تبدو المجرة (PKS 2014−55) عبر التلسكوب العادي لطخةً غير مميزة من الضوء الساطع، لكن عند النظر مرةً أخرى في الأطوال الموجية الراديوية ، سيظهر أن المجرة تخبئ كنزًا ضخمًا متوهجًا في مركزها، وأن اللطخة تتخذ شكل إكس.
(PKS 2014−55) هي مجرة راديوية على شكل حرف إكس (XRG)، وهو نوع غير عادي من المجرات، يظهر عند تصويره بأطوال موجات الراديو بشكل إكس عملاق في سماء الليل. كل واحدة من الأذرع الطويلة للشكل إكس تعد أطول 100 مرة من مجرة درب التبانة، وهي في الواقع حساء مُتقد سريع للغاية من الجسيمات والمجالات المغناطيسية، تُطلَق بالقرب من الثقب الأسود في مركز المجرة، وتنتقل بعد ذلك ملايين السنين الضوئية في الفضاء، بعيدًا عن حافة المجرة.
النفاثات الكبيرة من الطاقة الراديوية شائعة في المجرات ذات الثقوب السوداء النهمة في مراكزها (حتى أن درب التبانة لديها فقاعتان من الطاقة الراديوية حول ثقبها الأسود)، غير أن معظم تلك النفاثات تكون على هيئة أزواج منظمة تشكل خطًا مستقيمًا أو انتفاخًا دائريًا عند رؤيتها من بُعد.
وفقًا لوليام كوتون، عالم الفلك في المرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي في فيرجينيا، المؤلف الرئيس للدراسة الجديدة، فإن أقل من 10% من المصادر الراديوية الكونية المعروفة تتخذ شكل إكس بهذا الوضوح. وأضاف: «إنك ترى أربعة أشياء تخرج من هذه المجرة، والسؤال هو: كيف أصبحت على هذا النحو؟».
قد يكون لدى كوتن وفريقه إجابة، ففي الدراسة الجديدة، استخدم باحثو المرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي ومرصد جنوب إفريقيا الراديوي الفلكي، التلسكوب الراديوي العملاق (ميركات) في جنوب صحراء كارو في إفريقيا، لالتقاط الصورة الأكثر تفصيلًا على الإطلاق لمجرة على شكل إكس.
تكشف الصورة أن الانفجار الغريب الخارج من مركز المجرة ليس شكل إكس في الواقع. قال كوتون: «إنه شكل (بومرانغ) مزدوج». هذا يعني أن شيئًا ما في المجرة يُحوِّل التدفق إلى هذه الاجنحة الثنائية.
وفقًا لكوتن، يمكن تفسير الشكل الغريب للمجرة بنظرية تعرف باسم (نموذج التدفق الارتجاعي الهيدروديناميكي).
إليك ما يحدث باختصار: أولًا، يلتهم الثقب الأسود الكائن في مركز المجرة المادة ملايين السنين، حتى يمر بنوبة من عسر الهضم الكوني. يُنشئ الثقب الأسود نفاثين من المادة نحو الفضاء، كل منهما يسير في اتجاه معاكس للآخر بسرعة مذهلة.
ثم بعد عشرات الآلاف من السنين، تندفع تلك النفاثات عبر هالة المجرة، وتنتقل إلى الفضاء بين المجرات. يتراكم الضغط ببطء في النفاثات في أثناء انتقالها أبعد وأبعد خارج المجرة، ما يدفع بعض المواد فيها إلى الانعطاف والتدفق مرةً أخرى نحو مركز المجرة، في ظاهرة تُعرف باسم (التدفق العكسي).
قال كوتون: «إن التدفق العكسي شائع في المجرات النشطة، لكنه يؤدي عادةً إلى انتفاخ المواد العائدة في منتصف المجرة، بدلًا من ارتدادها إلى الجانب الآخر».
في (PKS 2014−55)، تُوجَّه هالة الغبار والغاز الساخنة في المجرة بزاوية تسمح بانحراف التدفق العكسي خارج المجرة، ما يمنح النفاثات مظهرًا يشبه البومرانغ.
تمكن كوتن وزملاؤه من رؤية هذا التاريخ الكوني الطويل بوضوح فور النظر إلى ملامح تدفق النفاثات في صورة تلسكوب (ميركات).
عندما حلل الفريق سطوع النفاثات، ظهر المزيد من التفاصيل، إذ لا تُظهر الصور نفاثًا واحدًا بل ثلاثة، تفصلها عشرات الملايين من السنين.
قال كوتن: «الفصوص الزرقاء الطويلة هي بقايا متحللة لاثنين من النفاثات انطلقا من الثقب الأسود قبل 10 ملايين سنة. إذا نظرت حول حواف النفاثات، ستلاحظ ما يُسمى (شرنقة)، وهي البقايا الخافتة لانفجار سابق. تقريبًا قبل 100 مليون سنة».
تشير حقيقة أن جميع الأجيال الثلاثة من النفاثات تتبع نفس نمط البومرانغ إلى أن التدفق الهيدروديناميكي العكسي يفسر شكل إكس الملحوظ، بدلًا من بعض الظواهر الأخرى (مثل أن الثقب الأسود يغير اتجاهه بين كل ثورة نفث وأخرى).
وأضاف كوتن: «النموذج نفسه قد لا يفسر كل المجرات التي على شكل حرف إكس في الكون، فكل مجرة تتطلب تحليلًا خاصًا. لكن على الأقل في حالة (PKS 2014−55) فقد توصلنا إلى حل اللغز».
اقرأ أيضًا:
ظاهرة غريبة تسبب تزامن المجرات البعيدة
اكتشاف أجسام غريبة في مركز المجرة لا مثيل لها في درب التبانة
ترجمة: محمد رشود
تدقيق: أنس شيخ
مراجعة: أكرم محيي الدين