون صوت الهرير عندما يكونون سعداء، أو الهسيس عندما يكونون غاضبين.
لا يحتاج الكلب إلى التدريب كي يهزّ ذيله عندما يشعر بالسعادة أو حتّى ينبح.
وبالمثل، عند البشر، نحن نصرخ عند الشعور بالألم أو الخوف، وهذا سلوكٌ فطريٌّ ولا يتطلّب التعليم.
ومع ذلك فإنّ كلامنا هو شيءٌ نتعلّمه، فنحن نتعلّم لغاتٍ مختلفة من أهلنا أو من أشخاص آخرين.
الكلام أمرٌ فريدٌ، فهو مزيجٌ من الأصوات والمقاطع اللفظيّة المرتّبة في أطوال ومجموعاتٍ مختلفةٍ للتعبير عن الأفكار المختلفة، والأحاسيس، وغيرها.
بغضّ النظر عن عملية إصدار الصوت، فإنّ المعنى وراء الكلمة أمرٌ أساسيٌّ، الكلمات Dog أو Apple لا معنى لها بصرف النظر عن المعنى الذي اختاره لها المتحدّثون باللغة الإنكليزية.
قد تكون لنفس الصوت معانٍ مختلفة في لغاتٍ مختلفة، وبالمثل، قد تكون للشيء الواحد أسماء مختلفة في لغاتٍ مختلفة.
وجهة نظري هي أنّه عندما نتحدث عن الكلام فإنّه يتعلّق بإنتاج الصوت والمعنى الكامن وراءه.
لماذا لا تستطيع الحيوانات التكلم؟
الآن، وبعد أن قمنا بتبسيط فعل الكلام، سيكون من السهل الإجابة عن السؤال السابق.
عندما نفكر في سبب عدم تمكّن الحيوانات من التحدث، نحتاج إلى معرفة السبب في عدم تمكّنها من تنفيذ العمليتين في وقتٍ واحد.
عبارة (في وقتٍ واحد) جوهرية، إذ توجد حيوانات تقوم بتأدية إحدى هاتين الوظيفتين، لكن لا يمكن اعتبار هذا بمثابة (كلام).
فعلى سبيل المثال، يمكن للببغاء أن يقلّد أصوات البشر، كما توجد حيواناتٌ كالحيتان تقوم بتعليم أغانيها لصغارها، على الرغم من ذلك، لا يوجد معنى مُحدّد وراء هذه الأمور.
يوجد عند البشر عددٌ من الأسباب التي يمكن أن تفسّر قدرتهم على الكلام، كما هو الحال مع الكثير من الفعاليات البيولوجية، فإنّ مدى ودقة هذه الأسباب غير مفهومة بشكلٍ كامل.
الاستنتاج الأوّل والأكثر وضوحًا الذي توجّه نحوه العلماء هو أنّ جسمنا مبنيٌّ بشكلٍ مختلفٍ أو بدقةٍ أكبر، نحن نمتلك فكًّا، لسانًا، حنجرة أو صندوقًا للصوت، وغيرها من الأمور.
على الرغم من ذلك، لا أساس لهذا الادّعاء، على سبيل المثال، كان يُعتقَد أنّ أسلافنا (القرود) لم يستطيعوا التحدّث لأن الحنجرة عندهم لم تنحدر للأسفل بقدر ما هي منحدرة عندنا.
لكن بالنهاية، وجد الباحثون أنّها تنحدر للأسفل عند قردة الشمبانزي الشابّة، لذا، من الواضح أنّ بنية الجسم لا يمكن أن تلعب دورًا أساسيًا في إصدار الصوت.
ترتبط “باحة بروكا” الموجودة في المخ في دماغنا ارتباطًا وثيقًا بفهم الكلام، هذا الجزء من الدماغ يكون غائبًا أو قليل التطوّر عند حيواناتٍ أخرى.
ويُقال إنّ هذه الباحة هي ما يعطينا القدرة على الكلام، وهناك أيضًا مسارات مُعيّنة توجد فقط عند بعض الحيوانات والبشر.
من المفترض أن تكون هذه المسارات مفيدةً في قدراتنا الصوتية، المجموعات الأخرى من الحيوانات والتي يُقال إنها تمتلك هذه المسارات هي الطيور (كالطيور الطنانة، الطيور المغرّدة، والببغاوات) وكذلك الثدييات (كالخفافيش والحيتان).
عامل آخر يعطينا هذه القدرة هو المورّثة FOXP2.
هذه المورّثة مسؤولةٌ عن تفعيل مورثاتٍ أخرى، يؤدّي الخلل في الجينات إلى مشاكل في الكلام واللغة، وبما أنّ هذا الجين يفعّل جيناتٍ أخرى فما يزال من غير الواضح أيُّ جينٍ مسؤولٌ عن اللغة والكلام.
قدمت (إيلين مورغان – Elaine Morgan) نظريةً أخرى تقول إنّ قدرتنا على الكلام هي جزئيًّا بسبب مسارنا التطوريّ، وإنَّ تطوّرنا من القرود المائية وليس مباشرةً من القردة متسلقة الأشجار.
بسبب مرحلة القردة المائية، تعلّمنا بشكلٍ واعٍ التحكّم بتنفّسنا؛ وهذا بدوره مكّننا من إصدار الأصوات المطلوبة للكلام.
يمكن لحيواناتٍ معيّنةٍ كالببغاوات وحتّى بعض الفيلة أن تقوم بتقليد كلامنا.
ومع ذلك، وكما وضّحنا سابقًا، فإنّ هذه الحيوانات لا تفهم معنى الكلمات التي تردّدها.
باختصار، الكلام قدرةٌ فريدةٌ يمتلكها البشر، ومن المعلومات التي نمتلكها، فإنّ الإجابة الوحيدة التي يمكنني التوصّل إليها هي أنّ مسارنا التطوّريّ منحنا هذه القدرة، وبالتالي لعب دورًا في جعل البشر صنفًا متفوّقًا.
وعلى الرغم من أنّ الحيوانات الأخرى تملك القدرة على تقليد الأصوات التي نقوم بها، أو لديها طرقُها الخاصة للتواصل فيما بينها، فإنه حتّى الآن، لم تُظهر أي حيواناتٍ أخرى نفس قدرة البشر.
ومع ذلك، ربّما السؤال الحقيقي الذي يجب أن نقوم بطرحه هو كيف تتواصل هذه الحيوانات؟
ربّما تقودنا وجهة نظرٍ بعيدةٌ بشكلٍ أكثر عن الإنسان إلى طرح الأسئلة الصحيحة وبالتالي إيجاد إجاباتٍ أفضل.