من المُتوقَّع أن ضرب المنقار في جذع شجرة بعنف ينتج عنه صداع وآلام في الفك وإصابات بالغة في الرأس والرقبة، لكن نقار الخشب يستطيع فعل ذلك 20 مرة في الثانية دون أن يعاني شيئًا.
يعيش نقّار الخشب في الغابات حول العالم عدا أستراليا، ويتميز بقدرته غير العادية على استخدام منقاره للحفر في جذوع الأشجار وعمل فتحات لاستخراج الحشرات والعصارة، وما يجعله أكثر تميزًا هو قدرته على فعل ذلك دون أن يؤذي نفسه.
يرى العلماء أن دراسة تركيب الجمجمة وعظم اللسان لدى نقار الخشب قد يساعد على تطوير معدات لحماية رأس الإنسان.
الارتجاج في الإنسان
يتحمل رأس نقار الخشب العديد من الصدمات القوية حين ينقر، إذ يمتلك ريشًا قويًّا بالذيل ومخالب تساعده على المحافظة على توازنه، ويتحرك رأسه تجاه جذع الشجرة بسرعة 7 أمتار في الثانية، وعندما يضرب المنقار تتباطأ الرأس بنحو 1200 ضعف قوة الجاذبية (1200 g.). كل ذلك دون تعرض نقّار الخشب لارتجاج دائم أو ضرر في المخ.
الارتجاج concussion هو من صور إصابات الدماغ الرضِّية الناتجة عن الضربات المتكررة للرأس، وينتشر حدوثه في رياضات الاحتكاك مثل كرة القدم والهوكي. قد ينتج عن تكرر إصابات الدماغ الرضية اضطراب دماغي متزايد مثل اعتلال الصدمة الدماغية المزمنCTE ، وهو اعتلال لا يمكن عكسه، ويسبب أعراضًا مثل فقدان الذاكرة والاكتئاب والاندفاع والعدوانية والسلوك الانتحاري.
يعرف ممارسو كرة القدم أن الارتجاج يحدث عند80 g. ، فكيف يتحمل نقار الخشب الضربات المتكررة التي تبلغ شدتها1200 g. ؟
بحث العلماء سر قدرة نقّار الخشب على التحمل في أثناء النقر، فدرسوا التركيب الدقيق للعظام وحللوا الرأس حيويًّا وميكانيكيًّا.
التركيب المميز لعظام الرأس واللسان
بمقارنة جمجمة نقار الخشب بجمجمة الدجاجة، اتضح أن لديه وسائل تكيف ممتصة للصدمات تميزه عن باقي الطيور، وتتضمن عظام الجمجمة وعضلات الرقبة والمنقار وعظام اللسان.
إن عظام جمجمة نقار الخشب لها تركيب كيميائي مختلف وكثافة مختلفة، مثلًا فإن إحدى وسائل التكيف التركيبية تحدث من طريق زيادة تراكم المعادن في العظام، ما يجعلها أصلب وأمتن مقارنةً بغيره من الطيور.
أيضًا فإن عظام الجمجمة نحيلة جدًّا مع كمية أقل من السائل الذي يفصل الدماغ عن عظام الجمجمة مقارنةً بغيره من الطيور والحيوانات، ما يجعل الجمجمة أصلب وأمتن. عادةً يصعب أن تجتمع الصلابة والمتانة معًا، وتفتقر المادة المتسمة بإحدى الصفتين إلى الأخرى، لكن وجود الصفتين معًا يقلل من تأثير الصدمات على الدماغ.
الاختلاف الثاني أن نقار الخشب لديه سائل أقل يحيط بالدماغ مقارنةً بالحيوانات الأكبر، ما يساعد على تقليل اهتزاز المخ في أثناء النقر. يشبه هذا السائل صفار بيضة مسلوقة، ما يساعد على حماية الدماغ أكثر مما سيفعل صفار بيضة نيئة.
يمتلك نقار الخشب عظامًا مرتبطة باللسان لمساعدته على استخراج الحشرات من الأشجار، ويلتف هذا اللسان المميز حول مؤخرة الجمجمة ويُثبَّت في الأمام بين العينين، ما يجعله يعمل كزنبرك يقلل الجهد البدني والاهتزاز.
نوع مختلف من العظام
ترجع قوة العظام الهيكلية الاعتيادية وصلابتها إلى وجود غلاف كثيف من العظم المضغوط يغلف عظامًا لينة مسامية. لكن لسان نقّار الخشب لديه تركيب معاكس فهو يتكون من غلاف مرن يحيط بقلب قوي، ما يحقق مرونةً أفضل ويساعد على امتصاص الصدمات والاهتزازات.
يُعَد التركيب غير الاعتيادي لعظام الجمجمة واللسان مثالًا للتركيبات المقاومة للصدمات، وهي ضرورية لحماية دماغ نقار الخشب في أثناء النقر.
يعمل حاليًا علماء الأحياء والأعصاب على دراسة دماغ نقار الخشب لتحري وجود آثار إصابات دماغية مثل اعتلال الصدمة الدماغية المزمن في الإنسان. وقد تُبين لنا الأبحاث أيضًا آليات الحماية والشفاء على مستوى الخلايا والأنسجة في دماغ نقار الخشب، ما قد يساعدنا على حماية دماغ الإنسان من الإصابات.
اقرأ أيضًا:
اكتشاف ثلاثة أنواع لنفس الطائر في ظاهرة لم يشهدها العلماء من قبل
لماذا لا يصاب نقار الخشب ب الصداع ؟
ترجمة: آية مصطفى
تدقيق: محمد نجيب العباسي
مراجعة: أكرم محيي الدين