لاحظت دراسة علمية لأول مرة استخدام قردة البونوبو أدوات بدائية من مرحلة ما قبل ظهور الزراعة بطريقةٍ شبيهة بتلك التي كانت تُعتبَر امتيازًا لأشباه البشر من السابقين على البشر وأفراد آخرين من جنس الهومو. شوهد البونوبو يصنع رماحًا لأول مرة ويستخدمها في إطار اجتماعي بغرض الهجوم والدفاع. يقول إيتاي روفمان، العالم بمعهد التطور في جامعة حيفا: «أعتقد أنَّ الدراسة الحالية ستُحطِّم معتقدات البشر الثقافية فيما يخص قدرات البونوبو والشمبانزي وإمكانياتهما».
الأمر المثير للاهتمام أنَّ البونوبو تُعتبَر أقل تعقيدًا من أشقائها من الشمبانزي، لقد شوهدت قردة الشمبانزي في الطبيعة تستخدم فروعًا لحفر الأرض من أجل درنات النباتات ولاقتحام عشش النمل الأبيض وخلايا النحل. كما توثَّق كسرها للبندق بمطرقة وسندان، وحتى تلاعبها بالفروع لجعلها رماح تستخدم في صيد السعالي البدائية الصغيرة التي تختبئ في تجويفات الأشجار، وهذا جزء من تنوعهم الثقافي. أمَّا قرود البونوبو فكانوا، على العكس، يُعرَفون بأنَّهم نوع اجتماعي ينخرط في سلوك جنسي مكثف ولم يُلاحَظ استخدامه الأدوات في الطبيعة.
تفحص رسالة الدكتوراه الخاصة بروفمان (تحت إشراف إفياتار نيفو وأفراهام رونين الأساتذة بجامعة حيفا) خصائص الهومو/قبل البشر المتنوعة بين قرود الشمبانزي والبونوبو. نجح هوفمان بالفعل منذ ثلاثة أعوام في إظهار أنَّ قردا بونوبو كانا قادرين على إعداد مجموعة متنوعة من الأدوات الحجرية من نوع التي استخدمها الهومو القديم واستخدامها من أجل الوصول إلى طعام يصعب الوصول إليه في سياق طبيعي. نشأ هذان القردان -الشقيقان الشهيران كانزي وبانبانيشا- في بيئة بشرية وقد تعلَّما التواصل باستخدام رموز إلكترونية مُعبِّرة عن كلمات إنجليزية، ممَّا أتاح لهم الخطاب العقلاني مع البشر.
في الدراسة الحالية التي نُشِرت مؤخرًا في المجلة الأمريكية للأنثروبولوجيا الفيزيائية، سعى روفمان إلى فحص ما إذا كان هناك قردة بونوبو أخرى -في ملجأ وفي حديقة حيوان- قادرة أيضًا على القيام بأفعال متسلسلة معقدة في المهام المتعلِّقة باستخلاص العلف. تضمَّنت هذه الدراسة مجموعة من ثمانية قرود بونوبو في حديقة حيوان فوبرتال في ألمانيا، عاشت في ظروف أسر تام، ومجموعة من سبعة قرود بونوبو في ملجأ الأمل لقردة البونوبو في ولاية آيوا في الولايات المتحدة الأمريكية (بما فيها كانزي وبانبانيشا) وعاشت في ظروف غنية ثقافيًّا مع إمكانية الوصول إلى الغابة.
تعرَّضت المجموعتان لتحدِّيات شبه طبيعية: كان المطلوب منهما الوصول إلى طعام مدفون في الأرض على عمقٍ (مُغطَّى بطبقة من أحجار ذات أحجام متنوعة) أو مُخبَّأ داخل عظام ثدييات حافرية كبيرة (مليئة بالفاكهة المُجفَّفة لمحاكاة نخاع العظام)، أو مخفي داخل كبسولات إسمنتية صغيرة. وبالإضافة إلى الأحجار، وضع الباحث أيضًا على طول كل من هذه التحديات مواد خام طبيعية مثل، فروع خضراء من أحجام متنوعة وقرون غزلان.
بدأت قردة البونوبو في الملجأ خلال بضعة أيام إعداد أدوات ملائمة للمهام واستخدامها بطريقة مُتعمَّدة ومُخطَّط لها، فأدركت على سبيل المثال أنَّها لكي تصل إلى الطعام المدفون تحت الأرض، عليها أن تعمل على مراحل (سلسلة مُحدَّدة من الأفعال) باستخدام مجموعات من الأدوات. أولًا: أزالت طبقة الأحجار باستخدام أياديها وعصي، كما استخدمت قرون الغزلان كجرَّافة، وبعد الوصول إلى طبقة التربة، تلاعبت بالفروع القصيرة واستخدمتها كخنجر أو مثقاب لصنع ثقوب في الأرض. ثم وسَّعت الثقوب وعمَّقتها باستخدام الفروع الأكبر كمجارف، بينما استُخدِمت قرون الغزلان كخرَّامات أو معاول. واستخرجت الطعام في النهاية باستخدام فرع طويل كعمود ورافعة، كما استخدمت الأحجار والقرون كمطارق لكسر عظام الثدييات الحافرية والكبسولات الإسمنتية. كذلك تمكَّنت قردة البونوبو في حديقة الحيوان من أداء مهام استخلاص الطعام، ولكن استغرقها الوصول إلى هذه المرحلة شهرًا، كانت ناجحة في مهامها في حالات أقل كثيرًا وكانت جودة أدائها أقل كثيرًا من جودة أداء قرود البونوبو في الملجأ.
هذه هي المرة الأولى التي نحصل فيها على دليل على أنَّ أي نوع آخر غير أعضاء جنس الهومو القدماء السابقين على البشر يمكنها توظيف إستراتيجيات بمساعدة أدوات مرحلة ما قبل ظهور الزراعة بمهارةٍ مثل تلك التي استخدمها البارانثروبوس. يشرح روفمان: «عُثِر في كهوف أشباه البشر في أمريكا الجنوبية على عظام وقرون تحمل علامات تآكل توضِّح أنَّها كانت تُستخدَم كأدوات للحفر. والأكثر من ذلك، أنَّ أنواع الكسور على العظام الطويلة التي وُجِدت في الكهوف في أوروبا التي سكنها النياندرتال والكرومانيون كانت مطابقة للطريقة التي كسرت بها قردة البونوبو بانبانيشا العظمة الطويلة التي كانت لديها. أظهر قرود البونوبو أنَّهم عندما يكون لديهم دافع، تصبح لديهم قدرات مماثلة لقدرات الأنواع القديمة السابقة على البشر، وهو أمر منطقي بما أنَّ الشمبانزي والبونوبو هما النوعان الشقيقان لنا جينيًّا».
ينتقل روفمان من النتائج نفسها إلى عواقبها التطوُّرية، يشير إلى أنَّ البارانثروبوس قد عاش قبل حوالي مليون أو مليوني عام في بيئة سافانا متنوعة ذات موارد محدودة. مكَّنتها قدراتها المعرفية والثقافية من ابتكار استراتيجيات للبقاء وتطويرها من أجل الحصول على الطعام، منحها ذلك ميزةً تطوُّرية ومكَّنها من البقاء جنبًا إلى جنب مع أنواع أشباه البشر الأخرى التي تتنوَّع وتتطوَّر لتصبح نوعًا جديدًا (الهومو) وتصل في النهاية إلى الإنسان الحديث.
لم تعِش قردة البونوبو في هذه التجارب في مناطق فقيرة بالموارد، ولكنَّ محاكاة هذه الظروف (احتياجها لبذل مجهود من أجل تأمين طعامها المفضَّل) أثبت أنَّها قادرة على أداء المهام التي كانت حتى الآن تُعتبَر نطاقًا فريدًا خاصًا بأسلافنا القدماء من الهومو وأشباه البشر. يقول روفمان: «خضعت حتى الآن مجموعات قليلة فقط من البونوبو التي تعيش في الطبيعة، عاشت هذه المجموعات في مناطق غنية بالموارد، وتوصَّلت الأبحاث السابقة إلى نتائج عن النوع بأكمله على هذا الأساس».
من الواضح أيضًا لروفمان سبب رؤية اختلاف حاد بين قردة البونوبو في الملجأ وتلك الموجودة في حديقة الحيوان، فظروف حديقة الحيوان لا تُحفِّز قدراتها الخاصة بأشباه البشر بسبب غياب البيئة الطبيعية الملائمة. وبرغم ذلك، نجحت قردة بونوبو واحدة في حديقة الحيوان في تحقيق إنجاز فريد، اختارت الأنثى الرئيسية إيجا العصي الطويلة وتلاعبت بها (لإزالة الفروع الصغيرة وتقشير الجذع) واستخدمت أسنانها لشحذ العصي لتحوِّلها إلى رماح، وكلما اقترب روفمان، كانت تحاول مهاجمته بالرمح من وراء القضبان. شوهدت قردة الشمبانزي تستخدم الرماح عند الصيد من فجوات الأشجار، ولكنها لم تستخدمها قط في سياق اجتماعي للهجوم والدفاع. يُنظِّر روفمان سبب رؤية هذا السلوك في حديقة الحيوان فيقول: «الظروف هناك لا تُسهِّل من الاتصال الشخصي المباشر من أجل تخفيف الضغط، لذا كان من الصعب الترابط معها، على عكس التواصل الرائع الذي حظيتُ به مع قردة البونوبو في الملجأ. فكنتُ في نظر قرود البونوبو في حديقة الحيوان معتديًا أنتهك خصوصيتها وأتعقَّبها. يوضِّح هذا كيف يتحوَّل نوعٌ يُعتبَر مسالمًا ومُحِبًّا إلى عنيف ومُتشكِّك في سياق اجتماعي يتَّسم بالحبس والارتياب في البشر».