تُصنَّف الكثير من الأمراض على أنها أمراضٌ جينيَّةٌ بمعنى أنَّها ناتجةٌ عن خللٍ أو عيبٍ محمولٍ على صبغيات الإنسان DNA وبخلاف الأمراض الناتجة عن أسبابٍ بيئيةٍ أو مكتسبةٍ لا يوجد علاجٌ نوعيٌ أو حقيقيٌ للأمراض الجينية لأنَّ إحداث تغييرٍ في المادة الوراثية للإنسان هو أمرٌ بالغ التعقيد والصعوبة وأقرب إلى المهمة المستحيلة، كان هذا الكلام صحيحًا في الماضي ولكنَّ الواقع تبدَّل خلال الأيام القليلة الماضية.
في شهر ديسمبر 2017 منحت الهيئة الأمريكية للغذاء والدواء FDA الترخيص لأوَّل دواءٍ جينيٍ Luxturna للاستخدام في الممارسة السريرية بعد أن أثبت فعاليته وأمانه في التجارب المخبرية.
النتائج المذهلة لاستخدام الدواء ظهرت في الأيام الماضية عند تطبيقه على مرضى يعانون من أمراض شبكية العين الوراثية inherited retinal disease ناتجةٌ عن خللٍ في المورِّثة RPE65 هذا الخلل يؤدي لغياب أحد الأنزيمات الضرورية للرؤية الطبيعة.
تم طرح الدواء في الأسواق في الولايات المتحدة الأمريكية على شكل جرعةٍ وحيدةٍ فقط يتم حقنها ضمن العين بواسطة حقنةٍ خاصة والنتيجة كانت استعادة البصر بشكل كامل والشفاء التام من المرض لأنَّ هذا الدواء يُحدث تعديلاً في المورِّثة المعيبة ويصلح الخلل فيها فتعود العين لإنتاج الأنزيم الناقص وتعود الرؤية الطبيعية للعين.
الدواء مازل موجودًا في الولايات المتحدة فقط وسيتم البدء بتطبيقه في دولٍ أخرى في وقتٍ قريب والمشكلة الأساسية حاليًا هي غلاء ثمنه والذي يصل لقرابة 500 ألف دولار.
أهمية هذا العلاج الجديد لا يمكن وصفها ليس لأنَّ نتائجه تشبه السحر في استعادة الرؤية عند المرضى المصابين بهذا المرض الوراثي بل لأنَّه فاتحة عصرٍ جديدٍ في تاريخ الطب والدواء الجيني الأول الذي ستتبعه بكل تأكيدٍ أدويةٌ مشابهةٌ لأمراضٍ أخرى كانت عصيَّةً على العلاج حتى وقتٍ قريب.
في الماضي كان البشر يقفون مكتوفي الأيدي أمام الأمراض التي تسببها الجراثيم وتحدث ملايين الوفيات بسببها إلى أن اكتشف فيلمنغ البنسلين والذي اعتُبر أعظم دواءٍ اكتشفه البشر على مرِّ العصور واليوم يذكرنا دواء Luxturna بالبنسلين لأنَّه يُشكِّل علاجًا للأمراض الجينية التي هي الآن لا علاج لها كما كانت الأمراض الجرثومية ذات يوم.
إن البشرية بأكملها مدينةٌ للعلماء والباحثين الأبطال الذين نذروا حياتهم لتطوير العلاج الجيني وبذلوا في سبيل ذلك جهودًا جبارةً غير مسبوقة، هذا العلاج الذي أثبت بكل تأكيدٍ أنَّه لا مستحيل أمام العلم.
- إعداد: د. محمد الأبرص.
- تدقيق: م. قيس شعبية.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر الأول
- المصدر الثاني
- المصدر الثالث
- المصدر الرابع
- المصدر الخامس