لأول مرة: إيجاد الماء على كوكب غريب قد يكون قابلًا للحياة – يقول علماء الفلك إن أرضًا عملاقة على بعد نحو 111 سنة ضوئية هي «أفضل المرشحين الذين نعرفهم الآن لاستضافة الحياة».
أظهرت البيانات من مرصد هابل للفضاء لأول مرة بخار الماء في الغلاف الجوي لكوكب بحجم الأرض لعلماء الفلك الذين يدرسون العوالم خلف نظامنا الشمسي. رغم أن هذا الكوكب الموجود خارج مجموعتنا الشمسية يدور حول شمس أصغر من شمسنا، فهو يقع في ما يعرف بمنطقة النجم المأهولة، أي نطاق المسافات المدارية حيث يكون الطقس دافئًا كفايةً ليوجد الماء السائل على سطح الكوكب.
يأتي هذا الاكتشاف المُعلن عنه هذا الأسبوع في دراستين مختلفتين نتيجة سنوات من الرصد للكوكب K2-18b وهو كرة أرضية عملاقة تقع على بعد 111 سنة ضوئية من نظامنا الشمسي.
اكتُشف الكوكب عام 2015 بواسطة مركبة كيبلر Kepler التابعة لناسا.
الكوكب K2-18b مختلف بشكل كبير عن موطننا الأصلي، فهو أكبر بثمان مرات من كتلة الأرض، ما يعني أنه إما كوكب متجمد عملاق كنبتون أو كوكب صخري بغلاف جوي ثخين غني بالهيدروجين.
إن مدار الكوكب K2-18b يضعه بمسافة أقرب إلى نجمه بسبع مرات مما هي عليه الأرض بالنسبة للشمس ولكن بما أنه يدور حول نوع من النجوم الحمراء الخافتة المعروفة باسم M dwarf، فهذا المدار يضعه في منطقة النجم التي من الممكن أن تدعم الحياة.
تتوقع النماذج الأولية أن الحرارة الحقيقية للكوكب K2-18b تقع بين 73.3- و 46.6 درجة مئوية، وإذا كان عاكسًا بقدر الأرض فإن متوسط درجة حرارته سيكون تقريبًا نفس متوسط درجة حرارة كوكبنا الأم.
تدعم حقيقة اكتشاف العلماء للماء على سطح كوكب كهذا الأمل بوجود عوالم قابلة للحياة خارج نظامنا الشمسي.
قال عالم الفلك في University College London أنجيلوس تسياراس Angelos Tsiaras، والكاتب المساعد في إحدى الدراستين خلال مؤتمر صحفي: «هذا هو الكوكب الوحيد حتى الآن الذي نعرفه خارج مجرتنا والذي يمتلك الحرارة المناسبة ليدعم وجود الماء ويمتلك غلافًا جويًا ويمتلك ماءً داخله، ما يجعل هذا الكوكب أفضل المرشحين الذين نعرفهم حتى الآن لاستضافة الحياة».
رؤية النور:
حقق علم الفلك خلال خلال العقدين الماضيين ثورةً، فقد فهرس العلماء منذ أول رصد للكواكب خارج مجموعتنا الشمسية عام 1992 آلاف العوالم الغريبة التي تدور حول نجوم بعيدة، والتي يظهر بعضها علامات امتلاك غلاف جوي.
رصد علماء الفلك علامات وجود بخار الماء في الغلاف الجوي لعدد قليل من هذه الكواكب، ولكن قبل ذلك الكواكب التي كان وجود الماء عليها أكيدًا كانت غير قابلة لاستضافة الحياة بشكلها الذي نعرفه، فعلى سبيل المثال، عام 2018 أعلنت وكالة ناسا اكتشاف بخار الماء في الغلاف الجوي للكوكب WASP-39b، وهو كوكب ضخم يقارب حجمه حجم زحل وتبلغ حرارة جانبه المواجه لنجمه 777 درجة مئوية.
أمل العلماء أن يرصدوا بخار الماء في الغلاف الجوي لكوكب أكثر شبهًا بالكرة الأرضية، خاصة كوكبًا يقع في المنطقة القابلة للحياة لنجمه، ولكن هذه العوالم صغيرة نسبيًا ما يجعل رصد غلافها الجوي صعبًا جدًا، فكلما كبر حجم الكوكب كان من الأسهل رصده، لذا يركز العلماء جهودهم على الكرات الأرضية العملاقة وهي كواكب لها كتلة تساوي عشرة أضعاف كتلة كوكبنا ما يعني أنه من الممكن أن تحوي أيضًا سطوحًا صخرية.
طلب عالم الفلك في جامعة مونتريال University of Montréal بيورن بينيكي Björn Benneke -ليختبر الكوكب K2-18b- استخدام مرصد هابل ليشاهد هذه الأرض العملاقة تعبر من أمام نجمها، الأمر الذي يحدث كل 33 يومًا.
يُشع ضوء النجم عبر الغلاف الجوي للكوكب K2-18b عند كل عبور، ولكن لا يعبر ضوء النجم كله من خلاله، لأن المركبات الكيميائية في الغلاف الجوي تمتص الضوء بترددات مختلفة. يمتص الماء بشكل خاص الأشعة تحت الحمراء القريبة وذات أطوال أمواج معينة، مشكلًا إشارة مرئية لوجود بخار الماء.
استخدم فريق العالم بينيكي مرصد هابل لمتابعة الكوكب K2-18b خلال تسعة عبورات بين عامي 2015 و2018، عندما جمعوا قواعد بيانات العبورات ورتبوها، وجدوا دليلًا على وجود بخار الماء. نشر بينيكي وفريقه نسخة عن دراستهم على arXiv ، وهو أرشيف لمسودات الأوراق العلمية.
احتمال هطول أمطار (وجود الماء )
استخدم -بشكل منفصل- فريق في كلية لندن الجامعية بقيادة تسياراس Tsiaras و إنغو والدمان Ingo waldmann نفس البيانات من مرصد هابل لإجراء تحليل للبيانات بأنفسهم، والذي يظهر اليوم في دورية Nature Astronomy. كما فعل فريق بينيكي، وجدوا دليلًا على وجود بخار الماء في الغلاف الجوي للكوكب K2-18b. يقول تسياراس ووالدمان في ورقتهما البحثية أنه إحصائيًا، توجد احتمالية واحد من 3000 أن تكون النتائج مجرد ضربة حظ.
من الممكن، بالإضافة لدعم البحث عن كواكب خارج نظامنا الشمسي داعمة للحياة، أن يفتح هذا الاكتشاف الباب لفهم المناخ الفضائي، إذ يشير فريق بينيكي إلى أن الظروف الموجودة في الغلاف الجوي للكوكب K2-18b يمكن أن تسمح لقطيرات الماء السائلة بالتشكل، وحتى المطر، فقد وُجدت غيوم بخار الماء من قبل في الأقزام البنية وهي أجسام ضخمة تتأرجح بين كونها نجومًا وكواكب.
سيكون الكوكب K2-18b أول كوكب من المؤكد أنه يمتلك غيوم من بخار الماء في حال صمدت النتائج.
يقول كلا فريقي البحث أن الدراسات تجعل الكوكب K2-18b هدفًا مثاليًا للمهام المتتابعة، متضمنةً تلسكوب جيمس ويب للفضاء James Webb Space telescope القادم لوكالة ناسا وتلسكوب ARIEL الفضائي القادم التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.
ستكون هذه التلسكوبات -عكس هابل- قادرة على رصد الغازات الأخرى الموجودة في الغلاف الجوي، مثل الميثان، والأمونيا، وثاني أكسيد الكربون ومن الممكن حتى رصد دلائل كيميائية على وجود الحياة.
اقرأ أيضًا: اكتشاف واحد من أقرب الكواكب وأكثرها شبهًا بالأرض
ترجمة مصطفى عيد – تدقيق علي قاسم – مراجعة جعفر الجزيري