كيف ومتى يحصل الإلتهام الذاتي لخلايا الثدي عند المرأة؟
ترتبط الأمومة بالعديد من التغييرات الجسديَّة الغريبة والرائعة والسريعة بشكل غير مريح، ويُعدُّ أهمها تحوُّل الثدييان من كُتل عادية من نسيج الثدي إلى مفارز للحليب تعمل طوال اليوم إلى حالتها الطبيعيَّة بسرعة كبيرة.
ويحصل هذا التغيير في الواقع خلال أيام معدودة مما جعل مهمة شرحه صعبة على علماء الأحياء.
ومع ذلك فهنالك دراسة جديدة تمتلك عدة أجوبة لأسئلتنا، فقد اكتشف العلماء أنَّ هنالك عمليَّة خلويَّة مسؤولة عن تحويل الثدي من مُفرز للحليب إلى آكل للحوم البشر.
ففي الظروف الأعتياديَّة تقوم خلايا تُدعى بالخلايا المُلتهمة بهضم الفضلات في الجسم مثل البكتيريا أو الإجسام الغريبة أو خلايا الدم الحمراء المُحتضرة أو الميتة وتقوم بتنظيف أي تراكم غير مرغوب فيه أو أي عدوى في الجسم.
لكن عندما تتوقَّف المرأة عن إنتاج حليب الثدي تقوم الخلايا الظهاريَّة والتي تُكوِّن أكياسًا صغيرة مُفرزة للحليب تُدعى بالحويصلات، بتدمير نفسها بأعدادٍ هائلة لإرجاع الثديين إلى حالتهما الأعتياديَّة، مما جعل العلماء في حيرة لمعرفة كيف بإمكان الخلايا المُلتهمة تنظيف كل ذلك بدون التسبُّب بأي ألم!
وقد شرحت (ليندا غيديس- (Linda Geddes لصحيفة «New Scientis»، بأنَّه في حالة كون الخلايا المُلتهمة هي المسؤولة الوحيدة عن تنظيف الكم الهائل من الخلايا الميتة وحليب الثدي المُتبقي عند نهاية الإرضاع، لسبَّب الأمر ازعاجًا كبيرًا للأمهات الجدد.
كما وصرَّحت غيديس: «يقوم جهاز الإنسان المناعي عادًة بإزالة جميع الخلايا الميتة والمُحتضرة بعملية تُدعى بـ «البلعمة»، لكن حجم المواد المُزالة كبير جدًا لدرجة أنَّنا توقَّعنا حصول إلتهاب أو ألم ملحوظ أو تلف في الأنسجة، وهذا ما لا نراه عند توقُّف الإرضاع«.
وقال (ماثيو نايلور- (Matthew Naylor وهو عالم سرطان بايولوجي من جامعة سيدني في استراليا وليس أحد المشاركين في هذا البحث موجهًا حديثه لتايلور غيديس: «إحدى الجوانب الأقل فهمًا في هذه العملية هي كيف بالإمكان التخلُّص من الخلايا الميتة وحليب الثدي المُتبقي من الغدد الثديية من غير وجود تفاعل كبير من الجهاز المناعي».
وقد قرَّر فريق بقيادة (نسرين أختار- (Nasreen Akhtar من جامعة شيفيلد في المملكة المُتَّحدة التحقيق في هذه المسألة. وقاموا بالفعل بانتقاء البروتين الذي قرروا التركيز عليه «Rac1»، والذي يلعب دورًا مهمًا في تكوين حليب الثدي وفي عملية البلعمة أيضًا. فقاموا بتزويج فئران غير قادرة على تكوين بروتين «Rac1» ومراقبة ما سيحصل عند إنجابهم لفئران جديدة.
وقد نجت أول مجموعة من الفئران الجديدة لكنها كانت أصغر بكثير من الحجم الطبيعي مع وفاة الفئران من الولادات اللاحقة.
وقد اكتشف الفريق أنَّ الخلايا الميتة والحليب المُتبقي في الثدي من الحمل الأول قد سدَّت نسيج الثدي مما سبَّب إلتهابًا وتورمًا شديدين إلى درجة عدم قدرة الأم على تكوين المزيد من الحليب لصغارها الجدد.
وقد أوضحت أختار بمؤتمر صحفي: »بدون هرمون Rac1 سيقوم الحليب المُتبقي والخلايا الميتة بغمر القنوات الرابطة للثدي مما سيُسبِّب إنتفاخًا و إلتهابًا مزمنًا وهذا ما سيؤدي إلى فشل القنوات المُتضخِّمة في التجدُّد وإعادة إنتاج الحليب في المستقبل».
وقد أُثبت لأول مرة أنَّ بروتين «Rac1» ليس أحد العناصر المشتركة في عملية البلعمة فقط بل إنَّ وجوده مهم جدًا لحدوثها.
كما تبيَّن أنَّ وجوده يُسهِّل عملية البلعمة في الخلايا الثديية ويُحافظ على الخلايا الظهاريَّة الميتة أو التي تحتضر معلقًة على الحويصلات، مما يدفعها إلى إلتهام بعضها البعض لمنع الجهاز المناعي من التدخل في العملية.
وقال (تشارلز ستريول- (Charles Streuli المشرف على البحث، لصحيفة
«New Scientists»: »كما يُسيَطر على الخلايا المُلتهمة للإلتهاب عن طريق إجبار الخلايا الظهاريَّة بإزالة نفسها بنفسها«.
ولا تمس أهمية هذا البحث الأمهات الحديثات فقط بل بإمكانه مساعدتنا في معرفة وزن الخلايا الميتة التي نطرحها سنويًا من أجسامنا.
وأوضحت أختار في اللقاء الصحفي: »لو كانت الخلايا المُلتهمة القادمة من الجهاز المناعي هي العنصر الخلوي الوحيد في تنظيف الخلايا الميتة لكانت أجسامنا تُعاني من الإلتهاب طوال الوقت، فمن المُرجَّح وجود الخلايا الظهاريَّة المُلتهمة في عدة أعضاء أخرى لأنَّ هذا النوع من الخلايا يُعدُّ جزءً أساسيًا من أجسامنا».
وقد يُساعدنا البحث أيضًا على معرفة سبب تحوُّل خلايا معينة إلى خلايا سرطانيَّة لأنَّ الخلايا التي تلتهم بعضها البعض في الحويصلات عند إنتهاء فترة الرضاعة هي نفس نوع الخلايا التي يتكوَّن منها 90% من السرطانات.
وتُعدُّ هذه الأخبار سارة للباحثين عن علاجات ضد السرطان مستندة على بروتين «Rac1».
وأضاف أختار: «توجد العديد من النسخ عن بروتين (Rac1) في عدة أنواع من السرطان منها سرطان الثدي، وتُعدُّ مثبطات البروتين علاجات ضد السرطان لكن بالنظر إلى أنَّ الإلتهاب المُزمن مرتبط بتقدُّم السرطان فقد أظهرت النتائج أنَّ كبح بروتين (Rac1) ليست بالفكرة الجيدة».
إعداد: زينب الانصاري
تدقيق: هبة فارس
المصدر