توجد دعابة قديمة تشبه فكرة هذا المقال: الترموس يحافظ على الأشياء الساخنة ساخنة والأشياء الباردة باردة، لكن كيف؟

تكمن المفارقة في أن القائل لا يعلم كيف يعمل الترموس، مع أنه سؤال شائع الى حد بعيد. لا عيب في ألا تعلم كيف تعمل الأواني الفخارية، إضافةً إلى أن الإجابة شيقة إلى حد ما.

يعلم الجميع أن القوارير العازلة لا تعلم متى ينبغي أن تُبقي الأشياء ساخنة أو باردة، لذلك يصبح السؤال السابق: كيف تبقي القوارير العازلة الأشياء الساخنة ساخنة والأشياء الباردة باردة؟ الإجابة عن هذا السؤال تصبح أسهل قليلًا باستخدام بعض مبادئ الديناميكا الحرارية قديمة الطراز.

القوارير العازلة شائعة إلى حد ما اليوم، وتستخدم بشكل واسع للحفظ، فتبقي مثلًا الفاصولياء المطبوخة دافئة، لكن مثلما اختُرع الميكروويف أصلًا لغرض مرتبط بحيوانات التجارب، انبثقت القوارير العازلة من بحث غير مرتبط بالغذاء.

في أواخر القرن التاسع عشر، طور الكيميائي الفيزيائي الأسكتلندي جيمس ديوار آلة قادرة على إنتاج كميات كبيرة من الأكسجين السائل، إذ كانت المشكلة أن الأكسجين السائل يغلى في حدود -183 درجة مئوية، ولا توجد طريقة لحفظه باردًا لفترة كافية لدراسته.

كان يقاوم قوانين الديناميكا الحرارية -كما ينبغي له أن يفعل- خاصةً القانون الثاني الذي يفرض أن الحرارة تسري من الأماكن الأسخن إلى الأبرد، نعلم أن القانون الثاني يقول أكثر من ذلك، لكن هذا الفهم الخاص بالقرن التاسع عشر كافٍ للحديث عن الجهاز الذي يُبقي الفاصولياء دافئة.

تُفقد الحرارة في البيئة بثلاثة طرق: التوصيل، والحمل الحراري، والإشعاع. التوصيل هو انتقال الحرارة الذي يحدث بالاتصال المباشر وتنتقل الطاقة فيه بواسطة تصادمات بين الجزيئات والذرات، أما الحمل الحراري فيحدث في السوائل، إذ يصعد السائل الأسخن إلى أعلى النظام وينزل الأبرد، ما يخلق تيارات الحمل الحراري، وأما الإشعاع فيحدث بواسطة الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة عندما تتحرك الذرات أو تهتز.

عندما تضع قهوة ساخنة في كوب، تُفقد الحرارة بواسطة التوصيل، لأن الذرات داخل كوبك تتصادم مع جوانبه ومع الهواء بالأعلى ناقلةً بعض طاقتها له، يساعد الحمل الحراري على إسراع الأمور، إذ ينقل السائل الأسخن للأعلى ليبرد بدوره حتى تتطابق درجة حرارة كوبك مع البيئة المحيطة.

ابتكر ديوار طريقة لإبطاء هذه العمليات بشكل ملحوظ، اقتصرت في حالته على الحفاظ على السائل باردًا، ففي 1892 ابتكر حلًا بسيطًا لكنه عبقري، فوضع ببساطة دورق معمل داخل دورق آخر، منفصلين بفراغ شبه كامل، تمنع طبقة الفراغ التوصيل والحمل الحراري داخل القارورة، واستخدم مادةً عاكسة لإبطاء الإشعاع.

يبطئ النظام تسخين أو تبريد السوائل والمواد بعزلها عن البيئة المحيطة، لم يحصل ديوار على براءة اختراع لهذا النظام الذي ابتكره، لكن سرعان ما تطورت قوارير أصغر عرفت بعد ذلك باسم الترموس، بعدما حصلت الشركة على براءة اختراع لها.

اقرأ أيضًا:

علماء يصنعون أبرد جزيء كبير على الإطلاق، وله رابطة كيميائية غريبة

لماذا لا يصدأ الستانلس ستيل؟

ترجمة: وليد محمد عبد المنعم

تدقيق: تمام طعمة

المصدر