ليس انهيار الجسور أمرًا معتادًا، ولكن عندما يحدُث ذلك، تكون النتائج مُثيرةً ولا تُنسى.
فحين ترى لقطاتٍ من جسر (Tacoma Narrows) المُعلَّق وهو يتصدّى للعاصفة ويتأرجح ذهابًا وإيابًا حتّى ينفصل السطحُ ويتحطّم فوق النهر، سوف لن تنسى ذلك مُطلقًا.
تخيّل قدر الرعب لو كُنت على الجسر حينها!.
غالبًا ما تنهارُ جميعُ الجسور لنفس السبب بالضبط، والذي هو عبارةٌ عن شيء يحدث فيها مما يجعلها غيرَ قادرةٍ على موازنة القوى المُطبّقة عليها، حيث تتعاظم القوّة على أحد عناصر الجسر مثل (البرشام- rivet) أو أحد القضبان المشدودة الحاملة للجسر، والتي تخرجُ من الخدمة فورًا.
وهذا معناه أنَّ الحِمل على الجسر يجب أن يتم تقاسمه فجأةً بواسطة عددٍ أقل من العناصر، لذا قد يدفع أحد العناصر للأحمال أكبر مما يتحمل، وعاجلًا أم آجلًا يخرجُ عنصرٌ آخر عن العمل، ثم آخر، مثل سقوط أحجار الدومينو، حتّى ينهار الجسر بالكامل.
تُظهر هذه الصورة ما تبقَّى من (جسر نهر مسيسبي – I-35W Mississippi River bridge) وهو جسرٌ قوسيّ شبكيّ، يحمل طريقًا سريعًا مُزدحمًا جدًا فوق النهر.
في عام 2007 انهار هذا الجسر بشكلٍ غير متوقّع.
في تقريرٍ عن هذه الكارثة، جاء أن لوحةً معدنيّة كانت قد اندفعت على طول صفٍ من المسامير فانتزعتهم، مما سبّب الانهيار الكارثي.
ومما زاد الطينَ بِلةً حينها، أنَّ الجسر كان يحمل حمولةً إضافيّة ضخمة من مُعدّات البناء للإصلاح والتدعيم.
ومع العثور على عدد من الشقوق والتآكلات، تم اعتبار الجسر “قاصر هيكليًا” منذ عام 1990.
في العموم، هنالك طريقتان مختلفتان يُمكن للعنصر الإنشائي للجسر أن ينهار تحتهما بشكلٍ كارثيّ، الطريقةُ الأولى والأبسط هي (الضعف والتعب) فقد يكون العنصر ضعيفًا جدًا للتعامل مع الحمولات المُفاجئة.
فإذا تم تصميم جسر لنقل ما لايزيد عن 100 سيّارة، وتم نقل 200 شاحنة ثقيلة عليه بدلًا من السيارات، ذلك من شأنه أن يُشكّل حمولةً متحركة خطيرة، أو أن تضرب رياحٌ بقوة الإعصار الجسر، فتلوي سطح الجسر أكثر بكثير ممّا صُمِمَ ليتحمّله، الأمر الذي قد يكون كارثيًا أيضًا.
لذا يمكن أن ينهار الجسر الضعيف عندما تتجاوز القوّة لمقاومة الشد الحديّة (أكبر قيمة قوّة يمكنك شدّها) أو مُقاومة الضغط ( أكبر قيمة قوّة يمكنك ضغطها) للمواد التي شُيّد منها الجسر.
لكن، من ناحيةٍ أخرى، حتّى ولو كانت قوى الشد والضغط متواضعة نسبيًا وضمن حدود المحتمل، فقد تسبب انهيار الجسر.
فعادةً ما تخضع مواد البناء لقوى الضغط والشد بشكل متكرر، فعلى سبيل المثال؛ يتعرّض سطح الجسر لحمولة عندما تعبر فوقه شاحنة ولكن هذه الحمولة سرعان ما تزول بعدما تغادره الشاحنة، الأمر الذي قد يحدث مئات أو آلاف المرات في اليوم، تمامًا كحالِ مِشبك الورق حيث ينكسر عندما تثنيه إلى الأمام والخلف بشكلٍ متكرر.
هذه الدورات اللا متناهية من الإجهاد والضغط، الثني والراحة، من شأنها أن تُضعف مواد البناء تلك مع مرور الزمن وذلك ما يُسمّى يالكلال الميكانيكي أو التعب.
بعد فترة، قد ينهار شيءٌ ما مثل كابلٍ معدنيّ أو عُقدة في الجسر تحت تأثير التعب، بالرغم من عدم تعرضه لحمل كبير في لحظة الكسر على وجه الخصوص.
غالبًا ما يزداد التعب بسبب التآكل التدريجي للمُكوّنات المعدنيّة (الصدأ) أو ما يُعرف بشكلٍ غير رسمي ب (سرطان الخرسانة) كأن تتشقق الخرسانة عندما تتعرّض قضبان التسليح داخلها للصدأ.
يُحاول المهندسون حمايةَ الجسور من الإنهيار بطريقتين رئيسيتين.
الأولى هي عمليّات الفحص الدوريّة والصيانة الوقائيّة، حيث أنّها تُساعد في اكتشاف المشاكل وتصحيحها قبل وقوع الحادثة وفوات الأوان.
فإذا تعلّمنا أن نرى الجسور على أنّها «منشآتٌ حيّة»، تزدادُ عُمرًا وضعفًا بسبب العوامل الجويّة والبيئيّة، سيكون من السهل علينا معرفةُ حاجتها للصيانة الدوّريّة المنتظمة تمامًا كما هو الحال في منازلنا وأجسادنا.
أمّا الطريقة الثانية فهي عن طريق تصميم البناء على عامل أمان يسمح له بالتعامل مع القوى التي تكبره بعدة مرّات والتي من المرجّح أن يتعرض لها.
وقد يتضمّن ذلك إضافة مكوّنات ومدعّمات حتّى إذا ما خرج أحد أجزاء الهيكل عن العمل، تتوزّع الحمولة بأمان على باقي الأجزاء إلى حين إصلاح الجزء المُنهار.
يوضّح هذا الفيديو انهيار جسر (Tacoma Narrows) بعد انقطاع أحد الكابلات الفولاذيّة الحاملة له نتيجة اهتزاز الجسر بفعل سرعة الرياح، ليتحطّم في نهاية الأمر فوق النهر.