يلعب النوم دورًا أساسيًا وهامًا في حياة البشر، ومن ذلك فإنَ سوء نوعيته، وقِلة فترته الزمنية، تؤثر سلبًا على صحة الجسم، والعقل، إضافةً إلى تأثيره على التعلم، والتذكر، والإنجازات المدرسية بالنسبة للأطفال.
لا يمكن تجاهل حقيقة أنَ قرابة 30% من البالغين يعانون من اضطرابات النوم، فيما يعد أشهرها الأرق (Insomnia)، وهو اضطرابٌ خاصٌ بالنوم، يتصف بصعوبة القدرة على النوم، أو الاستمرار فيه، أو عدم الحصول على نومٍ مريحٍ خلال الليل، أو النهوض مبكرًا على غير المعتاد.
لكن ما علاقة هذه الاضطرابات بنوم الأطفال، وكيف تُؤثر سلبًا على جودة نومهم؟
نشرت كلٌ من جامعتي (University of Warwick )، و (University of Basel)، دراسةً حديثةً، تشير إلى تأثُرِ جودة نوم الأطفال الذين تعاني أمهاتهم من أعراض الأرق، وعلاماته بشكلٍ سلبيٍ، مما يؤثر على نموهم، وتطورهم العقلي.
ترأس هذه الدراسة كل من الدكتور (ساكاري ليمولا- Sakari Lemola)، والدكتورة (ناتالي -Natalie Urfer-Maurer)، من الجامعتين السابقتين على الترتيب، وقد أشارت إلى أن أطفال الأمهات اللاتي لديهن معاناةً من الأرق وعلاماته، ينامون متأخرًا، وبفترة أقل، ولا يغِطون في نومٍ عميق لوقت كافٍ.
وبتحليل البيانات التي جُمِعَت من 200 طفلًا سليمًا تتراوح أعمارهم بين الـ 7-12 سنة وأبويهم، درس الباحثون العلاقة بين الأبوين المصابين بأعراض الأرق، وجودة نوم أطفالهم، إذ تم تقييم نوم الأطفال خلال الليل بواسطة جهاز تخطيط أمواج الدماغ (EEG)، وهو جهازٌ يستخدم لتسجيل النشاط الكهربائي للدماغ، بشكلٍ يسمح إمكانية تحديد مراحل النوم المختلفة، وفيما تم سؤال كِلا الوالدين عن مشكلة الأرق الخاصة بهم، وعن مشاكل النوم التي تواجه أطفالهم، كانت النتائج مؤكدةً لما ذُكِر في الأعلى.
والمثير في الأمر، هو عدم وجود أي علاقة بين مشاكل النوم لدى الآباء، وارتباطها بنوم الأطفال.
لكن لماذا تأثَر نوم الأطفال بمشاكل نوم أمهاتهم لا آبائهم؟
تفسر الدراسة ذلك، بأن الأمهات يقضين وقتًا أطول مع أطفالهن مقارنة بالآباء، مما يُرجح وجود تأثيرٍ متبادلٍ قوي بين الطرفين، ويوضح الدكتور ساكاري أهمية هذه النتائج قائلًا: ” هذه النتائج مهمةً جدًا؛ لأنَ النوم الجيد في مرحلة الطفولة، متطلبٌ ضروريٌ لنمو وتطور الطفل، وتكمن أهميتها هنا بضرورة مراعاة الجانب الأسري عند الحديث عن نوم الطفل، خاصةً نوم الأمهات، ودوره في تحديد جودة نوم أطفالهم الذين يذهبون إلى المدرسة”.
ما علاقة نوم الطرفين ببعضهما؟
هناك العديد من التفسيرات التي توضح سبب ارتباط جودة نوم الطفل بنوم والديه، أولها: هو إمكانية تعلم الطفل لعادات نومه عبر والديه، كما يمكن أن يؤثر سوء الترابط الأسري على جودة نوم كِلا الطرفين؛ فعلى سبيل المثال قد يعمل النزاع العائلي في وقت المساء وقبل النوم على حرمان جميع أفراد الأسرة من الحصول على نومٍ هادئٍ ومريحٍ!.
كذلك يمكن للأبوين الذين يعانيان من مشاكل النوم، أن يُظهرا ما يسمى بالانتباه الانتقائي (selective attention) لنفسيهما، أو لمشاكل نوم أطفالهما، مما يزيد من مراقبتهما لمرحلة النوم، ومحاولة التحكم به، ما يؤثر سلبًا على جودته ونوعيته.
وأخيرًا يمكن للوراثة أن تضع بصمتها، وذلك عن طريق بعض الجينات المورثة من الأبوين، والتي يحتمل أن تسهم في تعرض الأطفال لمشاكل النوم.
* نُشِر هذا البحث في مجلة طب النوم “Sleep Medicine” الرسمية التابعة للرابطة العالمية لطب النوم، والرابطة الدولية لطب الأطفال، وتُعنى هذه المجلة بالحديث عن النوم وما يرتبط به من علومٍ، كعلم الأعصاب، وعلم النفس، والطب الباطني، وغيرها من العلوم.
- ترجمة: سيرين خضر
- تدقيق: رجاء العطاونة
- تحرير: جورج موسى
- المصدر