لعلّ بعضنا عاصرَ الجيل القديم من أجهزة اللابتوب (الحواسيب المحمولة) ويذكر جيدًا مدى ضخامتها، وبمقارنتها مع الأجهزة الجديدة الأنيقة مثل، ماك بوك من شركة آبل وإتش بي سبيكتر ولينوفو يوغا، نلاحظ بشدّة تطور هذه الأجهزة، وكيف تحولت من أجهزة يزيد وزنها عن نصف كيلوجرام إلى أجهزة أنيقة الشكل وخفيفة الوزن، بالإضافة إلى خصائص معالجة قوية، فكيف حصلت هذه النقلة النوعية؟ وكيف تمكن المهندسون من حشو المزيد من الترانزستورات في دارة كهربائية أقل حجمًا؟
إذا كنت ممن يراقبون عروض الشركات المصنعة لأجهزة اللابتوب، ويتابعون إعلاناتها عن الأجهزة الجديدة، فستلاحظ بالتأكيد مدى تركيزهم على خفة الجهاز ووزنه وخصائصه، مع أن معظم الأجهزة الحديثة يمكن حملها بإصبعين فقط! تتمتع هذه الأجهزة أيضًا بخصائص ومزايا قوية جدًا من سعة وحدة التخزين الداخلية إلى بطاريات تدوم طويلًا مع وحدة معالجة مركزية قوية جدًا، فكيف جرى هذا التطور على مر السنين؟
عدد كبير من ترانزستورات الموسفيت في الدارات المتكاملة
تُعد الدارات الإلكترونية المتكاملة (أو كما تُختصر IC) ثورةً في عالم الإلكترونيات، وهي شرائح صغيرة جدًا بوسعها احتواء آلاف العناصر الدقيقة مثل الترانزستورات والمكثفات والمقاومات وغيرها، ويرجع انخفاض حجم اللابتوب إلى انخفاض حجم هذه الدارات نفسها، ويرجع سبب قوة المعالجات الحديثة إلى استطاعة المطورين حشو المزيد من ترانزستورات الموسفيت MOSFET داخل هذه الدارات، لكن ما هو ترانزستور الموسفيت؟
الموسفيت (ترانزستور الأثر الحقلي للأكاسيد المعدنية لأشباه الموصلات) هو ترانزستور حلقي ذو قناة تعتمد في بنائها على أشباه الموصلات، ويمتلك خصائص فيزيائية تسمح للمهندسين بمضاعفة وظائف المقاومات والمكثفات ومحولات الطاقة وغيرها، ما يسهل تغيير حجم الموسفيت ومن ثم يمكن تحسين تصميمه ليتسع للمزيد من المكونات، وهذا ما حصل في السنوات الماضية إذ أدّت زيادة الترانزستورات داخل الدارات المتكاملة إلى زيادة أداء المعالجة في كل وحدة، ولا تسبب هذه الإضافة استهلاكًا إضافيًا للطاقة لأن حجمها بقي كما هو.
قانون مور (Moore’s Law)
ابتكر جوردون مور أحد مؤسسي إنتل في عام 1965 قانون مور، وذلك إثر ملاحظته تضاعف عدد الترانزستورات على الدارات المتكاملة كل عامين تقريبًا، وهو يمثل أفضل شرح ممكن لسبب زيادة قوّة المعالجة دون زيادة الحجم.
يعني قانون مور أن المعالجات التي ستطرح بعد عشر سنوات من الآن ستكون أقوى بمئة مرة من المعالجات الحالية.
تطوير لوحة الدارات المطبوعة (PCB)
وهي اللوحة الخضراء الرئيسية التي توضع عليها جميع المكونات الإلكترونية للوحة الأم، ومن الصعب تتبع مراحل تطوير هذه اللوحة أو ملاحظتها بالشكل الظاهري، لكن المؤكد أنها ساهمت في جعل اللابتوب أنحف وأخف وزنًا.
تستخدم أجهزة اللابتوب الحديثة شبكات توصيل عالية الكثافة على لوحات الدارات المطبوعة، ما يعني زيادة الناقلية الكهربائية في الدارة عبر طبقات متعددة تعطي مساحة أكبر مع وزن أخف.
تطور البرمجيات
من البديهي القول أن البرامج لا تلعب دورًا في حجم اللابتوب أو خفته، لكن الحقيقة تؤكد مساهمتها في ذلك، إذ توجد العديد من الدارات الكهربائية المتقدمة مع أنظمة محاكاة برمجية متوفرة في الأسواق، مثل برنامج المحاكاة أوركاد وبرنامج بروتوس وماتلاب وسايلاب.
فتسمح هذه الأنظمة والبرامج اختبار تصاميم الدارات عبر محاكاة، وتعتمد بشكل أساسي على وضع مخططات الدارات الكهربائية على الحاسوب ومن ثم قياس إنتاج الدارة. تؤدي هذه المحاكاة أيضًا إلى توفير الوقت وتسهيل عملية اختبار التصاميم بسرعة عوضًا عن اختبارها يدويًا.
ساعدت هذه البرامج أيضًا المطورين على حفظ مجموعات هائلة من المعلومات المتعلقة بالتصميم والتصنيع، واكتشاف طريق جديدة لصنع أجهزة لابتوب حديثة بتصميم مختلف وجذاب.
المنافذ أصبحت رقيقة
تعد المنافذ من الأمور التي يسهل ملاحظة تغيرها في أجهزة اللابتوب الحديثة، إذ اختفى بعضها وتقلص بعضها الآخر، مثل منفذ الطابعة الكبير نسبيًا الذي كان موجودًا في الأجهزة القديمة في منتصف التسعينيات وأُزيل في الإصدارات اللاحقة بعد أن صارت العديد من الطابعات تدعم الاتصال اللاسلكي، ومنها أيضًا منفذ إيثرنت الذي تعمدت الكثير من الشركات إزالته لنفس السبب.
شهدت منافذ يو إس بي USB تطورًا ملحوظًا وتأتي الإصدارات الحديثة من أجهزة اللابتوب بمنفذ USB-C (نوع سي) وهو أصغر حجمًا بكثير من الجيل السابق.
مواد أقوى خفيفة الوزن
تعتمد أجهزة اللابتوب الحديثة على سبائك مغنيزيوم خفيفة الوزن في تركيبها، بالإضافة إلى تمتعها بقوة ومتانة عالية، وتُستخدم في اللوحات والهيكل المعدني الخارجي وفي تصنيع الأجزاء الداخلية في الحاسوب مثل الشرائح والحوامل.
بطاريات أفضل
تُعد البطاريات من أكثر العوامل تأثيرًا على حجم أجهزة اللابتوب ووزنها، وقد شهدت تطورًا كبيرًا أيضًا حالها حال المكونات الأخرى، إذ اعتمدت الأجهزة القديمة على بطاريات نيكل كادميوم أو بطاريات نيكل هايدريد، التي لم تعد مناسبةً وملائمةً لباقي المكونات المتطورة باستمرار، واسُتعيض عنها ببطاريات الليثيوم أيون أو بطاريات الليثيوم بوليمير، التي تتمتع بطاقة أكبر ووزن أخف.
ما عيوب أجهزة اللابتوب الحديثة؟
تمثل المعلومات آنفة الذكر جميع الجوانب العلمية والتقنية التي تجعل أجهزة اللابتوب أخف وزنًا، ويُضاف إليها الأساليب التي تتبعها الشركات في حملاتها الإعلانية لإقناع الزبائن بمنتجاتهم، ومن الجدير بالذكر أن شعبية الحواسيب المكتبية (ديسكتوب) قد تلاشت تدريجيًا بعد ميل المستخدمين إلى شراء الأجهزة اللابتوب الخفيفة الوزن.
ولكن، هل وصلت هذه الأجهزة خفيفة الوزن إلى تلبية جميع متطلبات المستخدمين؟ سيكون خبرًا سعيدًا لمديري الحملات الإعلانية لو كان الجواب هو نعم، لكن مع الأسف الجواب هو لا.
ما زالت أجهزة اللابتوب الحديثة تعاني مشكلات في التبريد، خاصة مع الألعاب كبيرة الحجم (مثل GTA و Far Cry و Hitman) إذ تنتج هذه الألعاب حرارةً كبيرةً، وهي عامل رئيسي مؤثر في عملية الحوسبة، ما دفع الشركات لإصدار لابتوبات خاصة بالألعاب تمتلك منافذ تهوية كبيرة.
الخنق الحراري
هي المصطلح التقني الذي يًطلق على ارتفاع حرارة اللابتوب وعدم تمكن أجهزة التبريد التخلص من الحرارة الزائدة، وتحصل عند وصول درجة حرارة اللابتوب إلى مستويات خطيرة (عادةً بين 80 و90 درجة مئوية)، إذ يتباطأ عمل اللابتوب، وينخفض معدل الإطارات في الألعاب، وقد يتعطل النظام أيضًا، ويُعد هذا أحد العيوب الرئيسية لأجهزة اللابتوب خفيفة الوزن التي لا تحتوي على وحدة معالجة رسوميات عالية أو معالجات قوية، وحتى الآن لا يمكن الجمع بين خفة الوزن وقوة المعالجة.
في النهاية يجب الإشادة بالعمل الذي أنجزه المطورون في السنوات الماضية، وبصرف النظر عن مشكلة الخنق الحراري يمكن القول أن الجيل الجديد من أجهزة اللابتوب حمل معه تطورًا كبيرًا من نواحٍ عدة، كتحسين البطاريات وإنقاص الوزن بالإضافة لقدرة حسابية عالية يمكن الاعتماد عليها لتلبية احتياجات المستخدمين.
اقرأ أيضًا:
لماذا يبطأ الحاسوب مع مرور الزمن؟
ترجمة: بيان علي عيزوقي
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: آية فحماوي
المصادر: scienceabc, pcworld, nytimes