إن قضاء أكثر من عام في عزلة جسدية عن الجميع باستثناء ثلاثة من زملاء الطاقم في الفضاء، قد لا يكون إجازة ممتعة عند معظم الناس، لكن أنكا سيلاريو لن تتردد في فعلها مرة أخرى، حسب ما صرحت به لمجلة Popular Science.

استخدمت ناسا تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لبناء موئل مارس ديون ألفا في مركز جونسون للفضاء بمساحة 157 متر مربع، وقضت فيه أنكا سيلاريو مع ثلاثة من زملائها 378 يومًا، وهي بالأساس عالمة في الأحياء الدقيقة من البحرية الأمريكية متخصصة في اكتشاف اللقاحات الفيروسية وأبحاث الأمراض المعدية، وعملت بمنصب ضابط علمي أول في هذه المهمة الافتتاحية لمحاكاة صحة الطاقم وأدائه (CHAPEA-1) التابعة لناسا، والهدف محاكاة ما قد يكون عليه الحال في أول قاعدة دائمة للبشرية على سطح المريخ.

عمل الطاقم في أثناء وجوده هناك على مجموعة واسعة من المهمات، وتضمنت إدارة المحاصيل، وأخذ العينات الجيولوجية وتحليلها، والعمل في مجال الروبوتات باستخدام الطائرات بدون طيار والمركبات الجوالة، إضافة إلى كثير من مهمات الصيانة الأخرى المطلوبة للعيش المحاكي على سطح المريخ. وتضمنت أيضًا رحلات وهمية في بدلات فضاء معدلة باستخدام غرفة مجهزة لمحاكاة الكوكب الأحمر، وقد جمع فريق سيلاريو كميات هائلة من المعلومات بعد أكثر من عام من التجارب وحل المشكلات والتكيف.

تقول سيلاريو: «كمية البيانات التي ستخرج من دراسة CHAPEA-1 ستكون مذهلة. إنها مجموعة من التجارب المتكاملة والمحملة مسبقًا التي ساهمت فيها كثير من المجموعات، كان من الرائع حقًا رؤية عدد الأفكار والمكونات وأجزاء الأحجية التي تحتاج إلى تجميعها لبدء سد الفجوات التي نحتاج إلى تغطيتها». لكن نقل كل تلك النتائج والتجارب في الزمن الحقيقي كان أصعب من أي شيء آخر.

وتضيف سيلاريو: «أكثر الجوانب تحديًا كان التأخير في التواصل مع أنه لا يبدو كذلك».

حتى مع انتقال البيانات بسرعة الضوء، أي تواصل مستقبلي بين الأرض والمريخ سيأخذ وقتًا طويلًا نظرًا للمسافة المتوسطة البالغة 225 مليون كيلومتر بين الكوكبين، إذ ستستغرق كل رسالة 22 دقيقة في كل اتجاه، ما يعني أن أبسط المحادثات ستتحول إلى عمليات تستغرق نحو ساعة. لذلك ولأغراض مهمة CHAPEA-1، أُخرت كل رسالة بنفس القدر من الوقت بطريقة مصطنعة.

يتطلب هذا عقلية مختلفة تمامًا لكيفية صياغة التواصل وتوصيله والتوقيت الصحيح، تتذكر سيلاريو قائلة: «إنه أمر مثير جدًا للاهتمام لأن هذا نوع فريد من التحدي للبشر المعاصرين. معظم البشر في الوقت الحاضر لا يعرفون ما هو الشعور بالعيش بهذه الطريقة، لا يعرفون ما هو الشعور بالعيش دون اتصال بالإنترنت».

وضحت سيلاريو أن العزلة الممتدة وتأخر المحادثات خلقا تجربة نفسية مختلفة تمامًا، على عكس العطلة التي تستغرق أسبوعًا في الغابة دون اتصالات. في الواقع، كان الأمر أعقد بكثير، خاصةً بالنسبة لشيء يستغرق مدة طويلة كهذه. هناك الكثير من الأشياء التي تحتاج إلى التحضير لها، والكثير من الأمور التي لا تفكر فيها حتى تجربها بنفسك، تقول سيلاريو: «بالنسبة لي، كانت واحدة من أكثر التجارب مكافأة التي عشتها بنفسي».

لكن ذلك لا يعني أن كل الأمور كانت إحباطات وانتظارات مقلقة، فقد حرص الطاقم قبل الانتقال إلى CHAPEA-1 على تحميل مكتبة ضخمة من الكتب ووسائط مسجلة مسبقًا من أجل الاستمتاع بها في أثناء أوقات الفراغ، وكانت سيلاريو تحب جلسات مشاهدة الأفلام والتلفاز الطويلة، إضافة إلى البطولات الرياضية.

من المحتمل ألّا يرى الجدول الزمني الحالي لوكالة ناسا وصول أي بشر إلى المريخ حتى الأربعينيات من القرن الواحد والعشرين. ولكن إذا وصل رواد الفضاء في النهاية إلى تلك اللحظة التاريخية، فسيكون ذلك بفضل التجارب والعمل البحثي لعلماء مثل سيلاريو.

تقول سيلاريو: «إن وجودي بوصفي جزءًا من برنامج استكشاف الفضاء البشري مهم جدًا في الجهود الرامية إلى إرسال البشر إلى المريخ، فهو شرف كبير بالنسبة لي. ومن الرائع أن أستيقظ كل يوم وأنا أعلم أنني أساهم في حلم البشرية». ومع أنها كانت محاكاة تجربة المريخ فقط، فإن الرحلة التي استمرت عامًا جعلت حجم كوكب الأرض وتوازنه الدقيق أكثر وضوحًا بالنسبة لها.

تقول سيلاريو أيضًا: «فرصة أن تكون بعيدًا عن الأرض في مكان ما في الفضاء الخارجي هي تجربة مفعمة بالوعي، إنها تجعلك تدرك كم أن كل شيء ثمين. وحقيقة أن هناك الكثير من الأشياء التي قد تحدث على الأرض ولا يمكن حدوثها في أي مكان آخر، هي أمر رائع حقًا»، مشيرة إلى تنوع الكوكب البيولوجي وتعقيداته الطبيعية، وحتى وجود الماء البسيط.

تضيف أيضًا: «كل هذه الأمور تجعلك تفكر في مدى روعة أن تكون إنسانًا يشهد ذلك».

مع انتهاء مهمة CHAPEA-1 رسميًا، تبحث وكالة ناسا بالفعل عن متطوعين جدد للمشاركة في مهمتها التجريبية الممتدة القادمة. وتشجع سيلاريو على «الاستمرار في الحلم» موجهة الكلام لأي شخص مهتم، وهناك كثير من القضايا التي ما تزال بحاجة إلى دراسة، والمشكلات التي ما تزال بحاجة إلى حل، قبل الانطلاق إلى الفضاء وتحديدًا إلى المريخ، ولكن إذا صادف أن قررت وكالة ناسا تسريع جدول الرحلة إلى المريخ، فيوجد شخص واحد على الأقل لديه الخبرة المماثلة للتجربة الحقيقة وعلى استعداد لوضع خبرته حيز التنفيذ.

اقرأ أيضًا:

من يمتلك القمر؟ سباق الفضاء الجديد يعني أنه سيكون هدفًا لاستيلاء الدول

شركة يابانية تخطط لبناء مصعد فضائي يربط الأرض بالفضاء

ترجمة: أمير المريمي

تدقيق: تمام طعمة

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر