ابتكر المهندسون نوعًا جديدًا من الألياف البصرية بأحجام نانوية (1 على 10 مرفوعة للقوة 9) والتي يمكنها أن تستشعر قوىً فائقة الصغر، ابتداء من الاضطرابات التي تصدرها البكتيريا، وانتهاءً بالموجات الصوتية الصادرة عن نبض خلايا القلب.
عملية الاستشعار في الأنظمة الحيوية يمكن أن تمكّننا من التحكم في كل خلية على حدة، كما يمكنها أن تُنبئنا أيضًا بالعملية الدقيقة لتحوّل الخلية الطبيعية لخلية سرطانية.
«يمكن لهذا العمل أن يفتح أبوابًا جديدة أمامنا تمكننا من مراقبة التغيرات والتفاعلات الطفيفة والتي لم يكن من الممكن رصدها مسبقًا» هذا ما صرّح به أحد أعضاء الفريق، دونالد سيربلي Donald Sirbuly من جامعة كاليفورنيا سان دييغو.
التطورات في تقنيات الميكروسكوبات مكنتنا من الغوص في أعماق التفاصيل الصغيرة الخاصة بعالمنا الفيزيائي، ولكن ولنفهم جيدًا حقيقة ما يجري في الأسفل، فإن الأمر يتطلب أكثر من مجرد المشاهدة عن بعد، علينا أيضا أن نستشعر حقيقة ما يحدث فعلاً.
الميكروسكوبات التي تستطيع استشعار القوى فائقة الصغر موجودة بالفعل، والأفضل بينها على الإطلاق هو ميكروسكوب القوة الذرية (AFM) وهو يُطوّر باستمرار طوال الوقت.
لسوء الحظ، وبسبب الطريقة التي تعمل بها ميكروسكوبات القوى الذرية، فإنه لا يمكننا أن نقوم بتصغير حجم الأداة لتكون متلائمة والاستخدامات الحيوية.
ولذلك فإن قياس القوى البيولوجية في الأوعية بالغة الصغر يتطلب تقنية جديدة.
فريق من الولايات المتحدة قام بابتكار ألياف بصرية مصنوعة من أكسيد القصدير وكانت أنحف بـ 100 مرة من شعرة الإنسان، أي أنها مثالية بالنسبة للعينات صغيرة الحجم.
ولكي تتمكن من الاستشعار بشكل جيد، فقد تم تغليف أكسيد القصدير بطبقة رقيقة من بوليمر مرصّع بجزيئات نانوية من الذهب.
استخدام الألياف كان بسيطًا جدًا: كل ما كان عليهم فعله هو وضع الجزيئات النانوية والأسلاك المغطاة بالبوليمر داخل محلول يحتوي على خلايا حية أو بكتيريا.
ولكن كيف يعمل؟
تُسلّط أشعة ضوئية على الألياف البصرية وتتفاعل مع الجزيئات الذهبية.
تصطدم القوى الحيوية والموجات الصوتية مع جزيئات الذهب دافعة إياها قليلاً جدًا داخل طبقة البوليمر.
عملية دفع الجزيئات قريبًا من الألياف تجعلها تتفاعل أكثر مع الضوء، مما يزيد من شدة الضوء المرصود.
عبر استخدام هذه التقنية، تمكن المهندسون من التحكم بالقوى الصغيرة الصادرة من نبض خلايا القلب ومن تحرك الأقدام الكاذبة الخاصة بالبكتيريا.
يقول سيربلي: «نحن لا نستطيع فقط أن نرصد هذه الأصوات والقوى الصغيرة جدًا، نحن أيضًا نستطيع أن نحدد كميتها عن طريق هذه الآلة.
هذه أداة جديدة للتجسس الميكانيكي على المستويات الصغيرة وبوضوح عالٍ».
بعد عملية المعايرة، أثبتت تقنية الألياف البصرية هذه أنها أكثر دقة بعشر مرات من التقنية القديمة (AFM)، كما يمكنها أن ترصد قوىً تصل قوتها إلى أقل من 160 فيمتو نيوتن، وأصواتًا أقل من -30 ديسيبل.
وهذا أقل بألف مرة مما يمكن للأذن البشرية أن تسمعه.
للمقارنة، فإن متوسط القوة التي تؤثر بها التفاحة وهي على الأرض يساوي 1 نيوتن، 100 فيمتو نيوتن أقل من هذه القوة بـ 10 تريليون مرة، أي أنها تعادل ما تصدره شريحة من تفاحة تم تقطيعها إلى 10 تريليون قطعة صغيرة.
يمكن لهذه التقنية أن تلتقط مدىً معينًا من القوى والأصوات البيولوجية لأن طبقات مختلفة من البوليمر يمكن أن تُستخدم لتغليف طبقة الألياف المكونة من أكسيد القصدير.
فمثلا لقياس قوىً كبيرةٍ نسبيًا، فإن ذلك يتطلب طبقة ألياف أكثر صلابة، أما التقاط القوى الأصغر فيتم عن طريق طبقة ناعمة جدًا يتم تطبيقها على الألياف البصرية، مثل طبقة من الهيدروجين.
في المستقبل، يخطط العلماء لاستخدام الألياف النانوية لقياس النشاطات الحيوية، بالإضافة للسلوك الميكانيكي للخلايا المنفردة، ولكي يُحسّن مستوى رصد الألياف لصنع سماعات بيولوجية فائقة الحساسية.
- إعداد: أسماء الدويري
- تدقيق: جعفر الجزيري
- تحرير : رغدة عاصي
- المصدر