تُعرَف الأمم الغابرة أحيانًا بالأشياء التي تركتها خلفها. ولُقّب (أهل الخزف المحزّم – Neolithic Corded Ware) في أوروبا -على سبيل المثال- نسبة للفخّار خاصّتهم الذي صنعوه.
وفِي حال لُقِّب البشر اليوم، فسنُعرَف على الأرجح بأهل الدجاج.
الدجاج الأليف -والذي ظهر أنّه- قد يصبح علامةً لعلماء الآثار المستقبليين الذي سيصرخون «لقد كان البشر هنا!».
فمجموع كتل جميع أنواع ما يُطلَقُ عليه علميًا “Gallus gallus domesticus” لم يتخطّى مجموع كتل جميع الطيور البريّة مجتمعةً وحسب، بل إنّ الدجاج الأليف يحمل علاماتٍ مميّزة في عظامه في عهد الزراعة الصناعيّة.
وتتحدث (كاريز بينيت – Carys Bennett)، والتي تقود دراسة نشرت في 11 ديسمبر -المترجم:2018- في مجلة “Royal Society Open Science” العلميّة والتي تناقش فيها إمكانيّة جعل أحافير عظام الدجاج علامةً للحِقبة الجيولوجيّة الجديدة (الحِقبة الإنسانية – the Anthropocene)، قائلة: «إنّه مثال -فعلًا- لكيفيّة تغييرنا نحن البشر للبيئة الحيويّة لتناسب احتياجاتنا».
الدجاج يحتلّ العالَم
بينيت عالمة جيولوجيّة، وتهتم هي وزملاؤها بإيجاد علاماتٍ لحِقبة جديدة محتملة في التاريخ الجيولوجيّ.
لا تزال الحِقبة الإنسانيّة أو الإنثروبوسين حِقبةً مثيرةً للجدل، وتُعرَف بإنّها الحِقبة حيث يكون البشر هم المؤثّر الأكبر في بيئة الأرض.
وتذكر بينيت لموقع “Live Science” أنّ مِفتاحًا واحدًا مطلوبًا في هذه الحِقبة، ألا وهو الحصول على “فهرس أحافير”.
وفهرس الأحافير هو الأحافير التي يمكن إيجادها حول العالم خلال حِقبةٍ معيّنة حيث تتفرّد بها الحِقبة عن غيرها من الحقب، فتميّزها عن الحقب التي تسبقها وتلك التي تعقبها.
وقد يكون الدجاج هو فهرس الأحافير للحِقبة الإنسانيّة. والأرقام تقصّ علينا: تعيش ما يقارب 21.4 مليار دجاجةٍ أليفةٍ على الكوكب اليوم، جاعلة إياها أكثر الطيور عددًا على الإطلاق، ومجموع كتلها أو (الكتلة الإحيائيّة – biomass) حوالي 11 مليار رطل -5 مليارات كيلوجرامًا-.
كما يتواجد الدجاج في أنحاء المعمورة. استهلك البشر ما يُقدَّر بـ62 مليار دجاجة في عام 2014 وحده.
كما كتبت بينيت وزملاؤها أنّ حال الكثير من عظم الدجاج ينتهي في مِكبّ النُفايات، وهي أماكن فقيرة بالأكسجين ما يجعلها مناسبةً لحفظ المواد العضويّة.
يعني هذا إمكانيّة تحوّل الدجاج إلى سجلّاتٍ أحفوريّة في الغالب.
الدجاج المتحوّل
وفي حال وجد علماء الأحافير المستقبليّون البقايا الأحفوريّة لدجاج اليوم، فسيدركون على الأرجح بسرعةٍ أنّ تلك المخلوقات التي اكتشفوها لم تُكوَّن طبيعيًا.
وحَلّلت بينيت وفريقها عظام أرجل الدجاج من قاعدة بياناتٍ لعظام الحيوانات والتي وُجِدَت في لندن.
وحُدّد تاريخ العظم للحِقبة الرومانيّة، والتي بدأت في 43 بعد الميلاد.
وقد كان الدجاج الأقدم صغير الحجم، مثل أجداده البريّين، (دجاج الأدغال الأحمر – red jungle fowl) -الاسم العلميّ: Gallus gallus-. وفِي حوالي عام 1340، وجد الباحثون أنّ الدجاج أصبح أثقل وأضخم، نتيجة تجارب (الاستيلاد الانتقائيّ – selective breeding) في ذلك الوقت على الأرجح.
وفِي حوالي 1950 بدأت قياسات عظم الدجاج بالتغيُّر.
كان عظم الدجاج القاصِر الحديث يُساوي ثلاثة أضعاف عرض دجاج الأدغال الأحمر البريّ وضعفيّ طوله.
دجاج اليوم أكبر بـِ 4-5 مرّات من دجاج النوع ذاته في 1957.
تقول بينيت لموقع “Live Science”: «هذا مثيرٌ للدهشة».
ودجاج المونستر -أو الدجاج الوحش- اليوم لا يُعتَبَر نِتاج الصدفة؛ فهو نتيجة مسابقة أقامها سوبرماركت عام 1948 تحت اسم “دجاج الغدّ”، تحثُّ فيها المرّبين وتشجّعهم على تربية دجاجٍ أكبر حجمًا وأسرع نموًا.
حيث ينمو دجاج اليوم بسرعةٍ كبيرةٍ حتّى أنّ عظامه أكثر مساميّة مقارنة بقرينه البريّ.
ويُذبَح عادةً خلال 7 أسابيع من عمره، ولا يعيش بشكلٍ جيّدٍ في حال سُمِح له بالعيش فترةً أطول من هذه، وذلك بحسب ما كتبته بينيت وزملاؤها.
كما تذكر بينيت أنّه سيكون بقدرة كيميائيّي الأرض مستقبلًا كشف النظام الغذائيّ المبنيّ على القمح لدجاج اليوم من خلال الجزيئات التي بَنَت عظامه.
وفِي حال استطاعوا الحصول على سلسلة (الحمض النوويّ – DNA) من أحافير عظم الدجاج، سيجدون تغيّراتٍ في بعض الجينات، كطفرةٍ تسمح للدجاج الأليف بالتزاوج طوال العام بدلًا عن التزواج موسميًا.
(اللجنة الدوليّة لعلم طبقات الأرض – The International Commission on Stratigraphy) والتي أُسِّسَت من قِبَل مجموعةٍ من العلماء حول العالَم، مسؤوليّتها تعريف الفترات والحقب والعصور التي يستخدمها الباحثون لفهم تاريخ الأرض.
وتقول بينيت أنّه لم يتبنى تعريف الحِقبة الإنسانيّة حتّى الآن رسميًّا، وعلى الأرجح ستأخذ العمليّة سنوات.
مع ذلك هناك علامات للحِقبة الإنسانيّة والتي ستكون واضحةً بشكلٍ جيّدٍ في سجلّات الصخور خلال الألفيّة.
فعلى سبيل المثال شهد علماء في 2014 صخرةً جديدةً سُمّيَت (بلاستيغلومريت – plastiglomerate) وهي عبارة عن خليطٍ من الحمَم البركانيّة -(اللافا – Lava)- وبلاستيك ذائب تتواجد في بعض الشُطآن.
كما ناقش الباحثون أنّ الرواسب قد تحمل أماراتٍ أخرى تدلّ على المجتمع الصناعيّ، تشمل آثار تسرباتٍ من البنزين المتسرّب، أو نواتج ثانويّة نتجت عن حرق الوقود الأحفوريّ، والنيتروجين المُستخلص من الأسمدة.
وتقول بينيت يمكن للدجاج أن يكون كذلك أيضًا.
وتصرّح: «بينما تتنامى أعداد الدجاج، كذلك تتنامى أعداد سكّان البشر، وكميّة البلاستيك التي نستخدمها، وكميّة الوقود الأحفوري الذي نحرقه أيضًا.
لذا يتناسب الوقت مع ما ينظر إليه العلماء على أنّه حدود الحِقبة الإنسانيّة، والذي سيكون 1950».
- ترجمة: لُبيد الأغبري
- تدقيق: آية فحماوي
- تحرير: كارينا معوض
- المصدر