كان الماء موجودًا على المريخ منذ 4.45 مليار سنة بعد فترة وجيزة من تشكُّل الكوكب من الغبار الذي خلفته الشمس المتنامية.

الدليل؟ وجود حبة صغيرة من الزركون (ما يُعرف بالألماس المزيف)؛ أصغر من عرض شعرة الإنسان، تحتوي على معادن محصورة داخلها لا يمكن أن تتشكّل إلا بوجود الماء. والمفاجأة أن هذا الماء كان من الضرورة أن يظل ساخنًا مثل الينابيع الحارة أو الفتحات الحرارية المائية تحت المحيطات.

يكشف هذا الاكتشاف عن عدة أدلة. أولًا، طريقة وصول الماء إلى المريخ خلال الأيام الأولى للنظام الشمسي كانت مشابهة للطريقة التي وصل بها الماء إلى الأرض. ثانيًا، وجود الماء الساخن يتماشى مع ظهور أنواع الحياة الميكروبية المتطرفة (الإكستريموفيل) التي نجدها في البيئات الجيوحرارية والحرارية المائية.

قال الجيولوجي آرون كافوسي من جامعة كيرتن في أستراليا لمجلة ساينس أليرت: «تشير الصورة الناشئة إلى أن كوكبي المريخ والأرض كان لهما شيء مشترك في البداية – كلاهما كانا رطبين.

ومن المؤكد من خلال تحليل أقدم الزركونات على الأرض، نجد أن الماء السائل كان موجودًا منذ 4.3 مليار سنة على الأقل. كما أن لدينا الآن دليل على وجود ماء أقدم من ذلك على المريخ».

وأضاف: «يتماشى هذا الدليل على وجود مياه أولية على المريخ مع الأدلة الكثيرة الدامغة على وجود الماء خلال فترة فيضان نوح التي استمرت من 4.1 إلى 3.7 مليار سنة مضت. هناك أدلة جيولوجية قوية على بقايا الحياة على الأرض خلال هذا الوقت. فلماذا لا يكون هناك ماء على المريخ إذا كانت الظروف مشابهة؟ يبدو أن هذين الكوكبين قد سلكا طرقًا مختلفة منذ ذلك الحين».

إن من الصعب تجميع تاريخ المياه على المريخ نظرًا لبُعده، ولأن جهودنا الاستكشافية هناك على الرغم من روعتها فإنها محدودة. مع ذلك، تأتي إلينا أحيانًا أجزاء من المريخ؛ أحد هذه الأجزاء هو النيزك المريخي الشهير NWA 7034، أو “الجمال الأسود”، الذي اكتُشف في الصحراء الكبرى عام 2011.

يتكون NWA 7034 من قطعة بريشيا بركانية تزن 320 جرامًا، وهي كتلة صخرية مكونة من قطع صخرية أخرى، تشبه إلى حد كبير كعكة عيد الميلاد. تتكون بعض هذه القطع من بلورات صغيرة من الزركون – كنز حقيقي للجيولوجيين الذين يسعون لدراسة تاريخ المريخ وتاريخ النيزك نفسه.

ومنذ وقت ليس بالبعيد، قام العلماء في جامعة كيرتن بدراسة زركون النيزك NWA 7034، ووجدوا أدلة على أن كتلة الصخر قد تعرضت لتأثير كويكب ضخم قبل 4.45 مليار سنة.

وقبل فترة، أجرى فريق من الباحثين بقيادة عالم الكيمياء الجيولوجية جاك جيليسبي، الذي كان يعمل بجامعة كيرتن وقت الدراسة دراسة معمقة لبعض المعادن داخل الزركون باستخدام المجهر النانوي، واكتشفوا آثارًا لعناصر مثل الحديد والإتريوم والألمنيوم والصوديوم، التي كانت داخل الزركون في أثناء تشكله.

استغرق الأمر وقتًا وتحليلًا دقيقًا لفهم طريقة ترسب هذه المعادن داخل الزركون. وأوضح كافوسي: «تتشكل عناصر مثل الحديد والألمنيوم والصوديوم على شكل طبقات جميلة داخل الزركون المريخي تشبه الطبقات الموجودة في البصل. هذه العناصر غير معتادة في الزركون، وبعد العثور عليها، ركزنا أبحاثنا على الأرض للبحث عن البيئات التي قد تنتج فيها هذه العناصر.

إن سد أوليمبيك هو أحد الأماكن القليلة على الأرض التي تحتوي على زركونات مشابهة، وهو عبارة عن رواسب ضخمة من النحاس واليورانيوم والذهب في جنوب أستراليا. من المعروف أن زركونات سد أوليمبيك تشكلت في نظام صخري حراري مائي؛ ما يشير إلى وجود سوائل مائية ساخنة كانت تتفاعل مع الجرانيت في أثناء تشكل الزركون. نقلت هذه السوائل العناصر النادرة، وفي سد أوليمبيك، ركزت المعادن الاقتصادية كذلك».

نحن لا نعرف درجة حرارة الماء الذي كان على المريخ؛ قد تكون تراوحت بين مئات الدرجات وحتى أكثر من 500 درجة مئوية، مثل مياه يلوستون. كما أننا لا نعرف الكمية الدقيقة للمياه التي كانت موجودة.

لكن هذا الاكتشاف يوضح أن الماء كان موجودًا على المريخ بعد وقت قصير من تشكل الكواكب، أي منذ حوالي 4.5 مليار سنة. كان الماء يدور في قشرة الكوكب، مسخنًا بالنشاط البركاني الذي كان أكثر شيوعًا عندما كان الكوكب شابًا. هذا يعني أن المريخ ربما كان غنيًا بالمياه، التي وصلت بطريقة مشابهة لوصول المياه إلى الأرض – عبر المذنبات والكويكبات التي اندمجت مع الكوكب في أثناء تكونه.

قال كافوسي: «لا يمكننا أن نجزم بوجود الماء السائل على السطح في ذلك الوقت، لكن الاحتمال قائم. ربما تسربت بعض هذه السوائل البركانية إلى السطح وساهمت في إثراء الغلاف الجوي بالماء. وهذا يعني وجود أماكن دافئة ورطبة داخل قشرة المريخ، وربما على سطحها. تساهم البيانات التي حصلنا عليها في هذه الدراسة في تحسين فهمنا للظروف القابلة للحياة في المريخ القديم، استنادًا إلى تحليل مباشر للمواد التي تشكلت في ذلك الوقت».

الآن بعد أن اكتشف الباحثون أدلة على وجود مياه ساخنة على المريخ، يمكنهم تعميق دراستهم لهذه النتائج. ما زلنا لا نعرف ما إذا كان النشاط البركاني الذي سخّن المياه ناتجًا عن تفاعلات داخلية في المريخ أو عن قصف الكويكبات للنظام الشمسي في مراحله الأولى. كما لا نعرف ما إذا كانت الأنظمة الحرارية المائية شائعة على سطح المريخ.

سيكون من الرائع إن ما تمكنا من العثور على دليل على نظام حراري مائي قديم على المريخ انتهى به الأمر في أيدي البشر بعد مليارات السنين. ولكن يظل النيزك NWA 7034 بالفعل مذهلًا في حد ذاته.

أوضح كافوسي لموقع ساينس أليرت: «يتمتع الزركون بقصة بقاء مذهلة! لقد تشكل في بيئة حرارية مائية رطبة بعد وقت قصير من تكوّن المريخ قبل 4.45 مليار سنة. ثم تعرض لضربة كويكب في حدث اصطدام مبكر، ثم أُزيح بعنف واستقر في كومة من الصخور حيث تعرض لتغيرات بفعل السوائل بعد مليارات السنين. وأخيرًا، تعرض لضربة أخرى من نيزك أخرجه من المريخ! بدلًا من أن يضيع إلى الأبد في فضاء لا نهائي انتهى به المطاف بالاصطدام بالأرض ونجا من الذوبان في الغلاف الجوي وسقط في الصحراء الكبرى، وبطريقة ما، لم يُدفن تحت الكثبان الرملية إلى الأبد بل عثر عليه شخص أدرك قيمته بصفته حجرًا مهمًا. لم تصل هذه الصخرة إلى أيدي العلماء إلا منذ حوالي 10 سنوات، مع ذلك انظروا إلى مقدار ما علمتنا إياه عن المريخ».

اقرأ أيضًا:

مياه المريخ بها أكسجين، ربما يكفي لتنشأ الحياة! (دراسة جديدة)

يبدو أنّ شروط الحياة توفرت في المريخ “القديم” لكن ليس بالمدى المتوقّع

ترجمة: لور عماد خليل

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

المصدر