عندما يدخل نيزك صغير الغلاف الجوي للأرض، فإنه ينتقل من السفر عبر الفراغ إلى السفر عبر الهواء. السفر عبر الفراغ سهل ولا يتطلب أي طاقة. لكن السفر عبر الهواء مختلف.
عادةً ما يسافر النيزك الذي يتحرك عبر الفراغ –الفضاء- بسرعات تصل إلى عشرات الآلاف من الأميال في الساعة. عندما يضرب النيزك الغلاف الجوي للأرض، ينضغط الهواء أمامه بسرعة مذهلة. ترتفع درجة حرارة الغاز بينما ينضغط، ما يسبب تسخين النيزك لدرجة أنه يضيء. يحرق الهواء النيزك حتى لا يتبقى منه شيء. قد تبلغ درجات حرارة الدخول إلى الغلاف الجوي 1650 درجة مئوية.
من الواضح أنه لن يكون بالأمر الجيد أن تحترق مركبة فضائية عندما تدخل الغلاف الجوي. تُستخدم تقنيتان للسماح للمركبة الفضائية بدخول الغلاف الجوي بأمان:
- تقنية الاجتثاث.
- تقنية البلاط العازل.
في تقنية الاجتثاث، يذوب سطح الواقي الحراري ويتبخر، فيتخلص من الحرارة. وهي التقنية التي حمت مركبة الفضاء أبولو.
أما في تقنية البلاط العازل، يحمي بلاط السيليكا الخاص المكوكات الفضائية. السيليكا هي عازل ممتاز، حتى أنه يمكن الإمساك بحافة بلاط مكوك الفضاء بعد تسخين مركزه باستخدام شعلة النفخ. البلاط عازل جيد فلا تصل الحرارة إلى الحواف.
ينتج بلاط الكبح الهوائي من ألياف السيليكا غير المتبلورة التي تُضغط وتُلبد، بمسامية تصل إلى 93٪ -أي إنه خفيف الوزن للغاية- وتمدد حراري منخفض، وموصلية حرارية منخفضة -الصور المعروفة لشخص يمسك بلاطة مكوك الفضاء من الزوايا بينما المركز أحمر حارًا- وخصائص صدمة حرارية جيدة. يمكن إجراء هذه العملية بسهولة في الفضاء عندما نتمكن من إنتاج السيليكا بالنقاء المطلوب.
هذا البلاط يمنع حرارة الاحتكاك مع الغلاف الجوي من الوصول إلى داخل المركبة الفضائية.
لماذا لا تحترق المركبة الفضائية أو تنحرف عن مسارها في أثناء العودة من الفضاء؟
قد يكون بلوغ الفضاء هو الهدف، لكن العودة إلى الأرض بعد زيارة أحد الكواكب المجاورة، أو حتى مدار مرتفع، قد تكون محفوفة بالمخاطر. كما يعلم أي مشاهد لأفلام (الطاقم الصحيح) و(أبوللو 13)، يجب أن تعيد المركبة الفضائية دخول الغلاف الجوي للأرض بزاوية دقيقة لتجنب الاحتراق أو العودة مرة أخرى إلى الفضاء.
قبل برنامج الفضاء بفترة طويلة، أدرك علماء الفلك أن النيازك تحترق عندما تدخل غلافنا الجوي. تشير آلي أندرسون، طالبة الدراسات العليا في علم الطيران والملاحة الفضائية، إلى أن السبب هو الاحتكاك بجزيئات الهواء (تذكر أنه لا يوجد هواء في الفضاء الخارجي): «الأجسام العائدة من الفضاء تسافر بسرعة تبلغ أضعاف سرعة الصوت، لذا يجب حمايتها من الحرارة الشديدة التي يسببها هذا الاحتكاك لمنع الاحتراق أو التفكك».
طُوّرت الدروع الحرارية -التي خشي فريق التحكم في المهمة من تعرضها للتلف في رحلة جون جلين ميركوري وأبولو 13- في الأصل خلال الحرب الباردة، لحماية الصواريخ الباليستية بعيدة المدى حتى لا تنفجر قبل الوصول إلى أهدافها. طُبقت التكنولوجيا ذاتها لاحقًا في برنامج الفضاء. في مهمات (ميركوري) و(جيمني) و(أبوللو)، كانت دروع الاجتثاث الحراري -المصممة لتتلف أو تُدمر في أثناء الاستخدام- مصنوعة من طبقة من الراتينج البلاستيكي الثقيل. عندما تصبح ساخنة بدرجة كافية، تحترق المادة الموجودة على الدرع وتسبب تفاعلًا كيميائيًا يدفع الغاز الساخن بعيدًا عن المركبة الفضائية.
صُممت أولى مركبات العودة للاستخدام مرة واحدة، لكن عند تصميم مكوك الفضاء بوصفه مركبة فضائية قابلة لإعادة الاستخدام، احتاج مصممو ناسا إلى درع حراري قابل لإعادة الاستخدام. تقول أندرسون: «استخدم المكوك بلاط السيراميك لإعادة إشعاع الحرارة للخارج، مع طبقة عازلة بين البلاط والمركبة».
العاملان الأساسيان اللذان يضمنان قدرة المركبة الفضائية على العودة بأمان هما شكل المركبة وزاوية إعادة دخولها. أظهرت الأبحاث التي أجرتها اللجنة الاستشارية الوطنية للملاحة الجوية سنة 1951 أن الشكل الانسيابي يقلل من الحمل الحراري. توضح أندرسون: «باستخدام مركبة ذات شكل غير حاد، لا تندفع جزيئات الهواء سريعًا فتعمل مثل وسادة، ما يحافظ على موجة الصدمة التي تحصل بسرعة ماخ وتطرد الغازات الساخنة بعيدًا عن سطح المركبة».
أيضًا، يجب أن تضرب المركبة الفضائية مسار العودة بزاوية دقيقة إلى حد ما. إذا كانت الزاوية شديدة الانحدار، يزداد التعرض للاحتكاك ومن ثم الاحتراق، وإذا كانت مسطّحة جدًا، فقد تقفز المركبة الفضائية إلى المدار مثل حجر عبر بركة ماء. أشارت أندرسون إلى أن زاوية إعادة دخول مكوك الفضاء كانت عادةً نحو 40 درجة.
ربما يكون مكوك الفضاء قد خرج من الخدمة، لكن استكشاف الفضاء لا يزال مجالًا مهمًا، وذلك بفضل نجاح كيوريوستي، العربة الجوالة التي هبطت على سطح المريخ في أغسطس 2012، يدعمها أساسًا خريجو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وفقًا لأندرسون، سيعود الجيل القادم من المركبات الفضائية التابعة لناسا إلى نموذج كبسولة مع درع حراري اجتثاثي. نظرًا إلى أن ناسا سترسل مركبة فضائية إلى أهداف أبعد، فقد تكون هذه الدروع الحرارية هي المفتاح الذي يسمح للمركبة الفضائية بالذهاب إلى حيث لم يذهب إنسان من قبل.
اقرأ أيضًا:
بالفيديو – الحطام الفضائي لحظة دخوله الغلاف الجوي لكوكب الأرض
لماذا تنفجر الشهب عند وصولها إلى الغلاف الجوي للأرض؟
ترجمة: طاهر كلبيت
تدقيق: نايا بطاح