النيوترينوات تمتلك سمعة واسعة بأنها صعبة المنال، جسيمات صغيرة دون ذرية لا تمتلك أي شحنة وتقترب كتلتها من الصفر، فهي دومًا تنزلق من ذرات الأرض تاركة أثرًا ضئيلًا خلفها تثبت وجودها به.
ولكن لا يمر خروجهم جميعًا بسلام، هناك بحثًا جديدًا يؤكد على وجود جسيمات طيفية عالية الطاقة يمكن أن تتوقف ميتة في طريقها، لم يُفاجيء هذا الاكتشاف أصحاب النظريات ولكنه يمكن أن يفتح لنا طرقًا جديدة لاكتشاف الجوانب المخفية من كوكبنا.
قاس (تعاون آيسكيوب – IceCube collaboration)، وهي مجموعة دولية من الباحثين، قاس مدى امتصاص الأرض لجسيمات النيوترينوات لأول مرة بطريقة مباشرة، حقيقة أن النيوترينوات يُمكن أن تتفاعل مع باقي جسيمات المادة لذلك يُمكن أن تُمتص، ليست اكتشافًا بالضبط، وفي حقيقة الأمر، نموذج الفيزياء القياسي – تلك النظرية الرائعة التي تتوقع الطريقة التي يجب أن تتصرف بها الجسيمات – تُخبرنا بما يجب أن نتوقعه بالضبط.
بالتأكيد من الصعب جدًا الإمساك بالنيوترينوات، بالرغم من وجود حرفيًا أكثر من عشرات الترليونات منهم تطير حول أجسامنا في كل ثانية وذلك بعد أن أطلقتهم الشمس في إشعاعها باتجاهنا أو في إشعاعات الكون من حولنا، لكنها تتحرك دون حتى توقف مؤقت لتلتقي بإحدى الذرات، ولكننا نعلم أنه كلما زادت طاقة النيوترينو كلما زادت فرصته ليُمتص عن طريق بروتون أو نيترون في نواة ذرة أخرى.
يقول فرانسيس هالزين (Francis Halzen) من جامعة ويسكونسن ماديسون والباحث الرئيسي مع آيسكيوب: «نقول دومًا أنه لا يوجد أي جسيمات غير النيوترينوات يُمكنها المرور خلال الأرض، ومع ذلك تزداد فرصة النيوترينو ليتفاعل مع ذرات الأرض بقدر ضئيل كلما زادت طاقته».
تُدعى فرصة تفاعل النيوترينو بالمقطع العرضي، لا تكمن المشكلة في أننا لا نعرف عنه شيء ولكنها تكمن في عدم استطاعتنا انتاج نيوترينوات بطاقة كافية لنُزيد من فرصة تفاعلهم فيُمكننا دراستهم حينها.
مُسرِّعات الجسيمات على الأرض لا يُمكنها قعل ذلك، فالمُسرِّعات الوحيدة القادرة على انتاج نيوترينوات عالية الطاقة هي تلك ذات الأحجام الكونية، نحن نتحدث هنا عن الثقوب السوداء العملاقة وقالب النجوم التي تُكوِّن المجرات.
تنهال النيوترينوات علينا من الفضاء، حيث يتم إنتاج كمية كبيرة منها من خلال الأشعة الكونية التي تصطدم بغلافنا الجوي بسرعة عالية تاركة جزيئات عديمة القيمة التي يُمكننا إنتاجها في الغبار، لذلك استخدم الباحثون 5,160 مستشعر في حجم كرات السلة منتشرة خلال كيلومتر مكعب من الجليد أسفل القطب الجنوبي لتلتقط أي إشارات لتلك النيوترينوات عالية الشحنة.
تعمل هذه المستشعرات عن طريق قياس الومضات الخافتة للإشعاعات التي تحدث حينما تصطدم إحدى تلك النيوترينوات عرضيًا بجسيم آخر.
هذا ليس حدثًا شائعًا، تذكر كم ترليون نيوترينو يمرون من خلالك الآن في هذه اللحظة، حللَ الباحثون 10,784 ومضة تم التقاطها خلال عام كامل، واستطاع الباحثون تحديد طاقة تلك الجسيمات، ووجدوا أنَّ هناك عددًا قليلًا من تلك النيوترينوات عالية الطاقة تشق طريقها خلال كوكبنا في اتجاه نصف الكرة الشمالي، سمح لهم هذا بالعمل على المقطع العرضي للنيوترينوات في مدى يتراوح بين 6.3 و980 تيرا إلكترون فولت (TeV).
لنوضح الأمر أكثر، أفضل ما أمكننا فعله نحن البشر في إنتاج نيوترينوات عالية الطاقة كانت نيوترينوات بلغت طاقتها 0.4 (TeV)، يقول هالزين بشأن ذلك الصدد: «ما قمنا بقياسه يتطابق مع ما كان مُتوقعًا، لقد كنا نأمل بالطبع في اكتشاف فيزياء جديدة، ولكن لسوء الحظ وجدنا نموذج الفيزياء القياسية الاعتيادي في نتائج اختبارتنا».
حسنًا، إذًا لا توجد اكتشافات لأبعاد جديدة لنا، ولكن دعنا ننظر للجانب المُشرق بالأمر، قد يؤدي بنا هذا إلى تصور أفضل للقالب الداخلي لكوكبنا، فبالرغم من الرسومات الفنية الحية في كُتبنا لكوكب الأرض إلا أنه لازالت رؤيتنا ضبابية لما تبدو عليه الأرض أسفل أقدامنا.
لازالت النيوترينوات تمتلك العديد من الألغاز لاكتشافها، والتي قد تُزيح الستار عن العديد من الأسرار حول كوننا بما فيها سبب تواجدها ذاتها، لا مكان لليأس حينما نتحدث عن أفضل قبضة لتلك التي تُدعى بأطياف حديقة الجسيمات (النيوترينوات).
- ترجمة: محمد خالد عبدالرحمن
- تدقيق: صهيب الأغبري
- المحرر: عامر السبيعي
- المصدر