إن تجفيف الملابس قد يكون أمرًا سهلًا لمن لديه حديقة أو شرفة كبيرة، إذ تُجفَّف الملابس تحت أشعة الشمس بعد غسلها، ولا سيما أن أشعة الشمس تمتص الرطوبة وتعقم الملابس وتجعل رائحتها فواحة أكثر.
لكن الحياة الحديثة، وضيق الأماكن السكنية جعلت ذلك الشيء البديهي أمرًا صعب المنال بالنسبة للعديد من الأشخاص، ناهيك عن الطقس السيء الذي جعل تجفيف الملابس خارج المنزل أمرًا نادرًا في الأشهر الأخيرة.
قد يكون المجفف الكهربائي غالي الثمن وقد لا يناسب جميع أنواع الملابس، لذلك أصبحت الطريقة الأقل تكلفة لدى البعض هي نشر الملابس داخل الشقة حتى جفافها، بيد أن العديد من الخبراء يحذرون من خطورة هذا الأمر.
يؤدي تجفيف الملابس المبللة على الرفوف في أماكن سيئة التهوية إلى زيادة كمية العفن التي تنمو في المنازل، ما ينعكس سلبًا على الصحة، وفي بعض الحالات قد يكون سببًا للوفاة.
عندما ينمو العفن يشكّل بقعًا سوداء أو خضراء اللون على الجدران، وعادة ما ينتج عنه رائحة كريهة. ينبغي عدم تجاهل العفن لأن التعرض له على مدى فترات طويلة من الزمن له تبعات صحية خطيرة.
العفن هو مصطلح واسع لمجموعة من الفطريات التي تنتج جزيئات صغيرة تسمى الأبواغ، إذ تنتج الفطريات الأبواغ عندما تكون الظروف غير مناسبة لنموها، مثل درجات الحرارة الباردة والرطوبة المرتفعة، وذلك هو سبب رؤية العفن ينمو على أسقف الحمامات أو الجدران الرطبة، حيث الماء اللازم لاستقرار الأبواغ الفطرية ونموها.
يوجد أنواع مختلفة من العفن، والأكثر شيوعًا منها فطريات البنسليوم والرشاشيات، إذ تشير التقديرات إلى أن البشر يتنفسون أعدادًا صغيرة من أبواغ هذه الفطريات يوميًا.
لحسن الحظ، إن جهاز المناعة لدى الإنسان ذو كفاءة جيدة جدًا في اكتشاف تلك الأبواغ الفطرية والقضاء عليها، ما يحد من الإصابة بالتهابات الرئة الفطرية لدى البشر مع أنهم يتعرضون لها باستمرار.
توجد الخلايا المناعية التي تسمى البلاعم داخل الحويصلات الهوائية للرئتين، إذ إنها تُبلعِم الأبواغ وأي جسم غريب ضار قد يُستنشَق.
إن الأشخاص الذين يعانون تلف أو ضعف في جهاز المناعة أكثر عرضةً للإصابة بأمراض خطيرة نتيجة للعدوى الفطرية. تسبب أنواع من العفن مثل الرشاشيات عدوى للمرضى الذين يعانون ضعف جهاز المناعة، أو الذين يعانون تلف في الرئة نتيجةً لأمراض مثل الربو والتليف الكيسي والانسداد الرئوي المزمن المرتبط بالتدخين المفرط.
يحدث عند المصابين بالربو أو الحساسية رد فعل مناعي مفرط تجاه المنبهات التي قد تؤذي الرئة.
تسبب الأبواغ الفطرية أيضًا الاستجابة المناعية نفسها، أي أن الأبواغ الفطرية ربما تكون منبهًا قويًا بالنسبة لبعض الأشخاص.
في الحالات الشديدة، لا تسبب الأبواغ الفطرية التهابًا فقط، بل تغزو الشعب الهوائية مسببة نزيفًا داخل الرئة. يحدث هذا عندما تنمو الأبواغ مُشكّلة نتوءات طويلة تشبه العنكبوت تسمى الأمشاج الفطرية، التي تكوّن بدورها كتلًا لزجة تسد المسالك الهوائية وتتلف الأنسجة الرقيقة في الرئة.
تُعالَج العدوى الفطرية بالرشاشيات عبر أدوية مضادة للفطريات تسمى الأزولات، التي تمنع الخلايا الفطرية من النمو بطريقة صحيحة. إن الأزولات فعالة جدًا، ولكن يوجد معدلات متزايدة من مقاومة الأزولات في الرشاشيات ما يعد مصدر قلق.
إن الأدوية المتاحة المضادة للفطريات والمستخدمة في علاج عدوى العفن محدودة، وعند تطور المقاومة يقلل هذا كثيرًا من الخيارات العلاجية المتاحة للمريض.
تتطور المقاومة الدوائية للأزولات مثلًا لدى المرضى الذين يتناولون هذه الأدوية لفترات طويلة من الزمن، لكن الأبحاث الحديثة أشارت إلى أن المقاومة تتطور بطريقة أكثر شيوعًا في البيئة حيث توجد معظم الفطريات، ما يعني أنه حتى قبل تشخيص إصابة المريض بعدوى الرشاشيات، ربما يكون قد فات الأوان بالفعل على فعالية الأدوية المضادة للفطريات.
رُبِط تطور مقاومة الأزولات والأدوية المضادة للفطريات الأخرى باستخدامها في الزراعة. إذ تعد العدوى الفطرية مشكلة كبيرة للمحاصيل الزراعية، وقد تحتاج النباتات إلى تجنب هذه العدوى باستخدام نفس الأدوية التي يستخدمها البشر.
قد يؤدي تغير المناخ أيضًا إلى المقاومة الدوائية في الفطريات البيئية، إذ إن التعرض لدرجات حرارة مرتفعة يساعد على تطوير مقاومة للأدوية المضادة للفطريات والموصوفة بصورة شائعة.
إضافة إلى ذلك، يوجد تقارير متعلقة بمرضى أصيبوا بأنواع فطرية لم يُظن أنها تسبب أمراضًا بشرية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عدم قدرتها على النمو في درجة حرارة جسم الإنسان.
معنى ما سبق أنه يمكن لمزيد من أنواع العفن اكتساب القدرة على إحداث العدوى، فضلًا عن إحداثها مقاومة للأدوية.
في حين أن التعرض العادي للأبواغ الفطرية لا يسبب أي مشكلات صحية، فإن التعرض لكميات كبيرة جدًا من الأبواغ الفطرية قد يكون قاتلًا حتى بالنسبة للأشخاص الذين لا يعانون أي مشكلات صحية.
في عام 2020، توفي الطفل الصغير أواب إسحاق بسبب التعرض الشديد والمباشر للأبواغ الفطرية، التي سببتها الرطوبة الزائدة، ووجود العفن في منزله.
أدت وفاة الطفل إلى تغيير في قانون المملكة المتحدة (قانون Awaab)، الذي يطلب من أصحاب المنازل الاستجابة السريعة للرطوبة في المنازل التي يقطنون فيها، وذلك لضمان عدم تعرض المستأجرين لمستويات مفرطة من العفن، التي تؤثر في صحتهم البدنية والعقلية.
من المهم المساعدة على الحفاظ على المنازل خالية من العفن، وإن أفضل طريقة لذلك هي التأكد من تهويتها الجيدة واتخاذ تدابير أخرى لتقليل الرطوبة، مثل استخدام عوازل الرطوبة في الجدران أو شراء مجفف الملابس الكهربائي لتجفيف الملابس داخل المنازل في أيام الشتاء القاسية.
اقرأ أيضًا:
هل نمو العفن في المنزل أمر مقلق؟
كيف ولماذا تجف الملابس في درجات الحرارة الإعتياديّة؟
ترجمة: تيماء القلعاني
تدقيق: نور حمود
مراجعة: ميرڤت الضاهر