لا يمكن التنبؤ بالزلازل حتى الآن، لكن قد نجد طرقًا أفضل للاستعداد لها، بدراسة العوامل الجيولوجية والبشرية التي تؤدي إلى نتائج مدمرة للزلازل.
الساعة 11:11 مساء يوم الجمعة، الثامن من سبتمبر عام 2023 بالتوقيت المحلي للمغرب، يستعد للنوم الآلاف من سكان القرى المنتشرة في جبال الأطلس الكبير في المغرب، ومنهم من كان يغط في النوم بالفعل.
كان على الحال نفسها مئات الآلاف من البشر في مدينة مراكش الصاخبة على بعد 80 كيلومتر منهم. فجأة في مكان ما في الجبال، بالقرب من مدينة أوكايمدن، اهتزت المنطقة كلها بعنف إثر زلزال شدته 6.8 درجة، شعر به سكان أماكن بعيدة مثل قاطني مدينة لشبونة البرتغالية، وانهار بعد الزلزال عدد هائل من المنازل والمباني ضمن مساحة شاسعة في المغرب.
كان الدمار في مراكش بالغًا، لكن معظم مباني المدينة قاومت الانهيار. اختلف الحال في العديد من القرى الريفية التي دُمر بعضها بالكامل. بلغ عدد القتلى حتى اللحظة أكثر من 2600 شخص، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع في الأيام المقبلة. مع استمرار الهزات الارتدادية القوية في ترويع المنطقة، تساءل كثيرون: ما الذي حدث بالضبط؟ لماذا كان هذا الزلزال بالذات شديد الفتك؟
يركز الناس –غالبًا- على درجة شدة الزلزال، وهو مقياس لمدى تصدع سطح الأرض، ومدى الطاقة المنتشرة في أثناء الزلزال. الزلازل الكبيرة ليست شائعة في هذا الجزء من شمال أفريقيا، مع أنه نشط زلزاليًا. تنوه جوديث هوبارد عالمة الزلازل في جامعة كورنيل: «هذا الزلزال أكبر من أي زلزال سُجل في المنطقة على الإطلاق».
ساهمت شدة الزلزال بالتأكيد في زيادة عدد القتلى في هذه الكارثة، لكن ساهمت عوامل عديدة أخرى في هذا الدمار، منها أنه حدث ليلًا عندما كان الكثيرون إما على وشك النوم أو نائمين بالفعل وغير مدركين لما يحدث حولهم، كذلك العديد من مباني المنطقة لم تكن مصممة لتتحمل زلزال قوي كهذا.
تفيد عالمة جيولوجيا الزلازل ويندي بوهن: «من المعروف أن المباني التي لا تستخدم الحديد في تسليح البناء، مثل تلك المبنية بالطوب والطين، غير مقاومة للزلازل. فلنذكر أن الزلازل نفسها لا تقتل الناس، بل المباني هي التي تفعل».
يستخدم العلماء خبرتهم الحالية بجيولوجيا المنطقة لفهم كيفية حدوث الزلزال، وما سبب الارتفاع الكبير في عدد الضحايا، وما القوى غير المعروفة حتى الآن التي تقف وراء هذه المأساة. يمكن لمثل هذه الأبحاث مساعدة العالم على الاستعداد بشكل أفضل لأي زلزال كبير قادم، أيًا كان مكان حدوثه أو وقته.
قنبلة تحت الجبال:
تتربع منطقة شمال أفريقيا على الصفيحة النوبية -تُسمى أيضًا الصفيحة الأفريقية- التي تتحرك ببطء بالنسبة إلى الصفيحة الأوراسية. يقع المغرب قريبًا من حدود الصفائح التكتونية، لكن ليس فوقها، وتستقر فيه شبكة معقدة من الصدوع متفاوتة النشاط الزلزالي، يشمل ذلك العديد من الصدوع المتحركة عبر سلسلة جبال الأطلس الكبير.
تحدث زلازل صغيرة في المنطقة، وذلك شيء معروف، والحركة التدريجية على طول حدود هذه الصفائح تؤدي إلى ندرة نسبية في وقوع زلازل كبيرة، لكن حدوثها ممكن، وقد وقعت بالفعل. يستشهد العلماء كثيرًا بمثالين شديدي العنف على وجه الخصوص، إذ أدى زلزال مدينة مكناس الضخم –لم تُعرف قوته- عام 1755 إلى مقتل نحو 15 ألف شخص، وعام 1960 أدى زلزال مدينة أغادير إلى مقتل 12 ألف شخص وبلغت قوته 5.8 درجة.
تستطيع الزلازل الكبرى ضرب كل أنواع شبكات التصدعات الأرضية، جل ما تحتاجه هو الضغط والوقت.
صرح توماس ليكوك، عالم الزلازل في المرصد الملكي البلجيكي: «تذخر منطقة سلسلة جبال الأطلس الكبير بالكثير من التوتر في القشرة الأرضية، ويبدو أن هذا الزلزال خفف بالفعل من هذا التوتر».
كان وقوع زلزال كبير في المنطقة حتميًا، إلا أن موقع الزلزال الأخير كان مفاجئًا.
جاشا بوليت، عالمة الزلازل في جامعة ولاية كاليفورنيا للعلوم التطبيقية بمدينة بومونا، نوهت بأن: «معظم النشاط الزلزالي في المغرب مرتبط بالحركة على الحدود بين الصفيحة الإفريقية والأوراسية، على هذا كان يُعتقد أن شمال البلاد له النصيب الأعلى من توقعات حدوث خطر زلزالي، لكن وقع زلزال يوم الجمعة في أقصى الجنوب، في منطقة ذات نشاط زلزالي منخفض».
يُعتقد أن نمط التصدع الأرضي الحاصل هو مزيج فوضوي من نوعين: صدع عكسي، تتحرك فيه كتلة من القشرة الأرضية إلى أعلى فوق كتلة أخرى، وصدع انزلاقي، يحدث فيه تحرك لكتلة واحدة بشكل جانبي بالنسبة إلى الأخرى. تضيف باولا فيغيريدو، عالمة الزلازل في جامعة ولاية كارولينا الشمالية: «اتخذ الزلزال النوع العكسي أساسًا، مع قليل من النوع الانزلاقي».
قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن عمق زلزال يوم الجمعة كان 25 كيلومترًا، وليس من الواضح أي صدع كان مسؤولًا عن الزلزال، بسبب التعقيد الهائل لشبكة الصدوع في المنطقة، والافتقار إلى المسوحات عالية الدقة في بعض المناطق.
صرحت هوبارد: «وُضعت مخططات لعدد من الصدوع والتضاريس الأرضية في المنطقة، ولم تقع أي أنشطة زلزالية معروفة في أي منها، توجد أيضًا مجموعة متنوعة من التراكيب الأرضية الأقدم في الموقع ذاته، وبسبب وجود صدع قديم فإن بمقدوره إعادة تنشيطها مجددًا».
كشفت بيانات حديثة للأقمار الصناعية التي فحصتها هوبارد موضع تشوه الأرض وكيف كانت المنطقة في أثناء الزلزال. على هذا، تشتبه هي وزميلها الجيولوجي كايل برادلي في أن الصدع على الأرجح هو صدع مدينة تيزي نتاست، وهو صدع يعده قلة من الخبراء نشطًا. حاليًا توجد حاجة إلى مزيد من البيانات لتأكيد هذا الاستنتاج المبدئي.
ينتظر العلماء خلال الأيام المقبلة سيل من البيانات الجديدة سيفصح عن السبب الزلزالي لكارثة يوم الجمعة. ما هو معروف بالفعل أن العديد من العوامل البشرية عززت من قدرة الزلزال على إحداث هذا العدد الكبير من الوفيات. لا شك أن زلزالًا بقوة 6.8 درجة يُعد حدثًا خطيرًا. لكن ما أدى إلى هذا القدر من الدمار أساسًا هو شدة الزلزال، وهي مقياس لمدى اهتزاز الأرض على مسافات مختلفة من مصدر التصدع.
وفقًا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، تسبب هذا الزلزال الضحل والقوي في اهتزاز «بالغ الشدة» حول مركز الزلزال، و«قوي» إلى «قوي جدًا» في مراكش، وهو عالي الشدة بالتأكيد، ولكن حتى هذا لا يفسر وحده سبب فقدان الآلاف من الأرواح.
صرح روبن لاكاسين، عالم الزلازل في معهد باريس لفيزياء الأرض: «تحدث الكارثة في وجود مصدر خطر قوي، في حالتنا هذه هو الزلزال، ونقاط شديدة الضعف، وهي هنا المباني والمنازل الهشة».
صمدت بعض المباني الحديثة الخرسانية في مراكش أمام الزلزال، إلا أن أجزاء من المدينة القديمة كانت أقل صمودًا. حتى مع جسامة الأضرار التي لحقت بالمدينة، فإنها لا تُقارن بالدمار الذي لحق بقرى جبال الأطلس الكبير وما حولها. لم يكن لدى المنشآت في هذه المناطق –وتشمل المنازل المبنية من الطوب اللبن والمباني غير المسلحة- أي فرصة لتصمد أمام الزلزال، ولا تزال فرق الطوارئ تكافح للوصول إلى معظم المناطق المتضررة، لكن الاستطلاع الأولي يشير إلى أن العديد منها دُمر بالكامل.
تقول هوبارد: «يميل الناس هنا إلى العيش في السهول المحملة بالرواسب شمال الجبال، أو على منحدرات الجبال نفسها، وقد تؤدي الحالتان إلى تفاقم الأضرار. الرواسب الطينية الضعيفة بمقدورها تضخيم قوة الاهتزاز، والجبال عرضة للانهيارات الأرضية، وتُغلق الطرق المؤدية إلى القرى الجبلية».
توقيت مأساوي
التوقيت، كان من الأسباب القاتلة الأخرى لزلزال يوم الجمعة، سواء وقت وقوعه أو طوله الزمني. صرح بوليت: «وقع الزلزال ليلًا عندما كان معظم الناس نائمين داخل منازلهم».
حدث ذلك أيضًا بعد فترة طويلة من هدوء النشاط الزلزالي، مع عدد قليل من الزلازل الشديدة في زماننا المعاصر. آخر زلزال كارثي حقيقي في المنطقة كان زلزال مدينة أغادير عام 1960، مع الأخذ في الحسبان وقوع زلازل مميتة في الآونة الأخيرة، أحدها -مثلًا- كان عام 2004 وهز مدينة الحسيمة، ذلك الميناء الساحلي على البحر المتوسط، وانتهى بمصرع عدة مئات.
ربما جهل الكثير من الناس أفضل الطرق لحماية أنفسهم حال وقوع زلزال. إذا كانت قوانين البناء في المنطقة تشترط أن يكون المبنى مقاومًا للزلازل، فإن النصيحة المثلى هي الجلوس على الأرض والاختباء تحت طاولة متينة أو تحت أي شيء مشابه، والانتظار حتى يتوقف الاهتزاز. حتى الأشخاص الذين كانوا خارج منازلهم لم يكونوا بأمان أيضًا، فتصميم بعض أحياء مراكش يشبه المتاهة وساهم كذلك في تفاقم الكارثة. توضح هوبارد: «تظهر الصور أشخاصًا يفرون من المباني، لينتهي بهم الأمر في شوارع ضيقة بين البيوت، فيظلون معرضين لخطر سقوط الأبنية فوقهم. يبدو أن العثور على مكان آمن بعيدًا عن المنشآت كان صعبًا».
كان الزلزال عنيفًا، صحيح أنه انتهى في ثوان لكن آثار الكارثة التي سببها ستستمر سنوات.
تضيف هوبارد: «ما زلنا لا نعرف بالضبط عدد الضحايا التي خلفها الزلزال، خصوصًا بين الذين يعيشون في المناطق النائية. سيستمر عدد القتلى في الارتفاع مع الوصول إلى المزيد من القرى».
المغرب آخر الدول التي ضربها زلزال مدمر دون سابق إنذار، وسيعاني الناجون صدمةً لا مثيل لها، فقد العديد منهم أفرادًا من عائلاتهم وأصدقائهم ومنازلهم ومصادر رزقهم، ستواجه البلاد خسارة اجتماعية واقتصادية وثقافية فادحة.
يومًا ما قد يتمكن العلماء من حل لغز الزلازل والتوصل إلى طريقة للتنبؤ بقرب وقوع زلزال كبير. المواساة والرثاء لحالهم هو جل ما يمكننا فعله في الوقت الحالي.
اقرأ أيضًا:
كيف تصمد الأبنية المقاومة للزلازل؟
ترجمة: عمرو أحمد
تدقيق: لين الشيخ عبيد
مراجعة: أكرم محيي الدين