قد لاحظنا جميعًا كيف تبدو الألبسة أغمق عند سكب الماء عليها، ولتردد حدوثها أصبحت هذه الظاهرة بمثابة مُسلَّمة يتفق عليها الجميع، فإن عُرضت علينا قطعة قماش بها منطقة داكنة، فسنرجح غالبًا كون تلك البقعة مبللة دون لمسها.
ومن خلال هذا المقال، سنحاول شرح كيفية تحول ألوان بعض أنواع المواد إلى الأغمق مع ملامسة الماء بعد استرجاع بعض المفاهيم المتعلقة بالضوء لشرح السبب وراءها.
وكما هو معلوم فإن القليل جدًا من الأجسام المرئية في حياتنا اليومية، تُنتج ضوئها بنفسها، فنحن نرى أغلب الأشياء بفضل انعكاس ضوء الشمس أو المصباح عليها.
وكلما زادت نسبة الضوء الذي يصل أعيننا، كلما ظهر لنا ذلك الجسم أكثر بريقًا، حيث إن كنا تحت أضواء خافتة فستبدو الأشياء لنا أكثر قتامة، لسبب قلة الضوء الذي يصلنا منها.
سرعة الضوء في الفراغ ثابت كوني، بينما سرعة الضوء في الكون متغيرة حسب الأوساط
فمن المعروف أن الضوء ينتقل في مسارات مستقيمة بسرعة تقارب الـ 300 ألف كيلومتر في الثانية، لكن هذا ليس صحيح إلا حين يتعلق الأمر بالتنقل في الفراغ، حيث أن انتقال الضوء في وسط به جزيئات، مثل الهواء أو الماء أو القماش يكون بسرعة أصغر.
يحدث التباطؤ حين يصطدم الضوء بالذرات أو الجزيئات، حيث يُمتص ويُنفث من الجانب الآخر، تأخذ تلك العمليات جزءًا ما من الوقت وبذلك تكون سرعة الضوء أصغر منها في الفراغ.
لا يحتوي الهواء على نفس نسبة الذرات فيه كغيره من الأوساط المادية الأخرى، لذلك فسرعة الضوء خلاله تنقص بنسبة 0.03٪ فقط، لكن للماء نسبة ذرات أعلى نوعًا ما، وبالتالي فاجتياز الضوء للأشياء المبللة يكون أبطء، لكون سرعته في الماء أصغر بنسبة 25٪.
أما القماش فهو بدوره أكثف من الماء وسرعة الضوء خلاله بطبيعة الحال ستنقص بنسبة أكبر حيث تبلغ 33٪ أثناء اجتياز قميصكم.
لاحظوا هنا أن فارق نسبة تباطؤ الضوء في الماء وفي القماش ليس بذلك التباين الملحوظ بين الهواء والقماش.
إن نسبة سرعة الضوء في وسط ما بالنسبة لسرعته في الفراغ تسمى بقرينة الانكسار حيث تٌقدَّر بـ 1.0003 في الهواء، و1.33 في الماء و1.53 في الأقمشة، بينما هي بطبيعة الحال في الفراغ مساوية لـ 100% أي 1.
لكن ليس اختلاف سرعة الضوء في الأوساط ما يجعل الأقمشة تبدو أغمق حين تتعرض للبلل، بل ما يصحب تغير سرعة الضوء.
فسرعة الضوء تتغير كلما انتقل من قرينة انكسار إلى أخرى، فإن انتقلت حزمة الضوء من الهواء إلى القماش فسيتباطأ من 300.000 كم/سا إلى 225.000 كم/سا بطريقة آنية، تلك الفرملة المفاجئة هي ما تجعل الضوء يماثل انزلاقًا كهرومغناطيسي، فينحني!
كلما زاد الفرق بين قرينتي انكسار وسطين، كلما زاد فرق سرعة الضوء بينهما وكلما كبرت زاوية انحناء حزمة الضوء المارة خلالهما
لذلك حين ينتقل الضوء من الهواء نحو القماش فسينحني بطريقة أكبر مما هي عليه في انتقاله من الماء نحو القماش.
ليس للهواء والماء نفس فعالية التأثير على الضوء، فالحزم المتنقلة بين الهواء والقماش تُنثر في جميع الاتجاهات بما فيها تلك المتجهة صوب أعيننا.
أما عند تنقلها من الماء نحو القماش فستنشر أكثر داخل اللباس، وبالتالي فالقليل من الضوء سيصل إلينا منها ما يجعلها تبدو أغمق.
وللتأكد من هذه المعلومة:
- قوموا بتبليل منطقة من قطعة قماش.
- تأكدوا من تحول المنطقة المبللة إلى الأغمق.
- الآن صوبوا قطعة القماش نحو مصدر الضوء وانظروا إليه من خلالها.
في هذه الحالة ستبدو لكم البقعة المبللة أفتح!
فضلًا عن أن الضوء لا يتبعثر مرة واحدة فقط، فالقماش مكون من ألياف وهواء، في حالة البلل سيحل الماء محل الهواء.
ففي الحالة الأولى قرينتي انكسار الهواء والقماش متباينتين جدًا، مما يجعل زاوية انعكاس الضوء أكبر وبالتالي ستصل أعين المشاهد بنسبة كبيرة نوعًا ما.
أما في حالة البلل، فقرينتي انكسار القماش والماء ليستا بذلك التفاوت ما يسمح للضوء بالانكسار أكثر خلال القماش المبلل.
وبترك القماش تحت أشعة الشمس أو داخل مجفف أيادي، سيتبخر الماء تدريجيًا فيحل مكانه الهواء ليوسع زاوية انحناء الضوء، فيشرق لون القماش المعتاد من جديد!
أمثلة أخرى عن هذه الظاهرة:
- التربة: إن أسقينا الأرض المتربة فستظهر أغمق لنفس المبدأ.
- الشعر: عند غسل الشعر الفاتح سيبدو وكأن نسبة الميلانين فيه أكبر.
- السبورة: عند مسح السبورة بطلاسة مبللة ستظهر أغمق.
- الجدران، أرض الشارع، الأشجار وغيرها الكثير، بينما تنفرد بعض السطوح الملساء بعدم ظهور فرق كبير عليها حين تكون مبللة وذلك عائد لعدم إمكانية تسلل الماء داخلها.
- إعداد: نرجس دواق
- تدقيق: هبة فارس
- تحرير: تسنيم المنجّد
- المصدر الأول
- المصدر الثاني
- المصدر الثالث
- المصدر الرابع