(بليمبتون 322-Plimpton 322)، قرصٌ رياضيّ قديم يعود لبلاد ما بين النهرين، يُعتبر وثيقة رائعة، لكنّه لن يحدث ثورة في علم المثلثات.
المصدر: Public Domain
لا بدّ أنك رأيت عناوين رئيسية تداولت قرصًا قديمًا يعود لبلاد ما بين النهرين.
تقول مجلة (غارديان-(Guardian: «تمّ الكشف عن الأسرار الرياضية لقرص قديم بعدَ حوالي قرن من الدراسة».
وتقول مجلة (بوبيولار ساينس-(Popular Science: « يمكن لهذا القرص القديم الغامض أن يعلمنا شيئًا أو اثنين عن الرياضيات، ويقول بعض الباحثين أنّ البابليين اخترعوا علم المثلثات، وأحسنوا صنعًا فيه».
بينما كانت (ناشيونال جيوغرافيك-National Geographic) أكثر حذرًا «دراسة جديدة تُدعى بالقرص تُعدّ من أقدم المساهمات في دراسة علم المثلثات، ولازال البعض مشكّكًا بها»
قام كل من (دانيال مانسفيلدDaniel Mansfield-) و (نورمان ويلدبيرجر-Norman Wildberger ) ببيعٍ جيد لأطروحتهم الجديدة التابعة للمجلة رفيعة المستوى Historia Mathematica.
ما هو (بليمبتون 322-Plimpton 322)؟
بليمبتون 322 قطعة أثرية مغرية، إنها عبارة عن قطعة مكسورة من الطين بحجم بطاقة بريديّة تقريبًا، كانت مملوءة بأربعة أعمدة من الأرقام المسمارية حوالي 1800 قبل الميلاد، وربما في مدينة لارسا القديمة (الآن في العراق )، وأُزيلت في عشرينيات القرن العشرين.
اشتراها( جورج بليمبتون-George Plimpton) عام 1922، وورَّثها بعد ذلك إلى( جامعة كولومبيا-Columbia University )
عام 1936 فامتلكتَها منذ ذلك الحين، درس العديد من العلماء بليمبتون322، فإنّ أيّ صورة قد تكون لديكم عن مانسفيلد وويلدبيرجر فهي غير دقيقة سواء على أيديهم وركبهم في موقع أثريّ ساخن مملوء بالغبار، أو من خلال التفتيش في سجلات مهمة وبالية وكشف هذا الكنز.
عرّفنا بذلك عن القطعة الأثرية و ما كانت عليه منذ عقود، ويدّعي الباحثون أنهم يملكون تفسيرًا جديدًا لكيفية استخدامها،
لكنّي أشك في ذلك.
عرِف العلماء منذ أربعينيات القرن العشرين أنّ بليمبتون 322 يحتوي على أرقام مرتبطة بالثلاثية الشهيرة
(ثلاثية فيثاغورس-Pythagorean triples)، التي تشكل حلول صحيحة للمعادلة « a²+b²=c²»
على سبيل المثال: «3-4-5» تُشكل ثلاثية فيثاغورس لأن «3²+4²=9+16=25=5²».
يحتوي العمود في أقصى اليمين على الأرقام من 1 إلى 15، لذا هو مجرد تعداد. ويحوي العمودان المتوسطان من بليمبتون322 على ضلع جانبي واحد ووتر من مثلث فيثاغورس، وهماa و c من المعادلة «a²+b²=c²»، لكنّها أفضل قليلًا من ثلاثية فيثاغورس التي تعلّمتَها في المدرسة، ويشكِّل العمود في أقصى اليسار نسبة مربع ضلعيّ المثلث الجانبيين.
يمكننا تفسير أحد الأعمدة باحتوائه على توابع مثلثيه، لذا بمعنى آخر، هو جدول علم المثلثات. لكنْ على الرغم ممّا جعلتك العناوين الرئيسية تعتقد، فقد عَرِف الناس ذلك لعقود، وربما يؤدي إلى استنتاجات غير صحيحة بالنظر إلى التحف القديمة في المقام الأول من خلال عدسة فهمنا الحديث للرياضيات.
ماذا قدّمَت؟
يعتقد البعض أنها تربط نظرية فيثاغورس (المعروفة ضمن بلاد ما بين النهرين القديمة والعديد من الحضارات الأخرى لمدة طويلة قبل فيثاغورس) بطريقة إكمال المربّع لحل معادلة من الدرجة الثانية، وهي مشكلة شائعة في النصوص الرياضية منذ ذاك الزمان والمكان.
ويعتقد منهم أنه قد تمّ توليد الثلاثية باستخدام أرقام مختلفة غير تلك المُدرجَة في الجدول بطريقة «النظرية العددية».
يظنّ آخرون أنّ الأرقام جاءت ممّا يسمى« الأزواج المتبادلة» التي استُخدِمت في الضرب.
ومنهم من يعتقد أنّ القرص كان يمثّل أداة تربوية، وربما مصدر تمارين للطلاب.
والبعض الآخر أنه كان يُستخدَم في مجال أوسع مثل البحوث الرياضية الأصلية.
إنْ كان جدولًا لعلم المثلثات، فهلْ هو أفضل من جداول المثلثات الحديثة؟
في فيديو نُشِر من قبل UNSW (University of New South Wales )، يَدّعي مانسفيلد أنّ هذا الجدول «متفوّق في بعض الطرق على علم المثلثات الحديث» و «يُعدّ جدول المثلثات الوحيد الدقيق تمامًا».
من الصعب أن نعرف من أين نبدأ مع هذا الجزء من ادّعاءاتهم..
بدايةً، يحوي القرص على بعض الأخطاء المعروفة، لذلك فإنّ الادعاءات بأنّه جدول المثلثات الوحيد الأكثر دقًة ليست صحيحة، وحتى النسخة المُصحَّحة من بليمبتون322 لن تكون بديلًا ثوريًّا لجداول المثلثات الحديثة.
إن كنت مثلي, غيرَ متقدمٍ باستخدام جداول المثلثات, فهي أدوات فريدة في حال لم تمتلك جهاز حاسوب بدقة حساب 10أرقام في الثانية.
يمكن أن يتضمن جدول المثلثات أعمدة من جيب الزاوية، جيب التمام، ظل الزاوية، وربما توابع مثلثية أُخرى للزوايا.
اليوم، تستخدم الحواسيب عمومًا صيغًا للتوابع المثلثية.
تستند هذه الصيغ إلى حساب التفاضل والتكامل ويمكن أن تكون دقيقة حسب الضرورة.
أتحتاج الإجابة الصحيحة إلى 50 رقمًا؟ نعم، ويستطيع الحاسوب إنجازها بسرعة كبيرة.
جيب الزاوية هو الضلع المعاكس مقسومًا على الوتر، جيب التمام هو الضلع المجاور مقسومًا على الوتر، وظل الزاوية هو الضلع المعاكس مقسومًا على الضلع المجاور.
إنّ قيم التوابع المثلثية لأغلب الزوايا ليست أعداد نسبية.
لا يمكن أن تُكتب كنسبة عددين صحيحين. وبليمبتون322 هو جدول مثلثي تمامًا لأنه يحتوي فقط على التوابع المثلثية على أساس المثلثات التي تحوي أطوال أضلاع جانبية صحيحة ( وفي الواقع مبدع الجدول أعدّه بحيث يكون من الأسهل تمثيل مقامات الكسور في نظام العد الستيني ).
تستند جداول المثلثات الحديثة على الزوايا التي تزداد بمعدّل ثابت.
يمكن أن يعطوا جيب الزوايا 1°, 2°, 3° وهَلُمَّ جر، أو 0.1°, 0.2°, 0.3° وهلمّ جرّ، لأنه مثلما الحال في بلاد ما بين النهرين القديمة، فكّر الناس الذين أنتجوا بليمبتون 322 في المثلثات من ناحية أطوال الأضلاع الجانبية بدلًا من الزوايا، ولا تتغير الزوايا طرديًا.
يُظهِر القليل من البحث أنّ لدى ويلدبيرجر فكرة بدائيّة تُدعى «علم المثلثات النسبيّ»، يبدو أنه متشكك إلى حدّ ما من الأشياء التي تحوي اللانهاية، بما في ذلك الأرقام غير النسبية، التي تحتوي على تمثيلات عشرية ليست متكررة ولا نهائية.
حقيقةً إنّ معظم الزوايا لها جيب، جيب التمام، و ظل غير نسبية، وهذا لا يُزعِج الغالبيّة العُظمى من علماء الرياضيات، الفيزيائيين، المهندسين، وغيرهم ممن يستخدمون جدول المثلثات.
إنّه لَمِن الصعوبة عدم رؤية عملهم على بليمبتون322 بدافع من الرغبة في إضفاء الشرعيّة على النّهج الذي لا يكاد يكون له أيّ اجتذاب في المجتمع الرياضي.
هل نظام (العدّ الستّيني-(base 60 أفضل من نظام (العدّ العشريّ-base 10)؟
لعلَّ الفائدة من أنواع مختلفة من جداول المثلثات هو مسألة رأي، لكنّ فيديو UNSW لديه أيضًا بُطْلانٌ واضح حول الدّقة في نظام العد الستيني مقابل نظام العد العشري الذي نستخدمه الآن.
حوالي الدقيقة 1:10، يقول مانسفيلد: « نقوم بالعد في النظام العشري، الذي لا يحتوي إلا (كسورًا دقيقة-exact fractions):
1/2 الذي يساوي 0,5، وكذلك 1/5».
اعتراضي الأوّل هو أنّ أيّ كسرٍ هو دقيقٌ، الرقم 1/3 هو بالضبط 1/3 .
من الواضح أنّ ما يعنيه مانسفيلد بأن 1/3 ليس كسرًا دقيقًا لأنه يحتوي على لانهاية من( …0,333) بدلًا من عشريّ منتهي،
ولكن ماذا عن 1/4 ؟ هو 0,25والذي يُعدّ منتهيًا ، مع ذلك لا يعتبره مانسفيلد كسرًا دقيقًا.
وماذا عن 1/10 أو 2/5؟ يمكن كتابتها 0,1 و 0,4 والتي تبدو دقيقة حقًّا.
عندما يُشيِّد بالعديد من ( الكسور الدقيقة ) المتاحة في نظام العد الستيني، فإنه لا يطبق نفس المعايير بشكلٍ بالغ، مثلًا:
في النظام الستيني،1/8 ستُكتَب 7/60+30/3600 .
والتي هي نفس فكرة كتابة 0,25 ، أو 2/10+5/100، لتمثيل 1/4 في نظام العد العشري.
لماذا 1/8 دقيقًا في النظام الستيني، أما 1/4 ليس كذلك في النظام العشري؟
بليمبتون 322 قطعة أثريّة رائعة، ولدينا الكثير لنتعلُّم منها. فهي تدلُّ على الاختلافات في الطريقة التي قامت بها الثقافات المختلفة في تطبيق الرياضيات و الوسائل الحسابية المتميّزة. قد أثارت تساؤلات عن كيفيّة محاولة بلاد ما بين النهرين القديمة لفهم الحساب والهندسة.
ولكن استخدامها لبيع نظرية بدائيّة مشكوكًا بها، لن يجعلنا أقرب إلى الحصول على الأجوبة.
- ترجمة: لميا عنتر
- تدقيق: سهى يازجي
- تحرير : رغدة عاصي
- المصدر