كيف تعمل الكهرباء
ارتبط الإنسان بالكهرباء بشكل وطيد، لدرجة أنه أصبح من غير الممكن لنا فصل حياتنا عنها. في هذا المقال سنحاول توضيح ماهية الكهرباء، من أين تأتي، وكيف يستفيد البشر منها.
الكهرباء الساكنة وقانون كولوم:
يُعتبر طاليس المايلطي «Thales of Miletus» أول شخص درس الكهرباء منذ عام 600 تقريبًا قبل الميلاد، وهو فيلسوف إغريقي وأحد الحكماء السبعة عند اليونان، وتوصل بالتجربة إلى أنّ احتكاك الكهرمان بالحرير يجعله قادرًا على جذب الغبار والريش والأشياء خفيفة الوزن. وكانت هذه بمثابة أولى التجارب التي تتعلق بالكهرباء الساكنة.
في الواقع تأتي كلمة كهرباء (electricity) من الكلمة اليونانية (elektron)، والتي تعني الكهرمان (الجسيم الكهربائي بتعريفه البدائي).
لم تُستَكمَل التجارب حتى القرن السابع عشر عندما بدأ الإنجليزي وليام جيلبرت «William Gilbert» بدراسة المغناطيسية والكهرباء الساكنة. ومع اقتراب نهاية القرن السابع عشر، بدأ العلماء ببَلوَرة صورة أوضح عن كيفية عمل الكهرباء، حيث أجرى الأمريكي بنجامين فرانكلين «Benjamin Franklin» تجربةً خطيرةً باستخدام طائرة ورقية أثبت من خلالها أن البرق عبارة عن كهرباء. كما وطرح فرانكلن فكرة هامة وهي أنّ للكهرباء عناصر موجبة وأُخرى سالبة وهي تتدفّق من الموجب إلى السالب.
ولاحقًا أجرى العالم الفرنسي شارل أوغستان دي كولوم «Charles Augustin de Coulomb» تجارب عديدة لتحديد المتغيرات التي تؤثر على القوة الكهربائية، توصّل من خلالها إلى قانون كولوم الشهير والذي ينصّ على أنّ الشحنات المتماثلة تتنافر بينما المتعاكسة تتجاذب، بحيث تكون قوة التجاذب أو التنافر متناسبة طردًا مع جداء الشحنات وعكسًا مع مربع المسافة بينهم.
الكهرباء وبنية الذرة:
بقيت الكهرباء شيئًا مبهمًا لكثير من العلماء حتى اكتشاف وجود الإلكترونات عام 1897، وكان ذلك بمثابة بداية عصر الكهرباء الحديث.
معظمنا يعلم بأن المادة تتكون من ذرات، وكل ذرة تتكون من نواة تدور حولها إلكترونات سالبة الشحنة. ترتبط الإلكترونات بالنواة بشكل وثيق في العديد من المواد كالزجاج والخشب والبلاستيك والهواء. هذه المواد لا يمكنها نقل الكهرباء، لأن ذراتها تقاوم مشاركة الإلكترونات مع الذرات الأخرى، وبالتالي تدعى بالمواد العازلة.
لكن هناك نوع آخر من المواد، تميل ذراته لمشاركة الإلكترونات ذات الارتباط الضعيف بالنواة وتُدعى هذه الإلكترونات بالإلكترونات الحرّة. لذلك تتميز هذه المواد بقدرتها على نقل الكهرباء وبالتالي تُدعى بالمواد الناقلة.
من هنا نجد أنّ الكهرباء تحتاج إلى وسط ناقل (موصل) لكي تمر. كما وتحتاج أيضًا إلى شيء ما، كالمولد الكهربائي (قوة محرّكة كهربائية)، يدفعها للانتقال من نقطة إلى أُخرى عبر هذا الناقل.
المولدات الكهربائية:
في القرن التاسع عشر، مهّد البريطاني مايكل فاراداي «Michael Faraday» الطريق نحو عالمنا الحالي الذي تتحكم الكهرباء بكل مفاصله، حيث اخترع أول مولد كهربائي يُدعى الدينامو «dynamo»، إضافةً إلى أول محرك كهربائي.
المولد الكهربائي هو آلة دوّارة، يجري فيها تحريك مغناطيس بالقرب من سلك معدني ناقل، مما يولّد سيلًا منتظمًا من الإلكترونات، وتُعدّ المولدات بمثابة القلب النابض لمحطات الطاقة الحديثة.
يمكن تبسيط فكرة المولّد من خلال تشبيهه بمضخة تدفع المياه من خلال الأنابيب، لكن بدلًا من دفعه للمياه، يستخدم المولد مغناطيساً لدفع الإلكترونات عبر النواقل.
توليد الكهرباء:
يمكن توليد الكهرباء باستخدام المولد الذي ابتكره فاراداي، حيث تدور فيه ملفات نحاسية بين أقطاب المغناطيس وبالتالي ينتج عن ذلك تيار كهربائي منتظَم، ومن ثمّ تجري عملية نقل الكهرباء للمستهلكين عبر خطوط نقل متصلة بالمولد.
يتم تأمين الحركة الدورانية للمولد عن طريق ربط محور المولد مع عنفة أو توربين «turbine»، ومن ثمّ تقوم مصادر أُخرى للطاقة بتشغيل العنفة، كتساقط المياه من السدود مثلًا، أو من خلال استخدام البخار الناتج عن تسخين المياه عن طريق حرق الفحم الحجري، أو باستخدام وسائل أخرى.
هنالك أنواع عديدة من محطات التوليد نذكر منها: محطات الطاقة الكهرومائية، ومحطات الطاقة الرياحية، ومحطات الطاقة الكهروحرارية، ومحطات الطاقة النووية وغيرها. جميعها تعمل على نفس المبدأ الأساسي القائم على تحويل الطاقة الميكانيكية (دوران التوربين) إلى طاقة كهربائية.
الدارات الكهربائية:
الدارات الكهربائية متنوعة بشكل كبير، كما أنّ بعضها معقّد للغاية، لكنها بشكل عام تتكون من: منبع جهد كهربائي، وحمل، بالإضافة إلى سلكين لنقل الكهرباء بينهما. تكون حركة الإلكترونات من المنبع نحو الحمل، ومن ثمّ تعود إلى المنبع.
تمتلك الإلكترونات المتحركة طاقة وبالتالي عندما تنتقل من نقطة إلى أُخرى فإنها تقوم بعمل. فمثلًا في المصباح الوهاج، تُستخدم طاقة الإلكترونات لإنتاج حرارة، والحرارة بدورها تُنتج ضوءً. أمّا في المحرك الكهربائي، فتُنتج طاقة الإلكترونات حقلًا مغناطيسيًا يتفاعل مع المغانط الأُخرى (من خلال التجاذب والتنافر) وبالتالي تنشأ الحركة.
سواءً عند استخدام البطاريات أو الخلايا الشمسية كمصدر لإنتاج الكهرباء، هنالك ثلاثة أشياء تبقى ثابتة:
1. يجب أن يكون لمنبع الكهرباء طرفين اثنين، أحدهما موجب والآخر سالب.
2. يقوم المنبع الكهربائي (سواء أكان مولد أم بطارية أم أي شيء آخر) بدفع الإلكترونات من طرفه السالب عند توتر معين.
3. تتدفق الإلكترونات من الطرف السالب إلى الموجب عبر سلك نحاسي أو عبر ناقل آخر.
المحركات الكهربائية:
تُعد المحركات الكهربائية واحدة من أكثر الآلات المستخدمة في أنشطتنا اليومية. تعمل على نفس المبادئ الأساسية للمولدات، ولكن في الاتجاه المعاكس، فهي تحول الطاقة الكهربائية إلى طاقة ميكانيكية.
يتم ذلك عن طريق استخدام أنواع خاصة من المغانط تُعرف باسم المغانط الكهربائية (electromagnets). والتي تتكون من قضيب حديدي عليه أسلاك على شكل لفائف. عند تمرير تيار كهربائي عبر السلك يتشكل حقل مغناطيسي في القضيب الحديدي فيتمغنط (أي يصبح مغناطيسًا)، في حين تزول خواص المغنطة هذه عند إيقاف التيار الكهربائي.
يمكن تسخير الطاقة الميكانيكية الناتجة عن المحرك للقيام بعمل مفيد لمجموعة متنوعة من الآلات، سواءً داخل المنزل أو في المصانع ووسائل النقل أو حتى في ألعاب الأطفال والروبوتات وغيرها.
التوتر والتيار والمقاومة:
يدعى تدفق الإلكترونات في الدارة الكهربائية بالتيار الكهربائي ويقاس بواحدة الأمبير. بينما تُدعى القوة التي تدفع الإلكترونات بالتوتر (الجهد) الكهربائي ويقاس بواحدة الفولت. يمكن حساب كمية الكهرباء المستهلكة خلال ساعة من خلال معرفة شدة التيار الذي يسحبه الحمل وقيمة التوتر الذي يعمل عنده، وتقاس عادةً بالواط الساعي أو كيلو واط ساعي.
هنالك خاصية فيزيائية تتميز بها الموصلات (النواقل) في الدوائر الكهربائية تُدعى المقاومة الكهربائية، وتُعرف على أنها قدرة المواد على إعاقة مرور التيار الكهربائي (تدفق الإلكترونات) فيها، وتقاس بواحدة الأوم «ohm».
ترتبط البارامترات الثلاثة (التوتر، التيار، المقاومة) مع بعضها البعض بمعادلة هامة تُدعى قانون أوم: التيار=التوتر/المقاومة.
التيار المستمر والتيار المتناوب:
تنتج كل من البطاريات وخلايا الوقود والخلايا الشمسية تيارًا مستمرًا (DC)، يمر هذا التيار دائمًا في نفس الاتجاه بين الطرفين الموجب والسالب. بينما تُنتج محطات الطاقة تيارًا متناوبًا (مترددًا) (AC) يعكس اتجاهه بشكل دوري 60 مرة في الثانية الواحدة (في أمريكا)، أو 50 مرة في الثانية الواحدة (في أوروبا).
يمكن التحكم بقيمة الجهد الكهربائي بسهولة في أنظمة الطاقة العاملة بالتيار المتناوب عن طريق استخدام أجهزة تدعى المحولات الكهربائية، والتي تقوم بتغيير قيمة التوتر الكهربائي من قيمة إلى قيمة أخرى أعلى أو أقل حسب الغرض المطلوب.
حيث توفّر شركات الكهرباء قدرًا كبيرًا من المال باستخدام جهود عالية جدًا (مثل1 مليون فولت) لنقل الطاقة لمسافات طويلة. لأن رفع قيمة التوتر يقابله انخفاض شدة التيار عند نفس استطاعة التوليد، وبالتالي قيمة تيار أقل يعني استخدام أسلاك ذات مقاطع أصغر، وهكذا تقل تكاليف نقل الكهرباء. بعد ذلك يتم تخفيض قيمة التوتر لمستوى أقل مناسب للمستهلين.
إعداد: يامن السيوفي
تدقيق: الياس سعود
المصدر