يعدّ ليوناردو دافينشي أحد أشهر الفنانين في التاريخ، ولكن إنجازاته المذهلة كمهندس ومخترع وعالِم هي ما تركت له إرثًا دائمًا يتحدث عنه العالم كلّه.
في الوقت الذي يحاول فيه العديد من الناس تقسيم مهارات البشر إلى علوم أو فنون، فإنّ ليوناردو دافينشي آمن أنّ الاثنين يكملان بعضهما في العمق.
مكنته دراساته العلميّة من تصوير العالم بطرق طبيعيّة، بينما مكنته عين الفنان التي يتمتع بها من النظر والتفكير في العالم بطرق جديدة.
بالنسبة لدافينشي، فإنّ العمل الداخلي للآلة يماثل في أهميته ابتسامة الموناليزا.
من الرسوم التشريحيّة إلى الفرسان الآليين، إليك عدة طرق غيّر بها دافينشي عالمه وعالمنا من بعده.
ساعدنا في فهم جسم الإنسان
بدأ هوَّس دافينشي بالتشريح في سن صغيرة، وذلك عند تدربه على يد واحد من أشهر رسامي عصر النهضة في فلورنسا هو أندريه ديل فيروتشيو.
بعد وقت قصير، تغلّب التلميذ على الأستاذ، حيث أصبح دافينشي يرسم رسومًا مذهلة ودقيقة للجسم البشري.
للوصول إلى هذا المستوى، ملأ دافينشي دفتر ملاحظاته بدراسات عن العضلات والأوتار، فقد شرَّح دافينشي عشرات الأجسام لينتج رسومات مفصلة للهيكل العظمي، الجمجمة والعظام.
درس دافينشي أيضًا علم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا)، صانعًا نماذج شمعيّة للدماغ والقلب لفهمٍ أعمق لكيفيّة جريان الدم في الأوعية الدموية، ولإنشاء أحد أوّل الرسومات للأعضاء البشريّة، بما في ذلك الزائدة الدوديّة والأعضاء التناسليّة والرئتين.
بعد فترة في مسيرته المهنيّة، طبّق دافينشي هذه التعاليم على أحد أهم أعماله، رسمته «الرجل الفيتروفي» الذي يمثّل الجسم البشري في أفضل تناسق له.
استوحى هذا العمل من المعماري الروماني القديم فيتروفيوس، الذي اعتقد -مثل دافينشي- أنّ هذا التناسق في الجسم البشري يجب تطبيقه على تصميم وفي تشييد الأبنية.
تنبأ بعهد الطيران
قبل أن يطير الأخوان رايت بأربعمئة سنة بطيارتهم كيتي هوك (Kitty Hawk)، كان دافينشي يبتكر طرقًا تحلّق بالإنسان نحو السماء.
صمّم أول نموذج للباراشوت، بحيث يُغطى هرم مصنوع من أعمدة خشبيّة بالجلد ما يخفف من نسبة الهبوط على الأرض.
كما كتب في ملاحظاته، فإن هذا الباراشوت يمكّن الناس من القفز من أي ارتفاع دون التعرّض للإصابات.
لقد تطلّب الأمر عدة قرون ليتمكن أحد من بناء نموذج عملي لهذا الباراشوت، وتم اختبار نموذج دافينشي عام 2000 وقد نجح.
لم يكن التشريح والفيزيولوجيا وحدهما من ألهما دافينشي، فقد استخدم دراسته العميقة للطيور والخفافيش لابتكار آلة طائرة، أو ما يُعرف باسم (Ornithopter)، بحيث يُربط الشخص بعدة أعمدة خشبيّة والتي تمكنه من الرفرفة للحفاظ على ارتفاع عالي.
مع هذا، فإنّ دافينشي لم يبنِ نموذجًا يعمل على الإطلاق.
كتب دافينشي دراسات كثيرة عن تأثير الجاذبيّة على طيران الإنسان، وترك دافينشي بعد رحيله عدّة نماذج للطائرات الشراعيّة، و قد ألهمت أعماله الدراسات الحديثة حول ديناميكا الهواء.
أحد طرق دافينشي لحلّ مشكلة الجاذبية كان باستخدام الهواء المضغوط، وكان من المفترض أن يصل تصميمه للولب هوائي -السلف القديم للهيلكوبتر الحالي- لمرحلة الإقلاع بتدوير الدعامة عن طريق شخصين يركضان على منصة دوارة.
طوّر دافينشي سلسلة من الأسلحة نراها في الوقت الحالي
أكثر مجال استولى على عقل دافينشي كان الهندسة العسكريّة، لقد عمل لعدة أسياد وزعماء مدن، بانيًا الجسور والتحصينات والأسلحة.
مع أنّه كتب عن كرهه للرعب الناتج عن الحرب، فإنّ تصميماته القاتلة تضمنت أول سلاح آلي، وكما هو الحال مع أغلب تصميماته، لم يرَ هذا التصميم النور أبدًا.
كان التصميم معروفًا باسم (33-barreled-organ)، في النموذج ثلاثة صفوف وفي كل صف أحدى عشر فوّهة بندقية، كل فوّهة موجهة نحو اتجاه معيّن.
هذا النموذج مصمم ليُبنى على منصة متحركة والتي تدور لتبرّد السلاح، كان هذا النموذج مماثلًا لأوائل أسلحة المشاة الميدانيّة.
ابتكر دافينشي أيضًا فكرة لتصميم قوس ونُشَّاب ضخم، بعرض يبلغ 25 مترًا تقريبًا، كان من المفترض أن يرشق هذا القوس الأحجار أو القنابل بدلًا من الأسهم.
سبقت تصميمات دافينشي للعربات المصفحة الدبابات بقرون عديدة، وتصميماته كانت عبارة عن عربة مغلّفة بالمعدن تتحرك على منصة دوارة يمكن تشغيلها بالقوة البشرية، ويمكن أن تحمل ثمانية رجال، مع فتحات للجنود ليبرزوا أسلحتهم.
دمج دافينشي بين خبراته العلميّة والعسكريّة ليصمم فارسًا آليًّا، يعمل بواسطة التروس والكابلات.
تمّ بناء نموذج يعمل باستخدام مخططات دافينشي عن طريق عالم روبوتات في ناسا عام 2002.
نعم، لدى دافينشي أفكار عمليّة
بينما تبدو الكثير من تصميمات دافينشي بعيدة عن الواقع، فقد عمل دافينشي على أفكار وأدوات نراها في الوقت الحالي.
أنشأ دافينشي أوّل نماذج قابلة للاستخدام من المقصّات والجسور المعلقة وبدلات الغطس وآلة لصقل المرايا شبيهة بتلك التي نستخدمها في صنع التلسكوبات وآلة لصنع المسامير.
صمّم دافينشي أيضًا أحد أوّل نماذج الأودومتر (لقياس السرعة الأرضيّة)، والأونومتر (لقياس سرعة الرياح).
استخدم دافينشي الأودومتر لقياس المسافات، والتي استخدمها لوضع خرائط عسكريّة مفصلة، وهي مهارة أخرى لرجل عصر النهصة المتعدد الوجوه.
- ترجمة: مازن سفّان
- تدقيق: صهيب الأغبري
- تحرير: تسنيم المنجّد
- المصدر