تعد بيئة العمل الصحية والآمنة من الأسس الضرورية لنجاح أي مؤسسة. ومع تزايد الضغوطات والتحديات في عالمنا المعاصر، تتزايد الحاجة إلى آليات فعالة لرصد المشكلات ومعالجتها. لهذا السبب، بدأت الشركات بتبني وسائل جديدة تعزز بيئة العمل، ومن بين هذه الوسائل تأتي تقارير الإبلاغ الإلكترونية التي تهدف إلى الحد من السلوكيات السلبية التي قد تؤثر في الأداء والروح المعنوية للموظفين.

في هذا السياق، أطلقت شركة Hogan Lovells القانونية أداة مبتكرة تهدف إلى تحسين العلاقات داخل بيئة العمل. تتيح هذه الأداة للموظفين الإبلاغ عن السلوكيات غير المقبولة، التي قد تتراوح بين استحواذ أحد الزملاء على إنجازات الآخرين، إلى التعاملات المبنية على التمييز المتعلق بالعمر أو الجنس أو العرق، وذلك عبر منصة إلكترونية تسهل عليهم التعبير عن مخاوفهم بطريقة غير مباشرة. وقد جاءت هذه الخطوة بعد ملاحظة الشركة وجود تردد في التبليغ عن الحوادث البسيطة، علمًا أن هذه الحوادث قد تسهم كثيرًا في شعور بعض الموظفين بالتهميش والاستبعاد.

ومع إن الفوائد المحتملة لهذه الأداة كثيرة، فهي لم تسلم من الانتقادات. فقد أعرب بعض المراقبين عن قلقهم من أن هذه الآلية قد تؤدي إلى مراقبة الموظفين وإثارة ثقافة الخوف داخل بيئة العمل. لكن روزي تيرنر أحد مؤسسي شركة InChorus التي تدير هذه المنصة ترى أن الأداة تمثل جهاز إنذار يساعد على الكشف عن المشكلات قبل أن تتفاقم. مشيرةً إلى أن استخدام هذه الأداة ليس لمراقبة السلوكيات، بل لفهم النقاط التي قد تؤدي إلى الاحتكاك بين الزملاء.

إن الميزة الأساسية لهذه المنصة تكمن في أن الإبلاغ يتم بشكل مجهول، ما يمنع توجيه اللوم إلى أفراد محددين، ويقلل من احتمالية إساءة استخدام الأداة.

ومن بين السلوكيات التي يمكن الإبلاغ عنها عبر هذه المنصة، نجد الافتراضات السلبية حول كفاءة الزملاء الأكبر سنًا في التعامل مع التكنولوجيا، أو ممارسات التنمر والاستهزاء.

بعد مقتل جورج فلويد عام 2020، ازدادت جهود الشركات لتعزيز التنوع والشمولية في أماكن العمل. لكن مع قرار المحكمة العليا الأمريكية في يونيو 2024 الذي قضى ضد سياسات القبول الجامعية المبنية على العرق، تعرضت هذه المبادرات لهجوم من شخصيات بارزة مثل إيلون ماسك والملياردير بيل أكمان.

أما في المملكة المتحدة، فستدخل قوانين حماية العمال في بيئة العمل الجديدة حيز التنفيذ في أكتوبر 2024، ما يُلزم أصحاب العمل باتخاذ خطوات معقولة لمنع السلوكيات الضارة. وقد بدأت بعض الشركات بالفعل بتحديث سياساتها وتقديم برامج تدريبية للمديرين استجابة لهذه التغييرات.

تؤكد تيرنر أن الحوار المباشر بين الموظفين هو الأمثل لحل المشكلات، لكنها تشير أيضًا إلى أن اختلاف تدرجات السلطة في بيئة العمل قد تجعل من الصعب على الموظفين الشعور بالأمان عند التحدث وجهًا لوجه. ومن هنا تأتي أهمية هذه الأدوات بوصفها وسيلة لجمع البيانات وفهم التحديات التي تواجه بيئة العمل، ما يساعد على تحديد نقاط الاحتكاك بين الزملاء وتعزيز التدريب المطلوب. وقد أشار ديفيد دي سوزا، المدير المهني في CIPD، إلى أن منصات الإبلاغ قد تساهم في تحسين الفهم داخل المنظمة، لكنها قد تخاطر بخلق ثقافة الإبلاغ بدلًا من التشجيع على الحوار المباشر بين الزملاء.

أما إيثان بوريس، أستاذ الإدارة بجامعة تكساس في أوستن، فقد حذر من أن هذه القنوات قد تُفسر على أنها إشارة لعدم القدرة على التحدث وجهًا لوجه، ما يعزز من ثقافة الخوف في بيئة العمل. يرى بوريس أن الأنظمة المجهولة لها دور مهم في حماية هوية الموظفين، لكنها تحد في الوقت نفسه من قدرة القادة على التعامل بفعالية مع المشكلات. ومن هنا، يؤكد على ضرورة استكمال هذه الأنظمة بوسائل أخرى للاستماع إلى الموظفين مباشرةً.

في النهاية، يظل النجاح الحقيقي لهذه الأدوات مرهونًا بمدى استجابة أصحاب العمل لما يتلقونه من تقارير، فالتقارير وحدها ليست كافية. الأهم هو اتخاذ إجراءات ملموسة لتحسين بيئة العمل وضمان أن تكون هذه الأدوات جزءًا من منظومة أوسع تعزز الشفافية والتواصل بين الموظفين. وبهذا يمكن خلق بيئة عمل صحية يشعر فيها الجميع بالأمان والاحترام، ما ينعكس إيجابًا على الأداء العام للمؤسسة.

اقرأ أيضًا:

كيف أصبحت مكانة أبل في سوق الذكاء الاصطناعي؟

مخاطر تهدد استقلالية البنوك المركزية

ترجمة: دياب حوري

تدقيق: جنى الغضبان

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر