بيل شانكلي Bill Shankly ،المدير السابق لفريق ليفربول لكرة القدم، قال في إحدى المرات: «كرة القدم ليست مسألة حياة او موت، لكنها أكثر أهمية من ذلك», بعد نهاية كل حدث رياضي كل ما يبقى هو عدة إعادات تليفزيونية وعدد لانهائي من التخمينات حول ما كان ليحدث.

هذا هو الجانب من كرة القدم الذي يحبه مشجعوها ويكرهه الآخرون, ماذا لو أن ركلة الجزاء قد دخلت المرمى؟ ماذا لو لم يطرد اللاعب؟ ماذا لو لم تنحني تلك الضربة الحرة حول حائط الصد ودخلت المرمى.

العديد من مشجعي كرة القدم يتذكرون الضربة الحرة التي قام بتنفيذها اللاعب البرازيلي روبرتو كارلوس في بطولة كأس العالم بفرنسا. موقع تنفيذ الركلة كان بعيدا عن مرمى الخصم حوالي 30 مترًا وإلى اليمين قليلا. كارلوس ركل الكرة بعيدًا جدًا نحو اليمين حيث ابتعدت في البداية عن حائط الصد لمسافة متر تقريبا ما جعل صبي جمع الكرات، الذي ظهر على بعد أمتار من المرمى، يحني رأسه في يأس، ثم، وكأنما بفعل السحر انحنت الكرة إلى اليسار ودخلت في أقصى الزاوية اليمنى للمرمى، وذلك وسط دهشة اللاعبين والحارس ووسائل الإعلام أيضا.

على ما يبدو أن كارلوس قام بالتدرب على هذه الركلة طوال الوقت خلال الحصص التدريبية. وتبعا لحدسه كان يعلم كيف يقوم بتقويس الكرة بركلها بسرعة محددة وحركة دورانية (التفاف) محددة. وهو على الأغلب لم يكن يعلم الخلفية الفيزيائية حول هذا الموضوع.

الديناميكا الهوائية للكرات الرياضية:

يعود فضل أول شرح حول الانحراف الجانبي للعناصر الدوارة إلى اللورد رايلي Lord Rayleighعن عمل أنجزه الفيزيائي الألماني غوستاف ماغنوس Gustav Magnus في العام 1852. ماغنوس كان يحاول فعليا تحديد لماذا تنحرف القذائف والرصاصات الدوارة إلى جانب واحد، لكن تفسيره ينطبق كذلك على الكرات.

في الحقيقة إن الميكانيزم (الآلية) الأساسي لتقويس الكرة في رياضة كرة القدم هو نفسه في الرياضات الأخرى كالبيسبول والغولف والتنس والكريكيت.

لنأخذ بالاعتبار كرة تدور حول محور عمودي على التيار الهوائي حولها (انظر الشكل المرفق). يتحرك الهواء بشكل أسرع بالنسبة لمركز الكرة حيث يتحرك سطح الكرة الخارجي مع اتجاه الجريان الهوائي مما يخفض الضغط بحسب لمبدأ بيرنولي Bernoulli principle. يحدث التأثير المعاكس على الجانب الآخر من الكرة، حيث يتحرك الهواء بشكل أبطأ بالنسبة لمركز الكرة. لذلك يحدث عدم توازن بالقوى وتنحرف الكرة، أو كما عبر عنها السير جي جي تومسون J J Thomson في العام 1910: «الكرة تتبع أنفها». هذا الانحراف العرض للكرة أثناء الطيران يعرف عمومًا بتأثير ماغنوس Magnus effect.

تُقسم القوى المؤثرة الكرة المتحركة في الهواء عادة إلى نوعين: قوة رفع وقوة جر (سحب). قوة الرفع هي القوة المؤثرة لأعلى أو للجوانب المسؤولة عن تأثير ماغنوس. تؤثر قوة الجر في الاتجاه المعاكس لمسار الكرة.

عند حساب القوى المؤثرة على الكرة في ضربة حرة معلومة المعطيات. على فرض أن سرعة الكرة تتراوح بين 25 و 30 متر في الثانية (حوالي 100 كيلومتر في الساعة) وعدد دوراتها يتراوح بين 8 و 10 دورات في الثانية، نجد عندها أن قوة الرفع تصل لحوالي 3.5 نيوتن. تشترط القوانين أن تتراوح كتلة كرة القدم الاحترافية بين 410 و 450 غرام. وهذا يعني بأنها تتسارع بمقدار 8 m/s².

وعلى فرض أن الكرة تستغرق ثانية واحدة لقطع مسار طوله 30 متر، فإن قوة الرفع سوف تجعل الكرة تنحرف عن مسارها لمسافة تصل إلى 4 أمتار عن مسارها المستقيم الأصلي، مما يكفي لإرباك أي حارس مرمى.

تزداد قوة الجر المؤثرة على الكرة بالنسبة لمربع السرعة V على فرض أن كثافة الكرة r ومساحة مقطعها العرضي A يبقيان ثابتين:

FD = ½ CD.r.A.V2

ويعتمد معامل الجر CD على السرعة أيضا، فعلى سبيل المثال، إذا قمنا بالتمثيل البياني لمعامل الاحتكاك بالنسبة لرقم رينولدز Reynold’s number وهو معامل لا بعدي يساوي:

Re = r.V.D/µ

حيث: D هو قطر الكرة، µ هي اللزوجة الحركية للهواء.

نجد أن معامل الجر ينخفض فجأة عندما يتغير السريان الهوائي عند سطح الكرة من ناعم وخطي إلى مضطرب (انظر الشكل المرفق).

عندما يكون السريان خطيا ومعامل الجر مرتفعا، فإن الطبقة الحدية للهواء على سطح الكرة تنفصل بشكل مبكر نسبيا عندما تجري فوق سطح الكرة، منتجة دوامات في أثرها. لكنه، عندما يكون سريان الهواء مضطربا، فإن الطبقة الحدية تلتصق بالكرة لمدة أطول، مما يسبب انفصالا متأخرا وجرا قليلا (انظر الشكل المرفق).

لذا تعتمد قيمة رقم رينولدز الذي تنخفض عنده قيمة معامل الجر على خشونة سطح الكرة. على سبيل المثال، كرة الغولف بها الكثير من التجاويف

السطحية وذات خشونة سطح مرتفعة إلى حد كبير، وبالتالي ينخفض معامل الجر عند قيم منخفضة نسبيا لرقم رينولدز حوالي (2.104)

أما كرة القدم فهي أكثر نعومة من كرة الغولف ويحدث التحول الحرج عند قيم أعلى بكثير لرقم رينولدز، حوالي (4.105).

خلاصة ما سبق هي أن كرات القدم المتحركة ببطء تتعرض لقوة إعاقة مرتفعة نسبيا. لكن إذا كان من الممكن ركل الكرة بسرعة كافية لجعل سريان الهواء حولها مضطربا، فإن الكرة ستتعرض لقوة إعاقة أصغر (انظر الشكل المرفق). لذلك تعتبر الكرات المتحركة بسرعة مشكلة مضاعفة لحراس المرمى، ليس لأنها تتحرك بسرعة كبيرة، ولكن لأنها

لا تتباطأ بنفس المقدار المتوقع. لعل أفضل حراس المرمى يفهمون الفيزياء اعتمادًا على الحدس أكثر مما يدركون.

في العام 1976 قام بيتر بيرمان Peter Bearman وزملاؤه من الكلية الملكية في لندن بتنفيذ سلسلة من التجارب على كرات الغولف. وجد الباحثون أن زيادة دوران الكرة ينتج معامل رفع أكبر وبالتالي مقدارًا أكبر من قوة ماغنوس، لكن زيادة السرعة عند دوران محدد سببت تخفيض معامل الرفع. ما يعنيه هذا الأمر بالنسبة لكرة القدم هو أن الكرة المتحركة ببطء مع الكثير من الدوران تمتلك قوى جانبية أكبر من الكرة المتحركة بسرعة مع نفس المقدار من الدوران. وبالتالي عندما تبدأ الكرة بالتباطؤ عند نهاية مسارها فإن التقوس يصبح أكثر وضوحا.

العودة لروبرتو كارلوس:

كيف يفسر كل هذا الضربة الحرة التي نفذها روبرتو كارلوس؟. على الرغم من أننا لا يمكن أن نكون متأكدين تماما، فإنه على الأغلب يمكن اعتبار ما يلي تفسيرا منطقيا لما حصل:

كارلوس قام بركل الكرة بالجانب الخارجي لقدمه اليسرى لجعلها تدور عكس عقارب الساعة. الطقس كان جافاً وبالتالي فإن مقدار الدوران الذي أعطاه للكرة كان مرتفعا، على الأغلب يتجاوز 10 دورات في الثانية. ركله للكرة بالجانب الخارجي لقدمه سمح له بضرب الكرة بقوة وسرعة تتجاوز 30 متر في الثانية (108 كيلومتر في الساعة).

سريان الهواء حول سطح الكرة كان مضطربًا مما أعطى الكرة مقدارًا منخفضًا نسبيًا من الجر. في مكان ما على مسار الكرة، ربما بعد مسافة 10 أمتار (أو عند مكان حائط الصد)، انخفضت سرعة الكرة لدرجة سمحت لها بدخول نظام الجريان الهوائي الخطي. سبب هذا الأمر زيادة كبيرة في الجر المؤثر على الكرة، مما جعلها تبطئ سرعتها أكثر، ومكن قوة ماغنوس الجانبية، والتي كانت تحني الكرة باتجاه المرمى، من أن تصبح أكثر فعالية. على فرض أن مقدار الدوران لم ينخفض كثيرا، عندئذ ازداد معامل الجر، مما أدى لنشوء قوة جانبية أكبر بكثير سببت انحناء الكرة أكثر.

أخيرا، كلما تباطأت الكرة أصبح الانحناء أكثر وضوحًا (ربما بسبب زيادة معامل الرفع) حتى اصطدام الكرة بشبكة المرمى، لتسعد الفيزيائيين الموجودين وسط الجماهير.

الأبحاث الحالية حول كرة القدم:

هناك المزيد من الأبحاث حول كرة القدم أكثر من مجرد دراسة حركة الكرة عند الطيران. الباحثون مهتمون أيضا بكيفية ركل لاعب كرة القدم للكرة. على سبيل المثال، درس ستانلي بلاجنهوف Stanley Plagenhof من جامعة ماساتشوستس كينيماتيكية (علم الحركة) ركل الكرة، بمعنى آخر، متجاهلا القوى المؤثرة.

أما باحثون آخرون مثل إليزابيث روبرتس Elizabeth Roberts وزملاؤها في جامعة ويسكونسن فقد قاموا بإجراء تحليل ديناميكي لركل الكرة، مع الأخذ بالاعتبار القوى المؤثرة.

لقد نتج عن هذه الطرق التجريبية بعض النتائج الجيدة، على الرغم من أن بعض التحديات لا تزال موجودة. واحدة من المشاكل الحرجة هي صعوبة قياس الحركة الفيزيائية للبشر، هذا الأمر يعود جزئيا لأن حركاتهم صعبة التوقع جدًا.

غير أن التطورات الأخيرة في تحليل الحركة باستخدام الكومبيوتر حازت على المزيد من الاهتمام في علم الرياضة، وبمساعدة المناهج العلمية الحديثة أصبح بالإمكان إنجاز قياسات دقيقة بشكل مقبول للحركة البشرية.

على سبيل المثال، قام اثنان من كاتبي هذا المقال (TA and TA) وفريق من الباحثين في جامعة ياماغاتا في اليابان باستخدام طريقة علمية محوسبة (باستخدام الحاسب) ودمجها مع المناهج الديناميكية الأكثر تقليدية من أجل محاكاة الطريقة التي يقوم بها اللاعبون بركل الكرة. هذه المحاكاة سمحت بخلق لاعبي كرة قدم افتراضيين من جميع المواصفات – من المبتدئين والأولاد الصغار إلى المحترفين- يلعبون في مكان وزمان افتراضيين على الكومبيوتر. الشركات المصنعة للمعدات الرياضية مثل مجموعة ASICS ،والتي تقوم بتمويل مشروع جامعة ياماغاتا، مهتمة أيضا بهذا العمل.

هم يأملون باستخدام هذه النتائج لتصميم معدات رياضية أعلى أداءً وأكثر أمانًا يمكن صناعتها بشكل أسرع وأكثر اقتصاديةً من المنتجات الموجودة.

تمت متابعة حركة اللاعبين باستخدام فيديو عالي السرعة ذو 4500 إطار في الثانية، ومن ثم تمت دراسة تأثير القدم على الكرة بواسطة تحليل العناصر المتناهية (Finite Element Analysis).

أثبتت التجارب الأولية ما يعلمه غالبية لاعبي كرة القدم وهوأنه: إذا قمت بركل الكرة بمشط القدم بالوضع المستقيم (رأس القدم) بحيث تصدم القدم الكرة بخط مار من مركز ثقل الكرة، عندئذ تنطلق الكرة بخط مستقيم. أما إذا قمت بركل الكرة بوجه مشط القدم وبزاوية 90o مع الرجل والقدم (انظر الشكل المرفق)، فإنها ستتقوس خلال طيرانها. في هذه الحالة يكون التأثير لا مركزيا. هذا الأمر يجعل القوة المؤثرة تعمل كعزم والذي يعطي الدوران للكرة.

أظهرت النتائج التجريبية أيضا أن الدوران الذي تكتسبه الكرة مرتبط بشدة بمعامل الاحتكاك بين القدم والكرة وبمسافة إزاحة القدم عن مركز ثقل الكرة. تم استخدام نموذج عنصر متناهي (Finite-element model)- تمت كتابته ببرنامج DYTRAN و PATRAN من مجموعة MacNeal Schwendler – من أجل التحليل الرقمي لهذه الأحداث. أظهرت الدراسة أن الزيادة في معامل الاحتكاك بين الكرة والقدم جعلها تكتسب مقدارا أكبر من الدوران. ويزداد الدوران أيضا عند زيادة مسافة الإزاحة عن مركز ثقل الكرة. كما لوحظ عاملين آخرين مثيرين للاهتمام.

أولا، إذا ازدادت مسافة الانحراف ولامست القدم الكرة لوقت أقل وغطت مساحة أقل منها، عندئذ يتناقص كل من السرعة والدوران. لذلك هناك مكان مثالي لركل الكرة إذا أردنا الحصول على الدوران الأعظم: إذا قمت بركل الكرة قريبا جدا أو بعيدا جدا عن مركز الثقل فإن الكرة لا تكتسب أية دوران.

العامل المهم الآخر هو أنه حتى لو انعدم الاحتكاك فإن الكرة تظل تكتسب بعض الدوران إذا قمنا بركلها بوجود مسافة انحراف عن مركز الثقل.

على الرغم من أنه في هذه الحالة لا وجود لقوة محيطية موازية لمحيط الكرة (طالما أن معامل الاحتكاك صفر) فإن الكرة مع ذلك تتشوه باتجاه مركزها، الأمر الذي ينتج قوة صغيرة تؤثر حول مركز الثقل. لذلك يكون من الممكن تدوير كرة في يوم ماطر، على الرغم من أن الدوران يكون أقل بكثير في ظل الظروف الجافة.

بالطبع إن هذا التحليل له العديد من القيود والمحددات. لقد تم تجاهل الهواء خارج الكرة، وتم اعتبار الهواء داخل الكرة ذو سلوك شبيه بنموذج جريان مائع لزج قابل للانضغاط. مثاليا يجب أن يؤخذ بالاعتبار الهواء داخل وخارج الكرة واللزوجة باستخدام معادلات نافير- ستوكس (Navier – Stokes).

تم الافتراض أيضا أن القدم متماثلة ومتجانسة بينما ومن الواضح أن القدم الحقيقية هي أكثر تعقيداً من ذلك. على الرغم من أنه قد يكون من المستحيل إيجاد نموذج مثالي يمكن أن يأخذ كل العوامل بالاعتبار، فإن هذا النموذج يتضمن الخصائص الأكثر أهمية.

يخطط اثنان من المؤلفين (TA and TA) في المستقبل لدراسة تأثير الأنواع المختلفة من الأحذية على ركل الكرة. وفي الوقت نفسه تقوم مجموعة ASICS بدمج محاكاة العناصر المتناهية لجامعة ياماغاتا مع الميكانيكا الحيوية (Bio Mechanics) وعلم وظائف الأعضاء (Physiology) وعلم المواد (Material Science) من أجل تصميم نوع جديد من أحذية كرة القدم. غير أنه وبشكل أساسي فإن اللاعب هو من يصنع الفرق وبدون هذه القدرة فإن التكنولوجيا عديمة النفع.

صافرة النهاية:

إذا ما الذي يمكن أن نتعلمه من روبرتو كارلوس؟. إذ قمت بركل الكرة بقوة كافية لجعل الجريان الهوائي حول سطح الكرة مضطربا، عندئذ تبقى قوة الجر منخفضة والكرة فعليًا ستطير. إذا أردت للكرة أن تتقوس، قم بإعطائها كمية كبيرة من الدوران بركلها بعيدا عن مركزها. هذا الأمر يكون أسهل في الأيام الجافة منه في الأيام الرطبة، لكن يمكن تنفيذه بغض النظر عن الظروف الجوية. الكرة سوف تنحني أكثر ما يمكن عندما تتباطأ لتدخل منطقة الجريان الخطي، لذلك فالأمر يحتاج التدريب من أجل التأكد من أن هذا التحول يحدث في المكان الصحيح (مباشرة بعد عبور الكرة لحائط الصد). إذا كان الطقس رطبا، فمن الممكن الحصول على الدوران، لكن يبقى من الأفضل تجفيف الكرة والحذاء.


  • إعداد: يازد حسامو
  • تدقيق: إبراهيم صيام
  • المحرر: عامر السبيعي
  • المصدر