في خضم التوترات التجارية والاقتصادية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، أصدرت الصين قرارًا بحظر تصدير معدنين ثمينين إلى الولايات المتحدة، وهما الغاليوم والجرمانيوم. فما أهمية هذين المعدنين؟

يتمتع هذان المعدنان بأهمية اقتصادية كبيرة، نظرًا إلى استخدامهما في صناعات كثيرة، مثل صناعة الرقائق الإلكترونية، وصناعات التكنولوجيا العسكرية مثل نظارات الرؤية الليلية، وصناعات الطاقة المتجددة مثل السيارات الكهربائية وخلايا الطاقة الشمسية. كل هذه القطاعات حساسة ومفصلية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

تمتلك الصين تفوقًا كاسحًا في سوق المعادن الثمينة من ناحية العرض، فهي مسؤولة عن نحو 98% من صادرات الغاليوم و91% من صادرات الجرمانيوم الخام في العالم، وفي معظم القطاعات الصناعية التي تقوم على استخدام هذه المعادن، فإن هذه المعادن أساسية لا بديل لها. الغاليوم والجرمانيوم يصنفان نواتجَ ثانوية لمعادن رئيسية أخرى، فيما يسمى العناصر النزرة أو الشحيحة، فالمصدر الأساسي للجرمانيوم هو بقايا مصافي الزنك ورماد الفحم المتطاير. أما الغاليوم فهو ناتج ثانوي لخام البوكسيت، المصدر الأساسي للألمنيوم.

جاء الحظر الصيني على صادرات المعادن المذكورة إلى الولايات المتحدة في أعقاب حملة التضييق الصارمة الثالثة التي شنتها واشنطن خلال ثلاث سنوات على صناعة أشباه الموصلات -الرقائق الحاسوبية- في الصين. تريد الولايات المتحدة عرقلة صادرات الرقائق الالكترونية المتقدمة إلى الصين، التي يمكن استخدامها في أنشطة قد تهدد أمن أميركا.

مثلًا، يمكن استخدام الرقائق المتقدمة في الأشكال الجديدة للحرب الإلكترونية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، أو في أنظمة الأسلحة المتقدمة مثل الصواريخ الحربية الأسرع من الصوت. بررت الصين حظرها تصدير الغاليوم والجرمانيوم للولايات المتحدة بأن هذين المعدنين لهما استخدامات مزدوجة عسكرية ومدنية. وفقًا لتقرير صادر عن رويترز عام 2023 تحتفظ وزارة الدفاع الأمريكية بمخزون استراتيجي من الجرمانيوم، لكنها لا تمتلك أي احتياطي من الغاليوم. في أكتوبر 2024 قدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن الحظر الكامل على تصدير الغاليوم والجرمانيوم قد يسبب خسائر فادحة للناتج المحلي الأمريكي تقدر بـ 3.4 مليار دولار أمريكي.

لا تقتصر استخدامات هذين المعدنين على الأغراض العسكرية والأمنية، فالغاليوم يُستخدم في صناعة أجهزة الإضاءة الصلبة وتحديدًا في الثنائيات الباعثة للضوء، ما يعرف بالليد. أما الجرمانيوم فهو عنصر أساسي في الألياف البصرية، ومحفز لتسريع التفاعلات المستخدمة في تصنيع البوليستر والبولي لاكتيك أو البلاستيك الحيوي، إضافة إلى كون هذه المعادن حيوية لصنع الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية والشاشات وأجهزة الكمبيوتر المحمولة.

إذن كيف ستتمكن الولايات المتحدة من الالتفاف حول هذا الحظر والتغلب على الصعاب التي سيخلقها، في ظل الاحتكار الصيني شبه المطلق لصادرات الغاليوم والجرمانيوم العالمية؟ يوجد سبيل واحد واضح يجب على الولايات المتحدة أن تسلكه، أن تبدأ بتوسيع وتطوير عمليات التنقيب الداخلية عن الاحتياطات المتوفرة من هذين المعدنين، وهو ما أشار البنتاغون إلى أنه يعمل عليه الآن.

كما أسلفنا، يُستخرج الغاليوم أساسًا بوصفه معدنًا ثانويًا ينتج من معالجة خامات الألومنيوم والزنك، إذ تحتوي بعض رواسب الزنك في الولايات المتحدة على ما يصل إلى 50 جزءًا في المليون من الغاليوم، لكنها لا تُستخرج حاليًا من هذه الرواسب. تاريخيًا، كان الإنتاج المعلن للجرمانيوم في الولايات المتحدة يقتصر على منجم واحد فقط هو منجم أپيكس في ولاية يوتا. كان منجم أپيكس ينتج كلًا من الغاليوم والجرمانيوم بوصفهما ناتجين أساسيين حتى منتصف الثمانينيات، لكنه مغلق من ذلك الوقت.

يمكن للولايات المتحدة الأمريكية انتهاج مسار آخر، يتمثل في تنويع طرق إنتاجها لهذه المعادن، بالاستثمار في مصافي الزنك والفحم والبوكسيت في بلدان أخرى حليفة. شركة تيك ريسورسز الكندية أكبر مورد للجرمانيوم في أميركا الشمالية، إذ تستخرج المعدن من مصهرها في مقاطعة كولومبيا البريطانية غرب كندا.

خيار بديل ثالث مثير للاهتمام هو زيادة الكمية المستخرجة مما يُعرف بالمصادر الثانوية، أي بإعادة تدوير الأجهزة الالكترونية القديمة التي وصلت إلى نهاية عمرها الإنتاجي. ما من إحصائيات رسمية حول حجم الكمية المستخرجة من هذه المصادر، لكن بعض التقارير تذكر أن 10% تقريبًا من الغاليوم و 30% من الجرمانيوم يأتيان من المصادر الثانوية. لسوء الحظ، فإن هذه الطريقة معقدة جدًا وباهظة التكاليف، مثلًا في رقائق الحاسوب الإلكترونية نجد أن المعدنين المذكورين قد أُدمجا مع معادن أخرى، ما يصعب عملية استخلاصهما.

على هذا يمثل الحظر الصيني ضربة قوية لسلسلة التوريد الأمريكية لهذين المعدنين، فلا يمكن تعويض انخفاض الإنتاج الأساسي بالإنتاج الثانوي -إعادة التدوير- في الأمد القريب، لأن عوائده منخفضة وأسعاره ليست تنافسية، أما على المدى البعيد فيجب على الولايات المتحدة تحقيق تقدم تكنولوجي في طرق إعادة تدوير هذه المعادن حتى تتمكن من خفض التكاليف وزيادة العرض، عندئذ ستتمكن من تقليل اعتمادها على الواردات الصينية.

اقرأ أيضًا:

كيف تؤثر التغيرات السياسية في الشركات والأعمال؟

أي جيل يمكن اعتباره الأنجح في عالم الأعمال؟

ترجمة: محمد ياسر الجزماتي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر