ظننا لأكثر من عقد من الزمن وجود ماء على سطح القمر بفضل اكتشافات اعتمدت على مجموعة من الأطوال الموجية في عام 2009. أما هذه المرة -ولأول مرة- فالاكتشاف لا ريب فيه استنادًا إلى أطوال موجية فريدة خاصة بالماء.
كانت استنتاجات الأبحاث في عام 2009 على ما يبدو موضع رهان، فقد نشأ الغموض نتيجةً لتلك الاكتشافات التي تمت في نطاق ثلاثة ميكرومترات من الأشعة تحت الحمراء. وُجِد احتمالان عند هذا الطول الموجي، إما أن ما اكتشفه العلماء هو ماء أو مركب آخر من مركبات الهيدروكسيل التي تضم كلًا من الهيدروجين والأكسجين.
قرر فريق من العلماء بقيادة الفلكي كاسي هونيبال من مركز غودارد لرحلات الفضاء الاستفادة من الطول الموجي في نطاق ستة ميكرومترات لتأكيد تلك الاستنتاجات أو رفضها. وبالفعل عرضت الأطوال الموجية في نطاق ستة ميكرومترات الخط الذي لا ينشأ إلا بين ذرتي هيدروجين وأخرى من الأكسجين، ويطلق عليها اهتزاز جزيء H-O-H.
يُعد الاكتشاف الواضح ضمن عرض نطاق ستة ميكرومترات أمرًا مُحيرًا بسبب الحاجة إلى استخدام مرصد الستراتوسفير للأشعة الحمراء (صوفيا)، وهو مرصد خاص محمول على طائرة تحلق فوق الغلاف الجوي للأرض.
أخبر هونيبال موقع ScienceAlert: «يُعد مرصد صوفيا في الوقت الراهن المرصد الوحيد الذي باستطاعته القيام بعمليات رصد كتلك» وأضاف: «لا تمتلك المركبات الفضائية القمرية الأدوات اللازمة للقياس في نطاق ستة ميكرومترات، إضافةً إلى تعذر القيام بذلك من المراصد المثبتة في الأرض بسبب حجب غلاف الأرض الضوء ذا الطول الموجي 6 ميكرون.
بينما يُمكن مرصد صوفيا التحليق فوق ما يقارب 99.9% من بخار كوكب الأرض، ما يسمح بمرور الأطوال الموجية في نطاق ستة ميكرومترات في المرصد ومراقبتها، ولحسن الحظ يمكن لأداة صوفيا فوركاست القياس في نطاق ستة ميكرومترات إضافةً إلى مراقبة واستكشاف القمر».
درس الفريق المنطقة التي رصدت فيها الأطوال الموجية في نطاق 3 ميكرومترات منها بعناية بفضل الأداة صوفيا فوركاست في المرصد، ووجد الفريق ضالتهم في دوائر العرض الجنوبية المرتفعة حول القطب الجنوبي، وتمنوا أن يكون ما وجدوه هو الإشعاع الفريد لاهتزاز جزيء H-O-H.
وفقًا للاكتشافات الأخيرة وبالتوافق مع الاكتشافات ضمن 3 ميكرومترات والمُقاسة بجهاز تحديد المعادن على القمر (Moon Mineralogy Mapper) يُقدِّر الفريق وفرة الماء بما يُقارب 100 إلى 400 جزء من المليون.
لم يجد الفريق بحيرات من الماء السائل على سطح القمر وبالطبع ستتسامى أي مياه متجمدة على السطح عند مرور أشعة الشمس عليها، لكن يوجد العديد من الطرق يمكن بها إيواء الماء على سطح القمر.
قال هونيبال: «نظن أنَّ الماء يوجد في الزجاج» وأضاف: «تنصهر بعض من مادة سطح القمر عند تأثرها بنيزك صغير وتبرد بسرعة ثم تتحول إلى زجاج، سيعلق بعض الماء في تركيب الزجاج إن وُجِد الماء خلال تكونه أو وصل إلى الزجاج في أثناء التأثير».
وفقًا لورقة بحثية منفصلة بقيادة الفلكي بول هاين من جامعة كولورادو بولدر، اكتشف العلماء احتمالًا آخر لوجود الماء، فقد اكتشف الفريق مناطق من الظل الدائم في الحفر القطبية، إضافةً إلى أن ضوء الشمس لا يمر بحافة فوهات البراكين المرتفعة في مناطق دوائر العرض المرتفعة.
لا تصل درجة الحرارة في المناطق المذكورة أعلى مما يُقارب -163 درجة مئوية وتسمح بذلك بوجود حفر باردة قادرة على إيواء بقع مخفية من الماء المتجمد.
بحسب هاين وزملائه واستنادًا إلى البيانات من مستكشف القمر المداري التابع لناسا فهناك احتمالية وجود 40000 كم مربع من الظلال الدائمة على السطح إضافةً إلى 60% منها في القطب الجنوبي.
قال هاين: «درجة حرارة تلك الحفر منخفضة جدًا لدرجة أن الثلج سيبدو مثل الصخور، فإن علق فيها الماء فسيستغرق ملايين السنين ليتسامى».
لكلا الورقتين البحثيتين تأثيرات ضرورية جدًا مرتبطة بمستقبل مهمات القمر. على سبيل المثال لا الحصر، تخطط ناسا لبناء قاعدة على سطح القمر كجزء من برنامج أرتميس؛ يمكن لسكان القمر الاستفادة من أي كمية من الماء بالقرب منهم إن وجدت للشرب، أو زراعة المحاصيل أو حتى فصل الماء لاستخدام الهيدروجين لوقود الصواريخ.
ما ينقصنا هو صورة أوضح لمكان تواجد الماء وكميته هناك. يقدم لنا عمل هاين وفريقه المكان الذي سننقب فيه عن الماء، ويساعدنا عمل هونيبال وفريقه في فهم كيفية إتمام ذلك، كل ما يلزمنا هو وقت لاستخدام المرصد.
قال هونيبال: «حصلنا على موافقة استخدام صوفيا لساعتين إضافيتين ونحاول الآن الحصول على 72 ساعة إضافية»، وأضاف: «سنتمكن من معرفة سلوك الماء على سطح القمر ومعرفة مصدره وأين يقع وإن كان يتحرك بحرية على السطح بمزيد من عمليات الرصد».
نشرت الورقتان في دورية Nature Astronomy.
اقرأ أيضًا:
تأكيد وجود الماء على سطح القمر
من وجهة نظر أخرى، ربما يكون الماء على القمر متجمد وواسع الانتشار
ترجمة: حازم أبو العمرين
تدقيق: روان أبوزيد