لا يمكننا الجزم بذلك من كوكب الأرض، لكن الغلاف الخارجي للشمس بالتأكيد أسخن بمئات المرات من سطحها. طالما ظل هذا الأمر لغزًا حاول علماء الفيزياء الفلكية حله على مدار سنوات، والآن ربما قد وجدنا الإجابة. اقترح العلماء سابقًا أن نفثات البلازما الشمسية المسماة بالشوكات spicules المتفجرة من داخل الشمس هي المسؤولة عن هذه السخونة، وقد استطاع الباحثون لأول مرة رصد هذه العملية مباشرةً.
أوضحت عمليات الرصد الأخيرة أن الشوكات تتكون عندما تتعاكس الحقول المغناطيسية ويُعاد ترتيبها على سطح الشمس.
تتحول طاقة الحقول المغناطيسية إلى طاقة حركية وطاقة حرارية، تنتقل إلى الشوكات التي تندفع من طبقة الكروموسفير chromosphere إلى الطبقة الأخيرة من الغلاف الجوي للشمس المسماة بالإكليل corona.
طُرحت سابقًا فكرة تسبب الاضطراب المغناطيسي للشمس في تكون الشوكات، باستخدام أنظمة المحاكاة الحاسوبية، أما الآن فقد استطاع علماء الفلك مشاهدة حدوث هذه الظاهرة فعليًّا، باستخدام الصور عالية الجودة التي التقطها مرصد بيج بير الشمسي BBSO.
وفقًا لويندا تشاو Wenda Cao، عالم فيزياء الشمس في معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا، فإن الدقة غير المسبوقة للصور الملتقطة أوضحت إنه عند تلاقي الحقول المغناطيسي متعاكسة الأقطاب في الغلاف الجوي المنخفض للشمس، تنطلق نفثات البلازما بقوة، بعرض يتراوح بين 200 و500 كيلومتر، وترتفع لمسافات تصل إلى آلاف الكيلومترات قبل أن تسقط مرةً أخرى، وتتحرك بسرعة تبلغ 100 كيلومتر في الثانية.
استخدم الباحثون أيضًا صور مرصد ديناميكا الشمس التابع لناسا NASA Solar Dynamics Observatory، الملتقطة في طيف الأشعة فوق البنفسجية الفائق EUV، لرصد انتقال الطاقة إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي للشمس.
أكدت الصور إن درجة حرارة الشوكات قد تصل إلى نحو مليون درجة سيليزية، وهو ما يسبب ارتفاع حرارة الإكليل الشمسي إلى الدرجات المُسجَّلة.
يرجع الفضل في جمع تلك البيانات المهمة إلى الصور عالية الجودة التي التقطها مرصد بيج بير الشمسي، والتي قدمت مستوىً عال من التفاصيل لم يكن متاحًا من قبل. إنه كلما تطورت تقنيات الرصد لدينا، توالت الاكتشافات.
ويقول تشاو:«استطعنا لأول مرة مشاهدة الدليل على كيفية تكون الشوكات، فقد تتبعنا الخصائص الديناميكية للخط الطيفي إتش ألفا H-alpha حتى نقاطه الأولى، وقسنا الحقول المغناطيسية عند هذه النقاط، وصورنا انتقال العناصر المغناطيسية المتولدة، وتأكدنا من تفاعلها مع الحقول المغناطيسية متعاكسة الأقطاب».
ما زال أمامنا الكثير لنتعلمه حول تلك الكرة الدوارة المتقلبة من المغناطيسية والبلازما: الشمس. لكن العلماء يزيلون تدريجيًّا طبقات الغموض التي تغطيها، حتى لو تطلب الأمر إنشاء نموذج للشمس على كوكبنا.
لا تثبت الدراسة الأخيرة بالتأكيد تسبب الشوكات في سخونة الإكليل، إذ يحتاج الأمر إلى المزيد من الدراسة لتأكيد ذلك، ومع ذلك فنحن نفهم الآن طبيعة الشوكات ودوراتها أفضل مما سبق.
كتب الباحثون في ورقتهم المنشورة في دورية ساينس science: «تكشف مشاهداتنا لتكون الشوكات والتدفئة الناتجة عن ذلك والتدفقات الراجعة، وجود عملية إعادة تدوير واسعة النطاق بين الكروموسفير والإكليل».
اقرأ أيضًا:
قد تكون العواصف الشمسية المدمرة واردة الحدوث أكثر مما اعتقدنا
تخليق الحقل المغناطيسي الغريب المتصاعد من الشمس في المختبر
ترجمة: مصطفى عبد المنعم
تدقيق: فارس سلطة
مراجعة: أكرم محيي الدين