يندهش معظم الناس عندما يعرفون أنه يمكنهم تخزين ما يعادل مساحة مئات الأقراص المضغوطة من الموسيقى على حاسوب محمول صغير سماكته وحجمه صغيران للغاية. والفضل هنا يعود في معظم الحالات لما يعرف باسم “القرص الصلب” وهي تقنية تخزين ظهرت منذ أكثر من نصف قرن ولا تزال المفضلة للتخزين ذي المساحات الكبيرة.
إن المعالج الصغير الموجود بحاسوبك هو ذلك العقل الذي يفكر وينفذ كل العمليات، أما القرص الصلب فهو ذلك الذي يمثل الذاكرة غير العادية لحاسوبك ويتيح لك تخزين هذه المعلومات الرقمية كالصور والموسيقى والفيديو والمستندات النصية. لذا دعونا نُلقي نظرة عن كثب على آلية عمل القرص الصلب.
كيف تُخزن المعلومات عن طريق المغنطة؟
علم المغنطة معقد، ولكن إذا كان لديك مغناطيس وبدأت بتمريره فوق مجموعة من المسامير فستنجذب إليه ويمكنك أن تمغنط هذه المسامير فينجذب أحدها إلى الآخر وبالتالي يمكن أن تستطيع فهم آلية عمل المغنطة.
للمغنطة استعمالات حياتية: فمثلاً، يمكن استخدامها في أماكن تجميع الخردة حيث يُستعمل المغناطيس الكهربائي ،وهو مغناطيس عملاق يتم تشغيله وإيقافه عن طريق الكهرباء، وذلك لتجميع قطع كبيرة من الخردة المعدنية وتحريكها.
وللمغنطة استعمالات أخرى مهمة جدًا فعلى سبيل المثال: نفترض أنك تريد ترك رسالة لصديق وكل ما لديك هو مغناطيس ومسمار معدني غير ممغنط، ولنفترض أيضًا أن هذه الرسالة بسيطة جدًا فإما إنك تريد رؤية صديقك في ذلك اليوم أولا، يمكنك أن ترتب اتفاقًا معه بأنك ستضع مسمارًا في صندوق بريده فإذا كان المسمار ممغنطًا فهذا يعني أنك ستراه لاحقًا في ذلك اليوم، وإذا لم يكن ممغنطًا فهذا يعني أنك لن تراه.
سيعود صديقك من العمل ليجد المسمار ويأخذه ثم يحضر دبوس الورق فإذا انجذب فذلك حتمًا يعني أنك تريد رؤيته.
إنها طريقة غريبة فعلاً لترك رسالة، لكنها توضح أمرًا مهماً للغاية وهو أنه يمكنك تخزين المعلومات عن طريق المغنطة.
إذا كان لديك قرص صلب بسعة تخزين 20 جيجا بايت فهذا يشبه صندوق يحتوي على 160 بليون مسمار معدني صغير أو مجهري، كل واحد منهم يستطيع تخزين معلومة صغيرة تسمى(بِت).
البت هو نظام العد الثنائي إما 0 أو1، المعلومات فيه لا تخزن بشكل رقم عشري.
فمثلا العدد العشري 382 يُخزن بنظام العد الثنائي بهذا الشكل: 101111110، كذلك الأحرف والرموز تُخزن بنظام العد الثنائي.
وتخزن أجهزة الحاسوب الحرف A كرقم عشري 65 أو1000001 بنظام العد الثنائي، أما إذا أردت تخزين الرقم 1000001 فعليك أن تجد صف شاغر من 7 مسامير تعرض الأول للمغنطة فيصبح 1، وتترك 5 مسامير بدون مغنطة لتكون 0، وتعرض الأخير للمغنطة فيصبح 1 أيضًا.
كيف يعمل القرص الصلب؟
ليس هناك في القرص الصلب داخل جهاز الحاسوب أي مسامير حديدية، بل هناك لوح دائري كبير من المواد المغناطيسية مقسم إلى مليارات القطاعات الصغيرة جدًا، كل واحد من هذه القطاعات يمكن أن يكون ممغنط للتخزين ك1، أو غير ممغنط للتخزين ك0 وتُستعمل المغنطة هنا للتخزين لكونها تبقى على حالها حتى بعد إيقاف تشغيل جهاز الحاسوب.
ما أجزاء القرص الصلب؟
للقرص الصلب عدة أجزاء أساسية، وفيها عادة ما يوجد لوح أو أكثر حيث تُخزن المعلومات مغنطيسيًا، وذراع آلي يحمل في نهايته مغناطيس صغير ومهمته المرور على اللوح ليسجل المعلومات أو يخزنها ، ودائرة كهربائية لتتحكم بكل شيء وتعمل بمثابة صلة وصل بين القرص الصلب وباقي أجزاء جهاز الحاسوب.
وإذا أخذنا نظرة أكثر قربًا سنجد ما يلي:
محرك صغير مخصص للذراع الآلية. في الأقراص الصلبة القديمة كانت تستعمل المحركات السيارة واستبدلت اليوم باللفائف الصوتية لأنها أكثر دقة وسرعة في توجيه الذراع الآلية وأقل حساسية للعوامل الخارجية مثل درجة الحرارة.
- ذراع القراءة والكتابة والتي تحرك رأس القراءة والكتابة عبر اللوح.
- محور دوران مركزي يسمح باستدارة اللوح بسرعة عالية.
- لوح مغناطيسي لتخزين المعلومات بنظام العد الثنائي.
- قوابس وكابلات كهربائية تصل القرص الصلب بالدائرة الكهربائية.
- الرأس وهو مغناطيس صغير مثبت بنهاية الذراع.
- الدائرة الكهربائية في الجانب السفلي التي تسيطر على تدفق البيانات من اللوح وإليه.
- كابل مرن يحمل البيانات من الدائرة إلى رأس القراءة والكتابة واللوح.
- محور صغير يسمح للذراع بالتحرك عبر اللوح.
الألواح هي أهم أجزاء القرص الصلب، وكما هو واضح من اسمه فهو قرص مصنوع من مادة صلبة كالزجاج أو الألومنيوم مغلف بطبقة رقيقة من المعدن يمكن أن تكون ممغنطة أو غير ممغنطة.
عادة يحتوي القرص الصلب الصغير على لوح واحد على جانبيه غلاف مغناطيسي.
أما الأقراص الصلبة الأكبر تحتوي على سلسلة من الألواح مثبتة على محور دوران مركزي وبينها فراغات صغيرة.
تدور هذه الألواح نحو10,000 دورة في الدقيقة مما يسمح لرؤوس القراءة والكتابة بالدخول إلى أي جزء منها.
يوجد رأسآن لكل لوح: الأول للوجه العلوي والثاني للسفلي، وبناء على ذلك فإن القرص الذي يحوي 5 ألواح فهو بحاجة إلى10 رؤوس: كل رأس مثبت على ذراع تتحرك من منتصف اللوح إلى أجزائه الخارجية جيئة وذهابًا، ومن أجل سلامة اللوح فهي لا تلامسه بشكل مباشر بل تبقى بعيدة عنه لمسافة محددة.
طريقة قراءة البيانات وكتابتها على القرص الصلب
إن أهم شيء بخصوص الذاكرة لا يكمن بقدرتها على تخزين المعلومات بل قدرتها على استعادة هذه المعلومات لاحقًا، تخيل أنك تضع مسمارًا ممغنطًا واحدًا بين 1.6 تريليون مسمار مطابق له والآن تخيل كم سيواجه جهاز الحاسوب صعوبة بدون طريقة أو منهجية للتعامل مع كل هذه البيانات.
عندما يخزن جهاز الحاسوب المعلومات على القرص الصلب فإن هذا لا يعني مجرد إلقاء المسمار داخل الصندوق المليء بالمسامير المتجانبة، فالبيانات تُخزن وفق نمط منتظم على كل لوح وتُرتب أجزاء البيانات في خطوط دائرية موحدة المركز تسمى المسارات: كل مسار مقسم لأجزاء أصغر تسمى قطاعات.
يحتوي القرص الصلب على خريطة للقطاعات المستعملة والفارغة، في نظام ويندوز تسمى هذه الخريطة جدول تخصيص الملفات (FAT).
عندما يريد الحاسوب تخزين معلومات جديدة فإنه يلقي نظرة على الخريطة للعثور على بعض القطاعات الحرة، ثم يوجه رأس القراءة والكتابة للانتقال عبر اللوح إلى المكان الصحيح بالضبط لقراءة البيانات وتخزينها فيه.
كيف يتعامل جهاز الحاسوب مع هذه الآلية الميكانيكية الدقيقة في القرص الصلب؟
هناك واجهة (قطعة ربط المعدات) بينهم وتسمى وحدة التحكم، وهي دائرة صغيرة تتحكم بكل هذه المحركات وتختار مسارات محددة للقراءة والكتابة وتحول تيارات متوازية من البيانات إلى تيارات متسلسلة؛ لكي تُكتب إلى القرص الصلب، وبالعكس في حالة القراءة.
وحدات التحكم إما أن تكون في لوح دائرة القرص الصلب نفسه أو أن تكون جزءًا من اللوح الرئيسي للحاسب (اللوحة الأم).
وبوجود كم هائل من البيانات والمخزن على مساحة صغيرة، فالقرص الصلب يمكن اعتباره عمل هندسي رائع له العديد من الفوائد منها: أنه يمكنك من تخزين ما يعادل مساحة 500 قرص مضغوط على قرص صلب واحد بحجم راحة اليد.
ولكن إذا قررت الاحتفاظ بالبيانات على القرص الصلب فإنه قد تكون هناك عوائق تمنعك لأن قرصك الصلب يمكن أن يتعرض لخطأ أو يتلف إذا اتسخ لأن ذرة غبار صغيرة واحدة يمكن أن تسبب خطأ في حركة الذراع، ويتبع ذلك إلحاق الضرر باللوح والمواد المغناطيسية.
وفي بعض الأحيان يلحق الضرر بكل المعلومات المخزنة وعادة ما يحدث هذا النوع من تحطم القرص الصلب بدون سابق إنذار، لهذا السبب يجب عليك دائمًا الاحتفاظ بنسخ احتياطية من المستندات والملفات الهامة الخاصة بك إما على قرص صلب آخر، أو على قرص مضغوط، أو على ذاكرة فلاش.
من اخترع القرص الصلب؟
طور رينولد ب. جونسوناند القرص الصلب الأول في 4 سبتمبر 1956، ومثل العديد من ابتكارات القرن العشرين، اخُترعت محركات الأقراص الصلبة في شركة IBM كوسيلة لتزويد أجهزة الحاسوب بذاكرة الوصول العشوائي والتي يمكن الوصول إليها بسرعة.
تكمن المشكلة في أجهزة الذاكرة الأخرى هو أنه يمكن الوصول إليها بشكل متسلسل فقط (من البداية إلى النهاية)، وبتلك الطريقة إذا كانت البيانات التي تريد استرجاعها موجودة في منتصف الذاكرة عليك البحث في كامل مساحة الذاكرة وهي عملية بطيئة جدًا.
وهنا تكمن ميزة الأقراص الصلبة التي تمكنك من البحث في أي جزء منه بنفس السرعة.
- ترجمة: أسامة ونوس.
- تدقيق: منة الله عيد.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر