تناولت رواية الخيال العلمي دون Dune «كثيب» لفرانك هربرت عام 1965 موضوعات بيئية وتوقعت مشكلات العالم الواقعي. تُعد رواية دون على نحو واسع أحد أفضل روايات الخيال العلمي المكتوبة، ومن أوائل الروايات التي أخذت المشكلات البيئية بجدية، إضافةً إلى تغيير نوع الخيال العلمي، أصبحت رواية هربرت مقياسًا للحركة البيئية المتنامية في أواخر الستينيات والسبعينيات.

يقول جيري كانافان، رئيس قسم اللغة الإنجليزية في جامعة ماركيت والمحرر المشارك لتاريخ الخيال العلمي: «إنه فعلًا يلفت الانتباه إلى ضرورة التفكير في البيئة، قبل تلك اللحظة لم يكن الناس يفكرون بهذه الطريقة».

حبكة دون «كثيب»

تروي لنا رواية كثيب قصة المراهق النبيل بول أتريدس، الذي أُجبر على مغادرة كوكبه الريفي إلى كوكب الصحراء أراكيس. على الرغم من الطقس الجاف، يرتدي أهالي أراكيس بدلات واقية التي تعيد تكوين رطوبة الجسم، ويحتوي كوكب أراكيس على جميع المخازن المعروفة من المسحوق القيّم «ميلانج» الذي من دونه لا تستطيع الإمبراطورية الكونية العمل.

من بين أمور أخرى، يسهل المسحوق السفر إلى الفضاء ويطيل العمر. فرّ بول إلى الصحراء المليئة بالديدان الرملية، فقد خطط لانتقامه واستجمع قوته وسط قبيلة الفريمان سكان الكوكب الأصليين، بعد أن تعرضت عائلته للخيانة وقُتل والده.

يستعرض هربرت في رواية كثيب العديد من الموضوعات التي تردد صداها خلال عقود من ضمنها شخصيات المسيح، والدين، وعلم تحسين النسل، والاستعمار، واستكشاف الفضاء، واستخدام المخدرات، والجغرافيا السياسية. يرى بعض المعلقين بعض الإشارات إلى الحرب البارد في عمله، إذ يمثل أتريدس الولايات المتحدة، ويمثل منافسيه الهاركونينز الاتحاد السوفيتي.

توقعت رواية كثيب صراعًا على النفط والذكاء الاصطناعي

يُنسب بعد النظر إلى هربرت، إذ أنه توقع على ما يبدو الصراعات المستقبلية للسيطرة على نفط الشرق الأوسط، فضلًا عن توقعه أنواع الحروب التي من شأنها أن تبتلع المنطقة.

تنبأ هربرت ظهور الذكاء الاصطناعي، وقد كتب في روايته أن البشر ثاروا قبل آلاف السنين من ولادة بول أتريدس لتخليص أنفسهم من الكمبيوترات وآلات التفكير.

قال دينيس فيلنوف، مخرج فيلم Dune: Part Two 2024 المقتبس عن الرواية لصحيفة نيويورك: «من المخيف كم كان هربرت دقيقًا». كافح هربرت للعثور على ناشر لرواية كثيب، وتلقى 23 رفضًا قبل قبولها أخيرًا من شركة شيلتون للكتب وبسلفة قدرها 7500 دولار فقط.

بدأت الرواية تتغلغل في الثقافة الشعبية، بعد أن كسبت شعبية واسعة، وحازت على جائزتين مرموقتين في مجال الخيال العلمي، وبيع منها نحو مليون نسخة. حوّل الكتاب إلى فيلم عام 1984، ثم حُول إلى مسلسل قصير عام 2000، ومؤخرًا اقتُبس منه فيلم مؤلف من جزئين الأول عام 2021 والثاني عام 2024.

أشار هربرت أن جورج لوكاس ربما قد أخذ الإلهام من روايته لصناعة فيلم حرب النجوم، ويتفق معه كانافان في هذا الأمر. يشرح كانافان أن صوت بيني جيسيريت في رواية كثيب يشبه إلى حد بعيد القوة: «موطن لوك سكاي ووكر كما يشبه تاتوين إلى حدٍ كبير أراكيس».

فرانك هربرت: عالم بيئي مبكر

أحدثت رواية دون أثرًا كبيرًا على الحركة البيئيّة، التي اعتنقها هربرت بقوة، وقال في يوم الأرض العالمي: «أرفض أن أكون في موقف أُخبر فيه أحفادي، آسف لم يعد هناك عالم لكم، لقد استخدمناه».

ساهم هربرت أيضًا في تنظيم مجموعات بيئية في جامعة واشنطن. كان هربرت من أوائل المؤيدين للطاقة المتجددة، فركب ألواح طاقة شمسية وطاحونة الهواء الخاصة به، وتحدث علانية ضد محركات الاحتراق الداخلي.

فسر العديد من دعاة البيئة رواية كثيب على أنها نقد لصناعة النفط، إذ كتب صديق هربرت ويليس ماكنيلي إن اعتماد الإمبراطورية على مسحوق معين قد يُفسر على أنه قصة رمزية مستترة عن تعطش عالمنا للنفط والمنتجات البترولية الأخرى، ويوافق كانافان قائلًا: «من المستحيل ألا يكون هربرت قد فكر في النفط».

صحارى أوريغون مصدر إلهام هربرت

لم يكن النفط ما أثار فكرة هربرت في المقام الأول، إنما الكثبان الرملية وعلم البيئة.

زار هربرت أوريغون، فلورنسا عام 1957 إذ كانت وزارة الزراعة الأميركية تحاول تحقيق استقرار منطقة الكثبان الرملية ومنعها من تدمير الطرقات والأبنية، عن طريق زراعة عشب الشاطئ وغيرها من الأشجار سريعة النمو، وتقول فيرونيكا كراتز، الباحثة الأدبية في جامعة كوينز في كندا ومؤلفة مقال عن تفكير هربرت البيئي: «بالنسبة لهربرت، كان هذا ملهمًا».

خطط هربرت لكتابة مقال صحفي عن كثبان أوريغون بعنوان: «لقد أوقفوا الرمال المتحركة»، ولكن لم ينتهي من كتابة المقال أبدًا، لكنه دفع هربرت إلى البدء بالبحث عن الكثبان الرملية والصحارى وعلم البيئة ككل.

ادعى المؤلف لاحقًا أنه قرأ أكثر من 200 كتاب، كمراجع لدراسة الكثبان الرمليَة وتأثر على نحو خاص بعالم البيئة بول سيرز.

تقول كاثرين بوس، الأستاذة المساعدة في السينما والدراسات الإعلامية في جامعة شيكاغو، التي كتبت عن هذا الموضوع: «استخدم هربرت لغة سيرز بشكل مباشر في أجزاء معيّنة من رواية كثيب Dune».

موضوع شح المياه

تنسب بوس الفضل إلى هربرت لأنه من أوائل الكتّاب الذين فكروا في التغيير البيئي على الكوكب، وشرحت بوس أن هذا ما جعل هربرت تحديدًا مشهورًا بين علماء المناخ، وأيضًا بسبب إظهاره مدى اعتمادنا على البيئة.

تقول بوس إنه تخيل على وجه التحديد: «ما الذي سيفعله شح المياه الشديد بالمجتمع، وكيف سيشكل كل جانب من جوانب هذا المجتمع». كرس هربرت روايته لعلماء بيئة الأراضي الجافة أينما كانوا، تتضمن روايته شخصية عالم البيئة الذي يحلم بتحضير كوكب أراكاس الجاف.

وفقًا لكراتز، فإن لمذهب هربرت البيئي حدوده، كان يعتقد أنه طالما أن البشر يفهمون العواقب البيئية لأفعالهم، فيمكنهم إدارة استخراج الموارد على نحو فعّال.

يتوق أبطال رواية كثيب على نحو أساسي، لتحويل الصحراء إلى أراضٍ زراعية. يجادل كراتز اليوم هذه الفكرة قائلًا: «المسألة ليست بشأن كيفية إصلاح الصحارى وجعلها أسهل للحياة، المسألة أكبر من ذلك»، بل السؤال هو: «لماذا علينا إصلاح الأراضي الصحراوية؟»، فالمناطق القاحلة مليئة وتنبض بالحياة.

حتى مشروع استقرار الكثبان الرملية في أوريغون الذي وجده هربرت ملهمًا، ينظر علماء البيئة إليه الآن بطريقة سلبية.

في الواقع تجري حاليًا محاولات للتراجع عن العمل السابق، عن طريق إزالة العشب البحري الأوروبي والأنواع الأخرى غير المحلية، يأمل دعاة الحفاظ على البيئة في استعادة النظام البيئي في شواطئ أوريغون الرملية.

اقرأ أيضًا:

تأثير التغير المناخي على المحاصيل والماء في أفريقيا

120 مليون سنة من تاريخ الأرض الجيولوجي يكشفها أحد الأماكن في كندا

ترجمة: أميمة الهلو

تدقيق: ألاء ديب

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر