انتظر معجبو برنامج Jeopardy بلهفة تلك المنافسة التي حدثت بين كمبيوتر شركة IBM المسمى واتسون، وأبطال العالم في الشطرنج كين غينينجيز وبراد روتير في فبراير من عام 2011. فوز واتسون حينها لم يكن مُفاجئًا، لكن كان من الممتع مشاهدته يحدث. أظهرت لنا شركة IBM مدى تقدم الذكاء الاصطناعي، لكنه استغرق عدة عقود ليصل إلى هذا التقدم.
يرجع انتصار واتسون إلى آلة متواضعة تناولت قديمًا لعبة الشطرنج. ظهرت لعبة الشطرنج لأول مرة في سنة 600 بعد الميلاد في منطقة تعرف اليوم بشمال الهند، وبفضل طرق التجارة، انتشرت اللعبة حول العالم، وبحلول القرن التاسع عشر، ظهرت منظمات وبطولات رسمية للعبة الشطرنج.
لكن قبل ذلك، ظهرت أول آلة تلعب الشطرنج. ابتكر المخترع ولفجانغ فون كيمبلن الأوتوماتون لاعب الشطرنج (The Turk) لإمبراطورة النمسا والمجر، وانتشرت تلك الآلة في أوروبا لسنوات. لكنها كانت مزيفة؛ كان شخص ما يختبئ داخلها.
على الرغم من زيفها، فإنها أظهرت لنا كم هو ممتع أن تغلبك آلة!. للوهلة الأولى قد يبدو سخيفًا إهدار الوقت والطاقة لصنع كمبيوتر يلعب الشطرنج. لكن الفكرة تكمن بإمكانية الكمبيوتر على التفكير جيدًا بما يكفي ليلعب الشطرنج، إذ قد يُسخّر في حل مشاكل أكثر تعقيدًا.
قبل الشروع في تصميم أجهزة كمبيوتر خاصة باللعبة، صُمم برنامج للعب الشطرنج. في عام 1947 كتب آلان تورينج -الذي يعد أبًا للذكاء الاصطناعي وعلم الكمبيوتر- البرنامج ولعب الشطرنج مع نفسه على الورق. وفي نهاية الخمسينات، اخترع مبرمج بشركة IBM يلعب الشطرنج، برنامجًا يمكنه خوض منافسة شطرنج كاملة.
القدرة على لعب الشطرنج، تختلف كليًا عن القدرة على الفوز وهزيمة محترفي الشطرنج. إذن، كيف أصبح الكمبيوتر لاعب شطرنج محترفًا؟
لبرمجة كمبيوتر يلعب الشطرنج، يلزمك معرفة تقنيات الشطرنج واستراتيجياته، معرفة قوانين اللعبة الأساسية وكيفية تحريك الأحجار فقط ليس كافيًا. يلعب الناس الشطرنج عبر وضع الخطط وإدراكهم لأنماط اللعب المختلفة. يستخدم الكمبيوتر الخوارزميات (اتباع التعليمات خطوةً بخطوة)، إضافةً إلى الحدس المهني (مصطلح يشير إلى الطرق المستخدمة لحل المشاكل باللجوء إلى التجارب والخبرات). أيضًا، يتضمن نظامًا مخصصًا لدمج خوارزمية تدعى نقطة الاختيار مع تقنية تقييم ألفا بيتا.
خوارزمية نقطة الاختيار؛ تُمكن الكمبيوتر من البحث عن جميع الحركات المحتملة واستجابات الخصم المحتملة لكل حركة. ظهرت هذه الخوارزمية لحاجة الكمبيوتر إلى معرفة أفضل وأسوأ الحركات بعد كل دور يلعبه اللاعبون. تقييم ألفا بيتا يعني أن الكمبيوتر ينشئ شجرتان، الأولى تأخذ في الحسبان كل حركة ممكنة حتى مدى معين، ثم تستبعد بعض هذه الحركات لتنشأ الشجرة الثانية، التي بدورها تبقي الحركات الأفضل في الشجرة الثالثة وتستبعد الباقي. طبعًا تقوم الحواسيب بذلك بسرعة مذهلة، أسرع من قدرات أي إنسان.
بحلول أواخر الستينيات، كانت برامج الشطرنج الكمبيوترية جيدة بما يكفي لهزيمة الهواة، وفي عام 1967، قام لاعب الشطرنج والبروفيسور في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا ريتشارد جرينبلات بتصميم برنامج الشطرنج ماك هاك الرابع. الكمبيوتر الذي حمل هذا البرنامج، استُخدم في منافسات الشطرنج وأصبح أول كمبيوتر يتغلب على شخص في بطولة شطرنج، لكنه لم يكن محترفًا. في عام 1968 راهن محترف الشطرنج الدولي ديفيد ليفاي، أنه لا يمكن لكمبيوتر هزيمته في السنوات العشر القادمة، وأنه إذا فاز بالفعل فسيحتاج الكمبيوتر إلى ما لا يقل عن عشر سنوات أخرى قبل هزيمته من جديد.
فاز ليفاي بالرهان، لكن في عام 1989، حدث ذلك أخيرًا. صُمم برنامج «التفكير العميق» بوساطة مبرمجين تابعين لجامعة كارنيجي ميلون، واستطاع هزيمة ليفاي. في عام 1997 استطاع برنامج «الأزرق العميق» المطور من برنامج «التفكير العميق» الفوز على جاري كاسباروف بطل العالم وخبير الشطرنج (وهو أعلى مستوى يمكن أن تحظى به في منظمة الاتحاد الدولي للشطرنج، ومنظمة الشطرنج العالمية). منذ ذلك الحين انتصر الكمبيوتر كثيرًا. وفقًا لما ذكره أحد أساتذة علوم الكمبيوتر: «لقد استطعنا الوصول بمنافسات الكمبيوتر والبشر إلى أبعد مما كنا نتوقع، لكن ما زال هنالك الكثير من الألعاب الأخرى».
قد لا يكون أحدُنا لاعبَ شطرنج متمرسًا، أو لم يلعب منذ وقت طويل، وفي الواقع، قد لا يكون متأكدًا أنه يعرف حركات الأحجار الأساسية حتى… لكنه لا بد أن يعجب بالمهارة التي تتطلبها اللعبة، ويندهش من القدرة على توقع الاحتمالات في ذهن الخصم. قد لا تعجب بعض الناس فكرة هزيمة أبطال العالم بوساطة كمبيوتر!، لكن أعتقد أنهم نسوا من صنع تلك البرامج والحواسيب، فقدرة الكمبيوتر على التفكير واتخاذ القرارات، هي إقرار على قدرات البشر أيضًا.
اقرأ أيضًا:
حل معضلة الشطرنج الرياضية هذه واحصل على مليون دولار؟
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: سماح عبد اللطيف
مراجعة: حسين جرود