تظهر أسلحة الليزر في أفلام سينمائية عدة، إذ تستعمل في حروب الفضاء وغيرها من الأفكار السينمائية التي تجذب المشاهد، ويُعد فيلم star wars (حرب النجوم) من أهم تلك الأفلام التي استعملت طاقة أشعة الليزر للقضاء على الأعداء. ولكن، هل يمكن حقًا استعمال الليزر سلاحًا في الحروب؟ قد يبدو الأمر خيالًا علميًا فقط، لذا يحاول مختبر أبحاث القوات الجوية الأمريكية الإجابة عن هذه التساؤلات عبر مشروعٍ جديد يهتم بصنع أسلحة ليزر ذات طاقة عالية، مثل سلاح ليزر في الطائرات الحربية (airborne laser)، وبندقية ليزر (PHaSR) أيضًا.
هنالك العديد من الميزات التي تجعل الليزر سلاحًا أفضل من الرصاص والقذائف المتفجرة العادية. أولاً، ينطلق الليزر بسرعة الضوء. ثانيًا، يتميز بدقة عالية جدًا تسمح بإصابة الهدف مباشرة. إضافة إلى ذلك، يمكن التحكم بكمية الطاقة التي يرغب الشخص بإطلاقها، فيمكن زيادتها، أو خفضها نسبة للهدف المُراد إصابته.
حاليًا، تجري القوات الجوية التجارب على ثلاثة أنواع من الأسلحة التي تعتمد الليزر، وهي الطائرات المزودة بالليزر، والبندقية المزودة بالليزر، ونظام الرفض النشط.
كيف يمكن لليزر أن يصبح سلاحًا؟
يمكن فهم ذلك عبر مراقبة أي مصباح ذي ضوء ساطع في المنزل، إذ يُعد الليزر مصدرًا للضوء أيضًا. يرسل المصباح موجات ضوئية في جميع الاتجاهات، وتمتلك كل موجة قمةً وقاعًا، وهنالك العديد من هذه القمم والقيعان، إضافةً إلى ذلك، تمتلك هذه الموجات ترددات عدة تُحدد اللون، وتجتمع هذه الترددات معًا لتعطي اللون الأبيض.
الآن، لنتخيل مصباحًا يدويًا يمتلك ضوءًا مركزًا في اتجاه واحد، إذ ينطلق الضوء في هذا الاتجاه وفق الجهة التي توجه إليها المصباح، لا يزال هذا المصباح اليدوي يمتلك ترددات عدة تجتمع لتعطي ما يشبه اللون الأبيض.
أما الليزر، فإن الضوء المنطلق منه مُركز بنسبةٍ أعلى من المصباح اليدوي، إضافةً إلى ذلك، يعطي الليزر ترددًا واحدًا للضوء (ما يعني طول موجة واحدة ولون واحد). وبالنظر إلى تفاصيل الموجة المنطلقة من الليزر، فإن القيعان والقمم متزامنة مع بعضها، ما يعني عدم تداخل موجتين، وأما الخاصية الأخيرة لليزر فهي أن ضوئه ينطلق باتجاه واحد، ويُصدر الليزر ضوءًا ذا طاقة هائلة تفوق ضوء المصباح بما يعادل ألفًا إلى مليون مرة، وهناك عدة أنواع لليزر، يتميز كلٌ منها بطول موجة معين.
يُعد الليزر مصدرًا للطاقة التي يمكنها قطع مسافات طويلة جدًا، وهذه الخاصية تُعطيه المقدرة على أن يكون سلاحًا فعالًا في الحروب. مقارنةً بغيره من مصادر الضوء، يُطلق الليزر الضوء بطريقةٍ غير تقليدية، عبر تضخيم الضوء بالانبعاث المحفز بالإشعاع. بمعنى آخر، فإن الليزر يحفز انطلاق الفوتونات.
للقيام بذلك، هنالك أربعة مكونات أساسية يتكون منها هذا الجهاز:
- الوسط الليزري: يعد مصدر الذرات التي تُصدر موجة معينة، ويمكن أن يكون هذا الوسط سائلًا أو صلبًا، أو نوعًا من الغاز.
- مصدر طاقة: الطاقة التي تدفع الذرات الموجودة في الوسط الليزري للوصول إلى الحالة المُثارة (وهي حالة كمية تكون الطاقة فيها أعلى من الطاقة القاعية).
- المرايا: تسمح المرايا للضوء بالانعكاس والتنقل في الوسط الليزري والانطلاق إلى الخارج.
- العدسة: تمتلك معظم الليزرات نوعًا معينًا من العدسات، التي تسمح لها بتركيز الضوء وتكثيفه إلى نقطةٍ معينة.
تحدث عملية إطلاق أشعة الليزر من طريق تخزين وإطلاق للطاقة، إذ تنطلق الأخيرة من المصدر نحو الوسط الليزري، ما يُحفز الإلكترونات الموجودة هناك لتنتقل إلى مستوى طاقة أعلى. تُطلق الفوتونات عند ثبات الإلكترونات في المستوى الأعلى، وتنتقل هذه الفوتونات داخل الوسط الليزري لتحفز إلكترونات أخرى، وبهذه الطريقة، ينطلق ضوءٌ مُركز في اتجاه واحد إلى خارج الليزر.
الليزر في الاستعمالات العسكرية:
هنالك أنواع عدة من الليزر تهدف للاستعمالات العسكرية، أهمها:
- ليزر الحالة الصلبة ((solid state laser: يمتلك هذا الليزر وسطًا ليزريًا يتكون من كريستال صلب، ويصدر طول موجة يصل إلى 1.08 ميكرو متر.
- ليزر غازي (gas laser): يمتلك وسطًا ليزريًا يتكون من غازات متفاعلة كالفلورين والكلورين، أو غازات خاملة، كالأرغون والكريبتون، ويصل طول موجة ليزر الأرغون فلوريد إلى 193 نانومتر.
- ليزر سائل: يمتلك وسطًا ليزريًا يتألف من صبغة الفلورنست كالرودامين، ويطلق هذا الليزر طول موجة تتراوح بين 570 إلى 650 نانومتر.
- ليزر ثاني أكسيد الكربون: تُجرى التجارب عليه حاليًا بسبب فعاليته في قطع المعادن.
إضافةً إلى ذلك، هنالك أنواع أخرى تُدرس من ناحية عسكرية مثل ليزر الإلكترونات، الذي جرى اكتشافه عام 1970 بوساطة الفيزيائي في جامعة ستانفورد جون مادلي، ويتكون من قاذف إلكترونات ومسرع جزيئات وجهاز تموج مغناطيسي (magnetic undulator)، ويعمل بهذه الطريقة: يصدر قاذف الإلكترونات مجموعة من الإلكترونات نحو مسرع الجزيئات، إذ يقوم الأخير بتسريع هذه الجزيئات لسرعة مقاربة لسرعة الضوء. بعدها، تمر الإلكترونات المسرعة من طريق جهاز التموج المغناطيسي الذي يتألف من عدة مغانط متغيرة الاتجاهات. مع مرور الإلكترونات داخل جهاز التموج، تتذبذب الإلكترونات، ومع كل تغيير اتجاه، تُطلق طول موجة مُعين. يُذكر أن تغيير المسافة بين المغانط يساهم في تغيير طول الموجة، إذ يمكن تغيير ليزر الإلكترونات ليطلق طول موجة يتراوح بين الأشعة ما بين الحمراء والأشعة السينية.
سابقًا، استُعمل ليزر الإلكترونات الحر لإصدار الأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية داخل المسرع الدوراني التزامني. بات ليزر الإلكترونات الحر ذو تطبيقات عسكرية إثر اهتمام برنامج مبادرة الدفاع الاستراتيجي الخاص بوزارة الدفاع الأمريكية. أما الآن، فقد تحصلت مدرسة الدراسات العليا البحرية الأمريكية على ليزر الإلكترونات الأصلي الذي صنعة مادلي، للقيام بدراسات وتطبيقات عليه.
من جهةٍ أخرى، وفي عام 1977 أيضًا، صنع الجيش الأمريكي ليزرًا كيميائيًا يعتمد على الأوكسجين واليود ((chemical oxygen iodine laser COIL. مصدر ضوء هذا الليزر هو تفاعل كيميائي بين هذين العنصرين، أما الوسط الليزري فهو مؤلف من ثنائي اليود. وبالنسبة لطريقة عمله، فهو يعتمد على حصول تفاعل كيميائي بين غاز الكلورين وسائل مؤلف من بيروكسيد الهيدروجين وهيدروكسيد البوتاسيوم. ينتج عن هذا التفاعل أوكسجين منفرد. تبعًا لهذا التفاعل، يدخل ثنائي اليود إلى الليزر، إذ يقع دور الأوكسجين المنفرد بإعطاء الطاقة اللازمة لتحفيز ذرات اليود لإصدار أشعة ما تحت الحمراء يصل طول موجتها إلى 1.3 ميكرو متر، ويتميز هذا الليزر بقدرته على إطلاق الضوء بصورةٍ مستمرة أو متقطعة، ما يزيد من فعاليته.
الليزر المحمول جوًا:
في حرب الخليج، قام صدام حسين بإطلاق صواريخ سكود (وهي صواريخ باليستية تكتيكية) على القوات الإسرائيلية والقواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في الشرق الأوسط. في المقابل، وَضعت الدفاعات الإسرائيلية والأمريكية منظومة دفاع صاروخية للتصدي لهذا الهجوم تُسمى صواريخ الباتريوت (Patriot missile)، والأخيرة يمكنها التصدي للصواريخ القادمة قبيل سقوطها وانفجارها. ولكن، ماذا لو كان بالإمكان التصدي للصاروخ بعد إطلاقه مباشرةً؟ هذا ما تُحاول القوات الأمريكية الجوية القيام به عبر اللجوء إلى استعمال الليزر المحمول جوًا بالتعاون مع شركات عدة تصنع الأسلحة الجوية العسكرية.
حاليًا، يطور الليزر المحمول جوًا على طائرة بوينغ 747 المعروفة باسم جومبو جت (jumbo jet)، وهي أكبر طائرة نفاثة. يتكون هذا السلاح من أربع ليزرات، مُستشعرات (sensors)، وأجهزة كومبيوتر لتحديد وتدمير الصواريخ القادمة. أما طريقة عمله، فتعتمد على التقاط مستشعر الأشعة ما تحت الحمراء حرارة الصاروخ المنطلق وإرسال المعلومات إلى ليزر التعقب النشط، الذي بدوره يرصد الصاروخ ويجمع البيانات اللازمة عنه (كالسرعة والمسافة والعلو). تبعًا لذلك، يقوم ليزر التتبع الضوئي بتحديد الهدف لتصويب الليزر ذو الطاقة العالية في الاتجاه الصحيح.
بعدها، يقوم ليزر آخر باحتساب نسبة الاضطرابات الجوية الموجودة بين الهدف والجهاز، ويرسل هذه البيانات إلى نظام البصريات التكيفية قبيل رصد الهدف من قبل الليزر ذو الطاقة العالية وتدميره.
يتكون نظام البصريات المتكيفة من مرايا تُساهم في تحديد نسبة الاضطرابات الجوية، ويذكر أن وجود تليسكوب يصل طوله إلى 1.5 متر في هذا السلاح من ضمن نظام البصريات. وبعد تبادل البيانات، يُطلق الليزر إشعاعًا تصل طاقته إلى 1 ميغا واط تقريبًا على الصاروخ المنطلق، ليصيبه ويُعطله أو يدمره تلقائيًا.
أسلحة ليزر فردية غير فتاكة:
بالنظر إلى الأسلحة المُطورة من تقنية الليزر، نرى بأن معظمها فتاكة، ولكن، هل جميعها كذلك؟ بالتأكيد لا، إذ تُطور تكنولوجيا تعتمد على الليزر تُسمى نظام الرفض النشط (active denial system). هذا الجهاز ليس ليزرًا، بل هو راديو ذو طاقة عالية يُصدر ترددات مختلفة، إذ يُمكن أن يصل التردد إلى 95 غيغا هيرتز لطول موجة يصل إلى الميليمتر، ويتكون الجهاز من هوائي اتجاهي (directional antenna) ومصدر للترددات يوضع عادةً على شاحنة عسكرية.
يقوم الهوائي الاتجاهي بتركيز الموجات الميليمترية قبل توجيه الأشعة التي تخترق الأشخاص إلى عمق 0.003968 متر، وعند حدوث هذا الاختراق، تسخن ذرات المياه الموجودة في جلد الإنسان، ما يعطي إحساسًا بالحرق الشديد. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الأشعة لا تؤدي إلى إصابات مزمنة. إضافة إلى ذلك، عند ابتعاد الشخص عن الأشعة، يتوقف الحرق.
أما إذ أردت تشتيت العدو فترة معينة، يمكنك القيام بذلك عبر التكنولوجيا الجديدة التي طورتها القوات الجوية، وتُعرف باسم البندقية الخاصة بوقف الأفراد واستجابة التحفيز (Personnel Halting and StimulationResponse)، إذ يوجد في هذه البندقية ليزرا طاقة منخفضة، يُطلقان أشعة ما تحت الحمراء، وأشعة مرئية أيضًا. يقوم الليزر بتشتيت العدو لفترة قصيرة من الزمن دون التأثير الدائم على بصره. إضافة إلى ذلك، تصنع وزارة الدفاع حاليًا أسلحة أخرى لتشتيت العدو لفترات قصيرة فقط.
قد يتساءل العديد عن إمكانية امتلاك المواطنين لأسلحة ليزر، مثل بندقية الليزر في أفلام الخيال العلمي. لتحقيق ذلك، هناك شركة تُدعى information unlimited تروج حاليًا لنوعٍ من هذه البنادق. وبإمكانك شراء المعدات اللازمة لبناء بندقية ليزر بعد توقيعك على إفادة خطية لامتلاك أجهزة خطيرة، ودقع المستحقات.
يُعد الليزر الذي تروج له الشركة من نوع المادة الصلبة (solid state laser)، أما الوسط الليزري، فيتكون من زجاج النيوديوم، ومصدر الطاقة عبارة عن ضوء كهربائي، ويحتاج إلى 12 فولت من الطاقة التي يمكن الحصول عليها باستعمال بطاريات (AA batteries)، ليُصدر أشعة ما تحت الحمراء طول موجتها 1.06 ميليمتر، يركز الشعاع ويكثف باستعمال عدسة مسددة (collimating lens)، إذ يوجه ليصبح متوازيًا. وصُنف السلاح بصفته ليزرًا خطيرًا من الدرجة الرابعة، إذ يمكنه اختراق العديد من المواد الصلبة، لذا، يجب توخي الحذر في حال شرائك إحداها.
اقرأ أيضًا:
الجيش الأمريكي سيمتلك أسلحة ليزر بحلول عام 2023
تزعم الصين بأنّها أنتجت بندقية ليزر بإمكانها التسبب بأذية للجسم البشري من مسافة طويلة
ترجمة: محمد علي مسلماني
تدقيق: طارق طويل
مراجعة: حسين جرود