من منا لم يستمتع بأفلام الحركة؟ لا سيما تلك اللقطات التي تحبس الأنفاس، حينما يندلع الحريق في برج عملاق وتتحطم نوافذه دون أي إشارة إلى حياة البطل، لكن بعد صمت يخرج البطل واقفًا بين قطع الزجاج المحطمة. بقدر ما يبدو المشهد دراماتيكيًا، ليس انكسار الزجاج بسبب الحريق مجرد لقطة خيالية من فيلم، بل من الممكن حدوثها في الحياة الواقعية أيضًا، مثل حرائق المباني السكنية.
لماذا ينكسر الزجاج عند اندلاع الحريق؟
تؤدي الفتحات أو النوافذ في جدران الغرفة المشتعلة دورًا رئيسيًا في انتشار الحريق.
تُعد النوافذ أقل أجزاء المبنى مقاومةً للحريق، مقارنة بالجدران أو أي جزء آخر، عند نشوب الحريق في حجرة ما، ترتفع درجة الحرارة داخل الغرفة ارتفاعًا غير منتظم، ما يؤدي إلى كسر الألواح الزجاجية.
يُعد منتصف اللوح المنطقة الأكثر عرضة للحرارة، لذلك يكون أسخن من سائر اللوح. تخلق الموجات الحرارية تدرجًا حراريًا في مستوى اللوح ما يؤدي إلى تسخين غير منتظم.
كيف ينكسر الزجاج بسبب الحريق؟
تُركّب النوافذ الزجاجية عادةً داخل إطارات سُمكها أكبر مقارنةً باللوح الزجاجي.
عند نشوب الحريق، تتدفق الحرارة بشدة على أحد جانبي اللوح زجاجي، ما يسبب تدرجًا حراريًا حادًا عبر سُمك اللوح.
يُطلق على التسخين السريع اسم «الصدمة الحرارية»، في حين يُطلق على التدرج العميق الناتج عن الحريق «الإجهاد الحراري»، وها ما يسبب انكسار الزجاج.
ولأن سُمك الإطار أكبر من سُمك اللوح، فعند الحريق يتركز الضغط الحراري على وسط اللوح، وتنقل النار الحرارة في صورة إشعاع حراري على لوح الزجاج.
تقاوم الحواف الإشعاع الحراري إلى حد ما، إذ تفقد بعض الحرارة من خلال اتصالها بالإطار، الأكثر سُمكًا ومقاومةً للحرارة.
تُسبب الحرارة المركزة على وسط اللوح الزجاجي تمدده، لكن الحواف تكون أبرد نسبيًا، ما يؤدي إلى إجهاد المادة وكسر الزجاج.
في حالات التسخين المنتظم، أي عندما تتعرض النافذة الزجاجية لحمل حراري منتظم، تظل حواف ألواح الزجاج أبرد نسبيًا، لأن الحرارة الجانبية تتبدد في إطارات النوافذ السميكة، ما يجعل الحواف باردة.
يتشقق الزجاج قبل أن ينكسر، تنشأ التشققات من حواف الزجاج المدمجة في الإطارات، ويعتمد الوقت بين تشقق الزجاج وانكساره على نوع الزجاج وطبيعة الحريق.
العوامل المؤثرة في انكسار الزجاج:
لا تنكسر كل النوافذ الزجاجية عند نفس درجة الحرارة، فلكل نوع من الزجاج مقاومته الحرارية.
(1) سُمك لوح الزجاج
يُعد سمك الزجاج عاملًا رئيسيًا يؤثر في كسر الزجاج، أُجريت العديد من التجارب لفهم العلاقة بين سُمك الزجاج والضغط الحراري، وجاءت النتائج كالتالي:
(2) نوع الزجاج
يُحدث نوع الزجاج فرقًا، فقد اختبرت المقاومة الحرارية للزجاج المستخدم في المباني التجارية، فانكسر لوح زجاج بسُمك 6 مم عند تعرضه لتدفق حراري قدره 23 كيلو واط م2، واستغرق تحطمه 7 دقائق.
يتطلب الزجاج المقوى بسُمك 6 مم درجة حرارة 330-380 درجة مئوية ليتصدع، أما الزجاج بسُمك 10 مم فيتطلب نحو 470-590 درجة مئوية.
في حين يتطلب الزجاج البلاستيكي المُستخدم في مركبات النقل والمباني المدرسية تدفقًا حراريًا قدره 26 كيلوواط م2 ليتصدع.
من المعروف أيضًا أن مادة إطار النافذة لها تأثير كبير في انكسار الزجاج بسبب الحرائق.
أظهرت دراسات أن نوافذ ذات إطار مصنوع من الفينيل تتعرض للكسر مبكرًا، إذ يتلف الإطار عند ارتفاع تدفق الحرارة إلى 8 – 16 كيلوواط م2.
وفي دراسات أخرى، يُقاوم زجاج النوافذ المؤطرة بالألومنيوم الحرائق مقاومةً أفضل من النوافذ الخشبية التقليدية.
إضافةً إلى ذلك، فإن عوامل مثل حجم النافذة وطلاء الزجاج والتظليل وعيوب الزجاج وتدرج درجة الحرارة المستوية، تؤثر في تحطم الزجاج بسبب الحرائق، ولا تزال هذه العوامل قيد الدراسة والتحليل.
لماذا من الضروري دراسة المقاومة الحرارية للزجاج؟
مع أن هذا النقاش يبدو غير مُجدٍ لنا، فهو مصيري لكثير من الناس. يُعد كسر الزجاج عند اندلاع حرائق الغرف مشكلة خطيرة، إذ تُعد النوافذ عوائق قبل الكسر، وفتحات بعد الكسر.
علم النار مهم جدًا في ميكانيكا الكسور، وفي قطاعات بناء الآلات والهندسة المدنية، حتى عندما يتعلق الأمر بالسيارات، تُختبر قوة الزجاج المستخدم بعناية، عبر عدد من التجارب النظرية والعملية التي تُجرى لدراسة قدرة الزجاج على مقاومة الحريق.
اقرأ أيضًا:
كيف نطفئ الحريق سريعًا، بالماء الحار أم البارد؟
لماذا ينكسر الزجاج غالبًا عندما يتجمد؟
ترجمة: محمد سعد الحافظي
تدقيق: تسبيح علي
مراجعة: أكرم محيي الدين