إنّه لغزٌ حاول العلماء الكشف عن جوابٍ له لقُرابة قرن.
كيف انتهى المطاف بأصغر طائرٍ في العالم غير قادر على الطيران على جزيرة بعيدة في وسط جنوب المحيط الأطلسي؟
طائر التِّفْلِق- rail birds –(واسمه العلمي Atlantisia rogersi) الموجود في هذه الجزيرة الّتي يتعذّر الوصول إليها- هو طائرٌ صغير غير قادرٍ على الطيران بطول 15-17 سنتمترًا، والذي يقتصر وجوده على هذه الجزيرة فقط ما يُصعّب تعقّب أصوله التطورية.
عندما اكتشف العلماء هذا الطائر لأول مرّة ظنّوا أن أسلافه قد مشوا إلى هذه الجزيرة النائية الواقعة بين أمريكا الجنوبية وأفريقيا على مساحات من الأرض هي مُبتلعة الآن من البحر.
لذلك أعطوا الطائر اسمها الخاص وهو Atlantisia.
ولكن على عكس الجزيرة التي يصعب الوصول إليها فإن ذاك الاسم مغلوط.
وبالنظر إلى مدى تشابه هذا الطائر مع طائر المرعة* من جزيرة أخرى في جنوب المحيط الأطلسي، أخذه الباحثون كعلامة من أجل أن يربطوه بها ولكن تحليلًا حديثًا للحمض النووي للطائر يُظهر أن ذلك أيضًا غير صحيح.
لقد امتلك أسلاف جنس Atlantisia أجنحة وقد طاروا إلى هذه الجزيرة النائية قبل 1.5 مليون سنة.
*طيور المرعة (Ascension crake) هي عائلة عالمية كبيرة من الطيور الصغيرة إلى المتوسطة، التي تعيش في الأرض، وتُبدي العائلة تنوعًا كبيرًا.
إنّ أوثق الأقارب للطائر هي طيور المرعة ذات الجناحين في أمريكا الجنوبية وطيور التِّفْلِق السوداء الموجودة في كلٍ من أمريكا الشمالية والجنوبية، كما يمكن أن يكون له قريب آخر في غالاباغوس أيضًا.
ويعني ذلك كما يقول الباحثون أن الطيور طارت كل الطريق من أمريكا الجنوبية وتوقّفت عند أول جزء من الأرض قد رأته بعد رحلة أكثر من 3000 كيلومتر (2000 ميل).
قال عالم الأحياء التطوري (مارتن ستيرفاندر-Martin Stervander) الذي أجرى البحث خلال فترة وجوده في (جامعة لوند-Lund University): «يبدو أن طيور التِّفْلِق تلك ماهرة جدًا في استيطان مواقع جديدة نائية والتأقلم مع البيئات المختلفة.
على الرغم من المسافات الهائلة فإن البيئات يمكن أن تكون متشابهة ومن خلال التطور التقاربي يمكن أن يصبح الأقرباء البعيدون في الحقيقة مُشابهين جدًا الأمر الذي يخدع علماء التصنيف ليصلوا لنتائج مُضلّلة».
ولقد نسفت نتائج الدراسة النظرية الأصلية (النظرية الأولى) والتي تُشير إلى أن عدم قدرة الطائر على الطيران صفة قديمة جدًا أي أن أسلافه قد استوطنوا الجزيرة مشيًا على أقدامها.
(أي إنها قد قدمت إلى الجزيرة على أقدامها وليس بواسطة الطيران).
بل بدلًا من ذلك يبدو أن هذا الطائر الصغير قد طوّر ميزاتٍ جديدة نسبيًا لكي تسمح له بالبقاء على قيد الحياة والتكاثر في بيئته النائية، كما أن هذه الصفات الجديدة جعلت منه مُشابهًا للطيور المنفصلة والتي تعيش في بيئاتٍ مُشابهة.
وبالمقارنة مع أسلافه، فلطائر هذه الجزيرة النائية منقار أطول وأرجل أقوى كما أن لونه مختلف قليلًا.
ولقد فقدَ قدرته على الطيران وهي المهارة التي تستهلك الكثير من المصادر والطاقة.
أمّا الآن فإن جناحيه قصيران للغاية كي ينزلوه للأرض.
ويقول ستيرفاندر: «لم يكن للطائر أيّ أعداء طبيعيين على الجزيرة ولم يكن بحاجة للطيران من أجل الهروب من المُفترسين.
وبالتالي فقد انخفضت قدرته على الطيران حتى فقدها في النهاية من خلال الانتقاء الطبيعي والتطور على مدى آلاف السنين».
ولكن على الرغم من أن هذه الجزيرة يمكن أن تكون بعيدة، فذلك لا يعني أن الطائر سيكون آمنًا من المُفترسين للأبد.
وقال باحثٌ آخر في الفريق وهو (بنجت هانسون-Bengt Hansson): «إنّ النتائج الجديدة تؤكّد على ندرة هذا الطائر وكم هو مهم أن تبقى الجزيرة خالية من الأنواع الدخيلة والتي يمكن أن تضع طائر هذه الجزيرة النائية في خطر».
وحذّر هانسن أنه لو حدث ذلك فمن الممكن أن يختفي الطائر.
- ترجمة: عدي بكسراوي.
- تدقيق: مينا خلف.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر