اخترع البشر العديد من التقنيات لتساعدنا على البقاء متصلين مع أصدقائنا وعائلتنا، ومع أن بعض هذه التقنيات اندثرت ولم تعد مُستخدمة، ما تزال تقنية البلوتوث إحدى أكثر التقنيات المستخدمة شيوعًا، وهي وسيلة اتصال لاسلكي عبر إشارات الراديو. نستخدم تقنية البلوتوث اللاسلكية كثيرًا في حياتنا اليومية، فهي تربط السماعات ولوحة المفاتيح بحواسيبنا، وتربط هواتفنا المحمولة مع سياراتنا لسماع الموسيقا في رحلتنا إلى العمل صباحًا.
لاتصال أي جهازين ببعضهما، يجب أن يتوافق بينهما عدد من النقاط قبل إنشاء الاتصال (أو المحادثة). النقطة الأولى فيزيائية: هل سيتصل الجهازان عبر الأسلاك أو من طريق الإشارات اللاسلكية؟ وفي حالة الأسلاك كم عدد الأسلاك المطلوبة لتحقيق الاتصال؟ سلك واحد أم سلكين أم أكثر؟. إذا توصلت إلى الصفة الفيزيائية للاتصال، تظهر العديد من الأسئلة الأخرى:
- ما كمية البيانات التي يمكن إرسالها في وحدة الزمن؟ مثلًا ترسل المنافذ التسلسلية 1 بت في وحدة الزمن، بينما ترسل المنافذ التفرعية عدة بتات.
- كيف سيتصل الجهازان؟ إذ يجب أن يعرف طرفا الاتصال في هذا الحوار الإلكتروني ماذا يعني البت، وما إذا كان كل طرف قد استقبل نفس الرسالة التي أرسلها الطرف الآخر. ما يعني تطوير مجموعة من الأوامر والاستجابات التي تعرف باسم البروتوكولات Protocols.
تعطينا تقنية البلوتوث جواب هذه الأسئلة. وسنتعلم أكثر عن تقنية البلوتوث في هذا المقال. أولًا علينا اكتشاف كيف تنشئ تقنية البلوتوث اتصالًا لاسلكيًّا.
كيف تُنشئ تقنية البلوتوث الاتصال؟
تنقل تقنية البلوتوث الشبكات صغيرة المساحة إلى المستوى الثاني الذي لا يحتاج إلى تدخل المستخدم، وتستخدم طاقة إرسال منخفضة للغاية لتوفير طاقة البطارية. وهي تقنية أساسية في معيار الشبكات تعمل على مستويين:
- تؤمن توافقًا على المستوى الفيزيائي، وتشكل معيار تردد راديو radio-frequency standard.
- تؤمن توافقًا على مستوى البروتوكول المستخدم، ليتأكد طرفا الاتصال أن الرسالة المستقبَلة هي نفسها المرسَلة.
الميزة الرائعة لتقنية البلوتوث هي أنها اتصال لاسلكي آلي رخيص. لكن توجد طرق أخرى لتجنب استخدام الأسلاك مثل الاتصال بالأشعة تحت الحمراء.
الأشعة تحت الحمراء Infrared (IR) هي موجات ضوئية ذات تردد أقل مما تستطيع العين استقباله وترجمته، وتُستخدم في معظم أجهزة التحكم في التلفاز.
يعد هذا النوع من الاتصالات موثوقًا إلى حد ما وغير مكلف، ولكن يعيق استخدامه أمران: أولًا، إن تقنية الاتصال عبر الأشعة تحت الحمراء هي تقنية تعتمد على توفر خط نظر Line Of Sight.
أي إن عليك توجيه الجهاز إلى التلفاز أو مشغل الفيديو. يتمثل العائق الثاني في أن تقنية الاتصال بالأشعة تحت الحمراء هي تقنية تسمح بالاتصال بين طرفين فقط one to one. إذ يمكنك إرسال البيانات من حاسوب المكتب إلى حاسوبك المحمول لكن لا يمكنك في نفس الوقت إرسالها إلى حاسوبك اللوحي.
لاتصال الأشعة تحت الحمراء ميزات عديدة. إن أجهزة إرسال واستقبال الأشعة تحت الحمراء يجب أن تكون مصطفة، ما يجعل التداخل بينها نادر الحدوث. طبيعة الاتصال بالأشعة تحت الحمراء بين جهازين تجعلك تتأكد أن الرسالة قد ذهبت فقط إلى الجهاز المقصود، حتى لو كانت الغرفة ممتلئة بأجهزة الاستقبال الأخرى.
تقدم تقنية البلوتوث ميزات أكثر من أنظمة الاتصال بالأشعة تحت الحمراء. إذ يمكنها الاتصال بعدة أجهزة، ولا تتطلب خط نظر بين الأجهزة حتى تعمل. دعنا نكتشف كيف تعمل شبكات البلوتوث.
كيف يعمل البلوتوث؟
ترسل شبكات البلوتوث البيانات عبر موجات راديو منخفضة القدرة، على تردد 2.45 غيغاهرتز (للدقة 2.400-2.483 غيغاهرتز)، وهو ضمن الترددات المتفق عليها دوليًّا للاستخدام في الأجهزة الصناعية والعلمية والطبيةIndustrial, Scientific and Medical (ISM bands) .
قد يُستخدم نفس التردد في بعض الأجهزة الأخرى، إذ تستخدم أجهزة مراقبة الأطفال وأجهزة فتح باب المرآب والجيل الجديد من الهواتف المحمولة نفس المجال الترددي ISM. وقد كان التأكد من أن تقنية البلوتوث لن تتداخل مع تلك الأجهزة تحديًّا كبيرًا.
وفقًا للتقنيين، تُستخدم هذه التقنية في مدى أكبر من 3,281 قدم (1 كيلومتر)، ولكن لتتجنب أجهزة البلوتوث التداخل مع الأنظمة الأخرى فإنها ترسل إشارات منخفضة القدرة جدًّا (نحو 100 ميلي واط) ولذلك لا يتجاوز مجال عمل أجهزة البلوتوث 656.2 قدم (200 متر)، ما يمنع حدوث تداخل بين نظام حاسوبك وهاتفك المحمول أو تلفازك. وحتى باستخدام الطاقة المنخفضة هذه، لا تتطلب تقنية البلوتوث وجود خط نظر بين الأجهزة المتصلة، ولا تمنع الجدران مرور إشارات البلوتوث، ما يمكننا من التحكم في الأجهزة المتواجدة في غرف مختلفة من المنزل.
تستطيع تقنية البلوتوث التعامل مع العديد من الأجهزة في الوقت ذاته. ربما تظن أن الأجهزة الموجودة في نطاق 10 أمتار ستتداخل، لكن ذلك لا يحدث. إذ يستخدم البلوتوث تقنية اتصال القفز الترددي للطيف المنثور spread spectrum frequency hopping ما يمنع أن يرسل أكثر من جهاز رسائل على نفس التردد في نفس الوقت. في هذه التقنية، ستستخدم الأجهزة 79 ترددًا عشوائيًّا مختارًا ضمن مجال معين، وتتغير من تردد إلى آخر بانتظام.
عند استخدام هذه التقنية في البلوتوث، فإن المرسل يغير التردد 1600 مرة كل ثانية، ما يعني أن الأجهزة تستخدم كامل النطاق المحدد لها من طيف الراديو. وبما أن كل جهاز مرسل يستخدم الإرسال الآلي بالنثر الطيفي، فمن غير المحتمل أن يرسل جهازان الإشارة على نفس التردد في نفس الوقت. تقلل هذه التقنية من مخاطر تداخل أجهزة الهاتف المحمول وأجهزة مراقبة الأطفال مع أجهزة البلوتوث، مع إن أي تداخل محتمل لن يدوم إلا جزءًا من الثانية.
عندما تعمل أجهزة البلوثوت ضمن نطاق مشترك، تلعب المحادثة الإلكترونية دورًا في تحديد ما إذا كانت هذه الأجهزة تمتلك بيانات لتشاركها أم أن أحدها يحتاج إلى التحكم في الآخر. ليس على المستخدم ضغط أي زر أو إعطاء أي أمر لأن المحادثة الإلكترونية تحدث آليًّا. وعندما تنتهي المحادثة الإلكترونية تبني هذه الأجهزة شبكتها الخاصة حتى لو كانت جزءًا من نظام الحاسوب أو مكبر الصوت.
تبني أنظمة البلوتوث شبكة شخصية Personal Area Network أو ما يسمى piconet قد تملأ الغرفة أو قد تشمل فقط المسافة بين هاتفك المحمول وسماعات الأذن. فور إنشاء الشبكة الخاصة، تحافظ القفزات الترددية العشوائية على الانسجام والتوافق بين الجهازين وتتجنب الشبكات الأخرى الموجودة في نفس الغرفة. دعنا نلقي نظرة على مثال لنظام اتصال بالبلوتوث.
تخيل غرفة معيشة نموذجية تحوي أثاثًا نموذجيًّا حديثًا. في الغرفة نظام تسلية ومشغل أقراص DVD وتلفاز ومضخم صوت ذكي وهاتف ذكي وهاتف أرضي لاسلكي وحاسوب محمول. تستخدم كل هذه الأجهزة تقنية البلوتوث، وكل منها يشكل شبكته الخاصة ليتصل مع وحدته الأساسية.
يحوي الهاتف الأرضي اللاسلكي جهاز إرسال لإشارة البلوتوث في كل من قاعدته الثابتة والسماعة. برمجت الشركة المصنعة كل وحدة إرسال بعنوان يقع ضمن مجال من العناوين المخصصة لنوع محدد من الأجهزة. فعندما تُشغَل القاعدة أولًا، ترسل إشارة راديو طالبةً استجابة الوحدات المبرمجة بعنوان يقع في مجالها المحدد. وما دامت السماعة تحوي عنوانًا يقع في هذا المجال فإنه يستجيب للطلب، ما يُنشِئ هذه الشبكة الصغيرة. وترفض هذه الأجهزة استقبال إشارة من أنظمة أخرى لأنها لا تنتمي إلى نفس الشبكة.
يجري كل من الحاسوب ونظام التسلية نفس العملية، إذ يشكل كل منهما شبكات من طريق عناوين ضمن مجالات تحددها الشركات المصنعة. فور إنشاء هذه الشبكات تبدأ الأنظمة بالتواصل. تؤدي كل شبكة القفزات الترددية ضمن الترددات المتاحة لها وتبقى مستقلةً عن الشبكات الأخرى.
الآن تحتوي غرفة المعيشة 3 شبكات خاصة منفصلة، كل منها مكون من أجهزة تعرف عنوان أجهزة الإرسال التي عليها الاستماع إليها وأجهزة الاستقبال التي عليها التواصل معها. وبما أن كل شبكة تغير التردد الذي تعمل عليه آلاف المرات في الثانية، فمن غير المحتمل أن تعمل شبكتان على نفس التردد في نفس الوقت. ولو حدث تداخل فلن يستمر إلا أجزاء من الثانية فقط ثم تلغي البرامج المصممة لتصحيح الأخطاء المعلومات الخاطئة وتواصل أداء أعمال الشبكة.
أمن تقنية البلوتوث
يحظى أمن المعلومات باهتمام بالغ عند إنشاء أي شبكة لاسلكية. إذ تلتقط الأجهزة إشارات الراديو بسهولة، لذلك يجب على من يرسلون معلومات حساسة عبر الشبكة اللاسلكية أخذ الحيطة لتأكيد أن تلك الإشارات لن تُعترض.
لا تختلف تقنية البلوتوث عن الشبكات اللاسلكية، فهي عرضة للتجسس ويمكن الوصول إليها عن بعد، وهي قابلة للاعتراض إذا كانت الشبكة غير محمية، مثل تقنية الواي فاي Wi-Fi. وبسبب طبيعة الاتصال الآلي لتقنية البلوتوث فقد يستغلها من يريد إرسال البيانات إليك دون إذن.
تؤمن تقنية البلوتوث أمن الاتصال بعدة طرق، وتحدد شركات تصنيع الجهاز نموذج الأمن المتضمن فيه. في معظم الحالات، يستطيع المستخدِم تحديد (الأجهزة الموثوقة) القادرة على نقل البيانات دون إذن، وعندما يحاول جهاز ما الاتصال بالبلوتوث يقرر المستخدم إذا كان مسموحًا له أم لا. إذ يعمل أمن مستوى الخدمة Service-level security وأمن مستوى الجهاز Device-level security معًا لحماية الجهاز من البيانات غير المصرح بها.
تتضمن طرق الأمان إجراءات التصريح وتحديد الهوية، وتتطلب تحديد المستخدِم نوع الخدمة (فتح الملفات أو نقلها). وما دامت هذه التدابير متاحة لهاتف المستخدم ومن يتواصل معه، فمن غير الحتمل أن يحدث نقل غير مصرح به للبيانات. يستطيع المستخدم ببساطة تبديل وضع البلوتوث إلى (غير مرئي) ما يجنبه الاتصال بأجهزة البلوتوث الأخرى تمامًا. وإذا كان المستخدِم يستخدم شبكة البلوتوث أساسًا لمزامنة الأجهزة في المنزل، فستكون طريقةً جيدة لتجنب أي فرصة للاختراق.
مع ذلك استغل مبرمجو فيروسات الهواتف الخلوية القديمة مزايا عملية الاتصال الآلي في البلوتوث لإرسال ملفات فاسدة. لكن ضرر هذه الملفات الفاسدة محدود لأن أي اتصال بالبلوتوث يتطلب عملية تصريح ومصادقة قبل قبول نقل الملفات من جهاز غير معروف. لن يصاب الجهاز الخلوي الخاص بالمستخدِم (الجهاز الذكي) بالفيروس إذا لم يفتحه أو يثبته، ما منع أكثر الفيروسات من إلحاق أضرار بالأجهزة الخلوية.
أدت تقنية البلوتوث إلى بعض المشكلات التي سببت قضايا أمنية خطيرة، مثل إرسال رسائل غير مرغوبة Bluejacking أو قرصنة أجهزة البلوتوث bluebugging واختراق جهاز البلوتوث في السيارة car Whisperer.
تُرسَل الرسائل غير المرغوبة إلى مستخدمين آخرين ضمن المجال، ومع أن المعلومات الحساسة لا تظهر فإن الرسائل غير المرغوبة تظهر على جهازك. يشبه الوصول غير المصرح به إلى الجهاز Bluesnarfing إرسال الرسائل غير المرغوبة Bluejacking، لكن الرسائل المرسَلة تتضمن رمزًا يجبر جهاز الاستقبال على الرد، ليرسل معلومات الاتصال مرة أخرى.
تسمح القرصنة Bluebugging بالوصول عن بعد إلى جهاز المستخدم واستخدام ميزاته، مثل إجراء المكالمات وإرسال الرسائل دون أن يدرك المستخدم ذلك. تتطلب قرصنة blueborne من مالك الجهاز المستهدف أن يشغل جهازه أولًا، بعد ذلك يستطيع القرصان التحكم في شاشته وتطبيقاته.
تستغل عملية اختراق جهاز بلوتوث السيارة عدم قدرة أصحاب السيارات على تغيير رقم التعريف الشخصي لأداة البلوتوث (الذي تضعه الشركة المصنعة)، ما يسمح للقراصنة بإرسال المقاطع الموسيقية واستقبالها من الجهاز.
مثل هذه الثغرات هي آثار جانبية لأي ابتكار تقني، وتطلق الشركات المصنعة للأجهزة تحديثات للبرامج الأمنية التي تعالج المشاكل الجديدة عند ظهورها. يستطيع المستخدم تجنب الاختراق من طريق تغيير رمز PIN أو كلمة المرور الافتراضية التي تضعها الشركة المصنعة، وجعل شبكة البلوتوث الخاصة به غير مرئية للأجهزة الأخرى.
اقرأ أيضًا:
الاتصال بشبكة الواي فاي بدون دوائر إلكترونية صار ممكنًا!
رسميًا إطلاق شبكة واي فاي جديدة أسرع: إليك ما تحتاج معرفته
ترجمة: فارس بلول
تدقيق: غزل الكردي
مراجعة: أكرم محيي الدين