قال جون آدامز: «يمثل الحق في المحاكمة أمام هيئة المحلفين، إلى جانب الحكومة التمثيلية: قلب الحرية ورئتيها!».
حق المحاكمة أمام هيئة المحلفين هو حق متجذر في القانون الإنجليزي الشائع، واعتنق الآباء المؤسسين هذا الحق، وظل حتى يومنا هذا حجر أساس يقوم عليه قانون الولايات المتحدة الأميركية.
تقول بريان جورود، كبيرة مستشاري مركز المساءلة الدستورية: «كانت هيئة المحلفين بالنسبة إلى الآباء المؤسسين جزءًا أساسيًا من ديمقراطيتنا، ووسيلة للتحقق من تجاوزات الحكم المحتملة وإساءة استخدامه».
دُوّن الحق في المحاكمة أمام هيئة محلفين، إضافةً إلى الحكومة التمثيلية، بوصفهما التعديلين السادس والسابع في وثيقة حقوق بيل، وهما يمثلان «قلب الحرية ورئتيها» وفقًا لجون آدامز: «من دون هذه الحقوق، فلا يوجد ما يحمينا أن نعامَل مثل الماشية».
تاريخيًا
يعود تاريخ مفهوم المحاكمة بواسطة هيئة المحلفين إلى قرون مضت، إذ استخدم المصريون القدماء واليونانيون والرومان والساكسون والقبائل الجرمانية القديمة أشكالًا مختلفة من تطبيق القانون. إضافةً إلى ذلك، استمعت هيئات محلفين ضخمة تصل إلى 500 رجل إلى القضايا في اليونان القديمة، وظهرت نظم أحدث لهيئة المحلفين بعد الغزو النورماندي عام 1066 في إنجلترا في العصور الوسطى، وفي منطقة نورماندي في عهد الملك هنري الثالث.
استوحى الآباء المؤسسين نظام المحاكمة بواسطة هيئة المحلفين من الميثاق العظيم «ماجنا كارتا- 1215» للحقوق الإنجليزية الذي وقع عليه الملك جون، إذ ذكر الميثاق أن الملك ليس فوق القانون، وتضمن بعض الحقوق المدنية، منها حق الحصول على محاكمة عادلة أمام هيئة المحلفين.
ينص الفصل 39 من الميثاق العظيم على: «لا يجوز الاستيلاء على الإنسان الحر أو سجنه أو تجريده من حقوقه وممتلكاته إلا بواسطة حكم قانوني من أقرانه».
ألهمت هذه الوثيقة إعلان الاستقلال وكذلك دستور الولايات المتحدة الأميركية، وكانت هذه الوثيقة مفضلة لدى المستعمرين الأميركيين الذين اعتقدوا أن المحاكمة بواسطة هيئة محلفين حق أساسي.
وفقًا لبريانا سيد، المستشارة في برنامج العدالة بمركز برينان، إضافةً إلى الميثاق العظيم، تأثر الآباء المؤسسين بالفلاسفة أيضًا، مثل جون لوك ومونتسكيو.
تضيف سيد: «بحلول القرن السابع عشر، كان الحق في محاكمة أمام هيئة المحلفين حقًا راسخًا في القانون الإنجليزي العام، وعُدّ حقًا أساسيًا وضمانة أساسية ضد الحكم التعسفي».
التعديلان السادس والسابع
بعد إقرار دستور الولايات المتحدة، تعاون جيمس ماديسون مع الآباء المؤسسين لإضافة وثيقة حقوق لمواجهة المخاوف المعادية للفيدرالية، يشمل ذلك حماية الحريات الأساسية والحد من السلطة الفيدرالية. أُضيف التعديلان السادس والسابع المصدق عليهما، المعنيان بالمحاكمة بواسطة هيئة المحلفين إلى التعديلات العشر الأولى للدستور عام 1791.
قدم جيمس ماديسون مشروع التعديل السادس في الاجتماع الأول للكونغرس عام 1789، ونص التعديل على حق المتهم في المحاكمة العامة بواسطة هيئة محلفين عامة غير منحازة، وحق المتهم في إخباره بالتهم الموجهة ضده، وحقه في مواجهة الشهود، والحق في الحصول على شهود دفاع وأيضًا محامي دفاع.
يقول جورود: «يوضح نص التعديل السادس أن الأمر المهم لدى واضعي النص أن هيئة المحلفين ينبغي ألا تكون منحازة، أي يجب أن يقرر المحلفون الحكم بناءً على الأدلة التي تُقدم في المحاكمة بواسطة هيئة الادعاء ضمن النظام القضائي، لا بناءً على انحيازات مع أو ضد أحد الأطراف».
نص التعديل السابع على أنه يحق لهيئة المحلفين البت في القضايا المدنية الفيدرالية إذا تجاوزت القيمة الخلافية للنزاع 20 دولارًا، وما زال هذا ساريًا حتى يومنا هذا. اقترح ماديسون تعديلًا ينص على أنه فور النظر في القضية، لا يمكن إعادة النظر فيها في أي محكمة من محاكم الولايات المتحدة الأمريكية.
نُشر كتاب «تاريخ المحاكمة بواسطة لجنة المحلفين» عام 1852، وفيه يشير ويليام فورسيث إلى السمة المميزة لنظام هيئة المحلفين: «تتألف هيئة المحلفين من مجموعة من الرجال المختارين من المجتمع كله، يُستدعون للوقوف على حقيقة النزاع، وهم منفصلون تمامًا عن القضاة وهيئة المحكمة».
«هيئة المحلفين مكلفة بالبت في القضية المطروحة، حتى تتمكن من إصدار الحكم الصحيح، لكنهم ليسوا المحكمة نفسها، ولا يشكلون جزءًا منها، ولا صلة لهم بالحكم الذي يعقب صدور قرارهم».
التحقق من تجاوزات الحكومة
وفقًا لبريانا سيد، كان المؤسسون قلقون من قوة الحكومة المركزية، وسعوا إلى منع إساءة استخدام السلطة. أضافت سيد: «كان يُنظر إلى المحاكمة أمام هيئة المحلفين بوصفها جهة رقابية ضد تجاوز الحكومة المحتمل والمحاكمات غير العادلة، على اعتبار أن المحلفين هم مجموعة من الأقران، على عكس القضاة المتحيزين أو المسؤولين الحكوميين الفاسدين، بإمكانهم تقديم تقييم متوازن ونزيه للأدلة، وأن المواطنين العاديين يدعمون معايير المجتمع وسيكونون محميين من الإجراءات الحكومية الاستبدادية».
تشير سيد إلى أن جزءًا من التعديل السادس يضمن المحاكمات العامة: «كان الهدف هو تعزيز الشفافية في العملية القانونية وضمان إقامة العدالة علانيةً، ما يعزز ثقة الشعب في النظام القانوني».
الاختلافات بين نظام هيئة المحلفين والأنظمة القانونية الأخرى
يختلف مفهوم المحاكمة الأميركي بواسطة هيئة محلفين عن بقية الأنظمة حول العالم. تقول سيد: «لم تكن المحاكمة بواسطة هيئة محلفين أساسية في العملية القانونية لدى العديد من الدول، أما بريطانيا فكانت تمتلك نظامًا راسخًا للحكم بواسطة هيئة للمحلفين، في حين لم يكن لدى العديد من الدول الأوربية محاكمات أمام هيئة محلفين إلا في القضايا الكبرى».
«تعامل القضاة غالبًا مع القضايا الجنائية المدنية والأقل خطورةً، واستغنوا عن هيئات المحلفين، مع ذلك، في دول مثل فرنسا، شهد النظام القانوني تغييرات هامة إبان الثورة الفرنسية وما بعدها. أُدخل نظام هيئة المحلفين في القضايا الجنائية بعد التأثر الكبير بالأفكار التنويرية، ولكنه لم يكن راسخًا أو مطبقًا على نطاق واسع كما هو الحال في أميركا».
التغييرات في نظام هيئة المحلفين
خضع نظام هيئة المحلفين لبعض التغييرات منذ نشأته، وتشير سيد إلى قرار المحكمة الأميركية العليا الذي نص على تمديد للتعديل السادس ليشمل الولايات، ومن ثم ضمان الحق في محاكمة أمام هيئة محلفين في كل من القضايا الفيدرالية وقضايا الولايات.
حدثت تغييرات أيضًا حول ضرورة أن يكون الحكم بالإجماع. تقول سيد في هذا الشأن: «في البداية قالت المحكمة العليا إن الحكم ليس من الضروري أن يكون بالإجماع في القضايا على مستوى الولاية، فالولايات الفردية يمكنها اتخاذ القرار، لكنهم أعادوا النظر لاحقًا بهذا الخصوص وقالوا إنه من الضروري أن يكون القرار بالإجماع»، وأشارت إلى أنه لم يُسمح للنساء بالانضمام إلى هيئات المحلفين في جميع الولايات الخمسين حتى عام 1973.
الانضمام إلى هيئة المحلفين
يُعد العمل ضمن هيئة المحلفين واجبًا على كل أمريكي بعمر 18 عامًا أو أكبر، وترسل محاكم المقاطعات استدعاءات للمواطنين المطلوبين لتلبية واجب الخدمة في هيئة المحلفين، ويتم اختيار هيئة المحلفين المحتملة بشكل عشوائي، ويختار محامو الادعاء والدفاع هيئة المحلفين.
يقول جورود: «منذ يوم التصديق على التعديلات، يؤكد حق وجود هيئة المحلفين أن للشعب الأمريكي دور مهم في نظام عدالتنا».
تقول سيد: «بجانب حق التصويت، يُعد الانضمام إلى هيئة المحلفين أحد أكثر الطرق الأساسية التي يستطيع المواطن العادي من خلالها المشاركة في العملية الديمقراطية الأميركية».
«يُمكّن العمل في هيئة المحلفين المواطنين العاديين من أن يصبحوا أدوات للعدالة وأن يمثلوا عادات مجتمعاتهم وقيمها، ويمثل العمل ضمن هيئة المحلفين فرصة لهذه المنظومة المجتمعية أن يكون لها تأثير ذو مغزى في الفصل في القضايا ضمن النظام القانوني الجنائي».
اقرأ أيضًا:
ست حوادث كسوف وخسوف غيرت التاريخ
ترجمة: أميمة الهلو
تدقيق: أكرم محيي الدين