كيف ظهرت المياه على سطح الأرض؟
هل تساءلت يومًا من أين أتت كل تلك المياه المتدفقة من شلالات نياجرا؟ يحيط بنا الماء من كل جانب، يتساقط من السماء، ينساب في مجاري الأنهار، ويتدفق من الصنابير، ومع ذلك لم يتوقف الكثير منا عن السؤال: من أين يأتي الماء ؟ إن إجابة هذا السؤال معقدة وتمتد إلى ما هو أبعد من مجرد المد والجزر، أو سحابة مليئة بالأمطار، بل تمتد وصولًا إلى نشأة الكون.
بعد فترة وجيزة من الانفجار العظيم، اندفعت البروتونات والنيوترونات والإلكترونات في حزم تصل حرارتها إلى 10 مليارات درجة.
في غضون دقائق بعد الانفجار العظيم، تكوّن غاز الهيدروجين، ثم الهيليوم، وبدأ تشكل العناصر الخفيفة ومنها الليثيوم، الذي نتج عن اتحاد مكونات الذرة، في عملية تسمى «التخليق النووي».
لم تظهر العناصر الأثقل إلا بعد وقت طويل، بعد أن تعرضت العناصر الأخف للانصهار داخل النجوم والمستعرات العظمى.
بمرور الوقت بدأت النجوم بإرسال موجات متتالية من هذه العناصر الثقيلة والأكسجين إلى الفضاء، حيث تختلط بالعناصر الأخف.
بطبيعة الحال تختلف عملية تكوّن جزيئات الهيدروجين والأكسجين عن عملية التكون اللاحقة التي ينتج عنها الماء، لأنه حتى عندما تختلط جزيئات الهيدروجين والأكسجين لا ينتج الماء، إذ يظل المزيج بحاجة إلى شرارة من الطاقة ليتكون، هذه العملية عنيفة، ولم يجد أحد حتى الآن طريقة آمنة لتكوين المياه على الأرض.
إذن، كيف أصبح كوكبنا مغطى بالمحيطات والبحيرات والأنهار؟
الجواب البسيط هو أننا لا نعرف بعد، لكن لدينا بعض التحليلات والتصوّرات.
تقترح إحدى الفرضيات أنه منذ نحو 4 مليارات سنة، اصطدمت ملايين الكويكبات والمذنّبات بسطح الأرض، وبنظرة سريعة على سطح القمر المليء بالحفر نحصل على تصور عن الأمر، وفقًا لهذه الفرضية لم تكن الكويكبات مجرد صخور، بل كانت مثل اسفنج كونيّ محمّل بالماء، أدى اصطدامها إلى تحرره.
أكد علماء الفلك أن الكويكبات والمذنبات تحتفظ بالماء، لكن ما زال بعض العلماء يعتقدون أن ذلك غير ممكن نظريًا، ويتساءلون عن إمكانية حدوث تصادمات كافية لجلب كل هذه المياه الموجودة في محيطات الأرض. وجد باحثون من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا أن الماء من المذنّب هيل- بوب يحتوي على كمية أكبر من مادة الماء الثقيل مقارنةً بالكمية الموجودة في محيطات الأرض، وهو ماء يتكون من ذرة هيدروجين وذرة ديوتيريوم وذرة أكسجين، وهذا يعني إما أن المذنّبات والكويكبات التي ضربت الأرض كانت مختلفة عن المذنب هيل-بوب، أو أن الأرض حصلت بطريقة أخرى على مياهها العادية المكوّنة من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين.
حديثًا، كشف علماء الفلك أن الاقتراح الأول قد يكون صحيحًا، إذ وجدوا أن المذنّب «ويرتانان» عندما مرّ من أقرب نقطة له مع الأرض في ديسمبر 2018، كان ينفث بخار الماء -الشبيه بمياه المحيطات- إلى الفضاء، استنادًا إلى الملاحظات المسجّلة من مرصد «ستراتوسفير لعلم الفلك بالأشعة تحت الحمراء»، وهو طائرة من نوع بوينغ 747 معدّلة، تطير على ارتفاعات عالية ومزوّدة بتلسكوب يعمل بالأشعة تحت الحمراء طوله 2.7 متر مُثبّت بذيل الطائرة.
وينتمي المذنب ويرتانان إلى عائلة محددة من المذنّبات تسمى «المذنّبات مفرطة النشاط»، إذ تنفث بخار الماء في الفضاء أكثر من سواها.
بُني استنتاج الباحثين على مقارنة نسبة الماء العادي بنسبة الماء الثقيل المرصودة، فلمحيطات الأرض نسبة ديوتيريوم/هيدروجين محددة، ويبدو أن ويرتانان يشاركها نفس النسبة، ونظرًا إلى أن مراقبة الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء من الأرض تُعد مستحيلةً، إذ يحجب غلافها الجوي تلك الأطوال، يمكن فقط للتلسكوبات الفضائية -التي تحلق عاليًا فوق معظم نطاق الغلاف الجوي- إجراء ملاحظات موثوقة للمذنّبات.
ينص اقتراح آخر على أن الأرض في بدايتها تعرضت لهطول غزير من الأكسجين والعناصر الثقيلة الأخرى المتشكّلة داخل الشمس، إذ اتحد الأكسجين مع الهيدروجين والغازات الأخرى المنبعثة من الأرض في عملية تسمّى التفريغ، فتشكلت محيطات الأرض والغلاف الجوي متزامنين.
وضع فريق من علماء معهد طوكيو للتكنولوجيا نظريةً تقول إن طبقة سميكة من الهيدروجين قد تكوّنت وغطت سطح الأرض، ثم تفاعلت مع أكاسيد القشرة الأرضية لتشكّل محيطات كوكبنا.
تقترح عمليات المحاكاة الحاسوبية المنشورة عام 2017 أن طريقة التكوّن الأقرب للصواب نوعًا ما لبعض مياه الأرض، هي أن الماء قد تطور في أعماق وشاح الأرض، وهو جزء من طبقات الأرض يقع بين القشرة واللب، وخرج بصورته السائلة في النهاية بواسطة الزلازل.
ومع عدم قدرتنا على تحديد كيفية وصول الماء إلى الأرض، يمكننا القول إننا محظوظين بوصوله.
اقرأ أيضًا:
كيف أتت المياه إلى الأرض؟ دراسة جديدة تشكّك في النظرية الحالية
ماذا سيحدث لو اختفت المحيطات ؟
ترجمة: طاهر كلبيت
تدقيق: علي الطريفي