في سبتمبر من سنة 1987 قامت دول العالم بصياغة اتفاقيَّةٍ تاريخيةٍ عُرفت ببروتوكول مونتريال، وذلك كردٍّ على الأدلة التي ظهرت في تسبُّب مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs) بالأضرار على مستوى طبقة الأوزون، حيث قام هذا الاتفاق بالحدِّ من استخدام هذه المواد.
منذ ذلك الحين، لم يساعد البروتوكول على حماية طبقة الأوزون فحسب، بل ساهم في الحدِّ من مخاطر التغيرات المناخيَّة؛ لأن تلك المركبات هي من الغازات المعززة لظاهرة الاحتباس الحراريّ، لكن في السنة الفائتة، قام الموقِّعون بتعديل الوثيقة للتركيز الشامل على حماية المناخ.
بدأت القصة سنة 1974، حيثُ اكتشف كل من ماريو مولينا (Mario Molina) وشيروود رولاند (Sherwood Rowland) دور مركبات الكلوروفلوروكربون في إضرار طبقة الأوزون عبر التفاعلات الكيميائية الحفَّازة، وكانت تلك المركبات تُستخدم بشكلٍ تصاعديٍّ كمبردَّات (في الثلاجات والمجمدات ومكيفات الهواء)، وفي علب البخاخ والمذيبات الصناعيَّة ومنتوجاتٍ أخرى.
مركبات الكلوروفلوروكربون هي مواد كيميائية مستقرة من صنع الإنسان، تتفكك عند وصولها إلى الغلاف الجوي بين 15 و 50 كيلومتر فوق سطح الأرض.
ذرات الكلورين المتحرِّرة في العمليَّة تقود سلسلةً من التفاعلات الكيميائيَّة ينتج عنها تدميرٌ لطبقة الأوزون، كما أثبت مولينا ورولاند.
ولقد كان ذلك في غاية الأهمية؛ لأنَّ طبقة الأوزون في الغلاف الجويّ تمتصُّ الأشعة ما فوق البنفسجية الشمسية الضارَّة، لتحميَ بذلك الكائنات الحيَّة على الأرض.
ارتفاعُ الأشعة ما فوق البنفسجية قد يترافقُ مع أشياء أخرى كانتشار سرطان الجلد وإعتام عدسة العين.
كان هذا الخطرُ نظريًا فحسب في بادىءِ الأمر، لكن في سنة 1985 اكتشف جو فارمان (Joe Farman) وزملاؤه في أنتاركتيكا أنَّ الأوزون فوق قارة أنتاركتيكا ينخفض بحوالي الثلث كل فصل ربيعٍ جنوبيّ، ربطوا ذلك بارتفاع الكلورين في الغلاف الجويّ.
وفي سنة 1995 حصل كل من مولينا ورولاند بالإضافة إلى بول كروتزن (Paul Crutzen) على جائزة نوبل في الكيمياء لقاءَ عملهم الاستثنائيّ.
بعد التحذيرات التي تَبعت تلك الاكتشافات، قامت دول العالم بسرعةٍ بعد ذلك بالاتفاق على الحدِّ من استعمال مركبات الكلوروفلوروكربون تحت بروتوكول مونتريال، الذي جُسِّد على أرض الواقع بعد سنتين فقط.
التعديلاتُ الناجحة ساهمت في تقوية وتوسيع البروتوكول بعد ذلك، والنتيجة هي انخفاض استخدام المركبات تدريجيًا، حيث انخفضت الانبعاثات بنسبة 90% مقارنةً بأعلى مستوياتها.
تُشير القياسات إلى انخفاض وفرة الكلوروفلوروكربون في الغلاف الجوي كذلك.
ونظرًا لاستوطان المركَّبات الضارة في الغلاف الجويِّ لفترةٍ تمتد من خمسين إلى مئة سنة، تستجيبُ طبقة الأوزون ببطء، لكن المراقبة من الأقمار الصناعة والمحطات الأرضية تُظهر بدأ تعافي تلك الطبقة، دون بروتوكول مونتريال، كانت مركبات الكلوروفلوروكربون لترتفع، وتوقَّع العلماء ارتفاع عدد الإصابات بسرطان الجلد أربعة أضعاف بحلول سنة 2100.
مركبات الكلوروفلوروكربون هي غازات احتباسٍ حراريٍّ قويَّة؛ حيث أنَّ كل كيلوجرام منبعث من المركبات له تأثيرٌ أكبر من 5000 إلى 11000 مرَّة على التغييرات المناخية مقارنةً بثاني أكسيد الكربون.
في الحقيقة، بحلول سنة 2010 حقَّق بروتوكول مونتريال فوائد مناخية أكبر بستِّ مرَّات مقارنةً ببروتوكول كيوتو، الذي كان هدفه حماية المناخ في الأساس.
القصةُ لم تنتهِ بعد، حيث قام بروتوكول مونتريال بمنع استخدام مركبات الكلوروفلوروكربون وموادَّ كيميائيَّة أخرى، لكن لا زلنا نملك ثلاجات ومكيفات هواء.
كان ذلك ممكنًا عبر استخدام غازاتٍ بديلة مثل الهيدروفلوروكربون خاصة، كنتيجةٍ لذلك ارتفع استخدام هذا الأخير في العقدين الأخيرين بشكلٍ كبير.
إنَّ الهيدروفلوروكربونات لا تُأثر على طبقة الأوزون بشكلٍ خاص؛ لكنها تُعتبر من غازات الاحتباس الحراري كذلك للأسف.
بالاعتماد على الدليلِ العلميّ والمراقبات الدقيقة والنظرية والدراسات النموذجيَّة، قرَّر السياسيون التحرك مجددًا، فاتفقوا على استخدام بروتوكول مونتريال الذي وُضِع لحماية طبقة الأوزون أساسًا من أجل محاربة التغيرات المناخية.
وفي أكتوبر من سنة 2016، اتفقت دول العالم في كيغالي عاصمة رواندا على تعديل البروتوكول للحدِّ من استخدام مركبات الهيدروفلوروكربون بشكلٍ كبيرٍ في المستقبل عالميًا. حيث يُتوقَّعُ أن ينخفض استخدامها ما بين سنوات 2036 و2046 بنسبةٍ تصل إلى 85%.
يُعتبر بروتوكول مونتريال الأكثر نجاحًا على نطاقٍ واسع في مجال الاتفاقات البيئية الدوليَّة، ويمكن اعتبارُ النجاح على صعيد طبقة الأوزون والتغير المناخي كنتيجةٍ للبحث العلمي.
إنَّ الاتصال الواضح والتفاعل المثمر بين العلماء، أصحاب القرار السياسيّ، الصناعيين، الجماعات البيئية، وحرص كل تلك الأطراف على الوصول إلى اتفاقٍ في ظل احترام موقف كل طرفٍ يُعتبرُ نموذجًا رائعًا لاتباعه.
- ترجمة: وليد سايس
- تدقيق: تسنيم المنجد
- المصدر