يميل بعض الأشخاص إلى وصف أنفسهم بأنهم مدمنين على التسوق أو أن التسوق يمنحهم شعورًا بالاستشفاء نفسيًا، وقد نستخدم أحيانًا هذه المصطلحات للمزاح بشأن إسرافنا في الإنفاق، غير أن هذا لا يعني أن التسوق القهري أو الإدمان على التسوق ليس مشكلةً نفسية جدية وحقيقية!

هل إدمان التسوق حقيقي؟

نعم، التسوق القهري أمر حقيقي، ومع أننا نميل أحيانًا إلى الاستخفاف به أو اعتباره مجرد عيب في الشخصية، فإن ذلك ليس عادلًا في حق الأشخاص المصابين به، لا سيما أنهم كثيرون. إذ وجدت دراسة عن الإدمان عام 2016 أن قرابة 5% من البالغين مدمنين على التسوق.

قد يكون التسوق صحيًا أو ضارًا على غرار العديد من السلوكيات الأخرى، يصنف الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) بضعة سلوكيات قهرية مثل اضطراب شرب الكحول بوصفها اضطرابات نفسية، لكن لم يصنف التبذير في الإنفاق من ضمنها، بيد أن ذلك لا يقلل من حجم ضرره.

أسباب إدمان التسوق

تقول المعالجة النفسية سوزان ألبيرز: «يصبح التسوق غالبًا وسيلةً للتعامل مع التوتر والقلق والاكتئاب، إذ يلجأ بعض الأشخاص إلى إنفاق المال لسد فجوة عاطفية والتهرب من مشاعرهم السلبية والشعور ببهجة مؤقتة، إلا أنه عند زوال ذلك الشعور، يتحتم عليهم التعامل مع العواقب».

«في الإدمان دائمًا عامل بيولوجي، إذ عندما يشتري المرء شيئًا ما، فإن دماغه يفرز الدوبامين والإندورفينات، ما يجعله يشعر بالبهجة، إلا أن ذلك الشعور سرعان ما يتلاشى».

«تنتج البهجة التي نشعر بها من تجربة الشراء ذاتها وليس من الشيء الذي نشتريه. يسعى الأشخاص الذين يتسوقون بتهور للشعور بذلك الإحساس مرارًا وتكرارًا».

صحيح أن الإدمان قد يصيب أي شخص، إلا أن ألبيرز تقول إن بعض العوامل قد تزيد عرضة المرء إلى الإدمان على التسوق، من ضمنها:

  •  أن يكون مصابًا بالفعل باضطراب نفسي معين، مثل القلق والاكتئاب واضطراب الوسواس القهري وأحد اضطرابات الشخصية واضطراب ما بعد الصدمة.
  •  أن يكون قد أصيب مسبقًا بالإدمان أو أحد أفراد عائلته، أو أن يكون قد تعرض إلى الفقر أو فقدان ممتلكاته في حادثة صادمة مثل حريق في المنزل.
  •  أن يمضي الكثير من الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي التي تزيد عرضته إلى الإعلانات والتأثر بها.
  •  أن يفكر بعقلية ندرة الموارد أو يشعر بالخوف من تفويت الشيء.
  •  أن يشعر بأنه غير كافٍ ولا يقدّر ذاته، أو أن يميل إلى الكمالية وعادةً ما يقارن نفسه بالآخرين، إذ قد تسبب هذه السمات القلق وتجعله أكثر مادية.

تنطبق هذه الصفات حتمًا على العديد من الأشخاص الذين ليسوا مدمنين على التسوق، فكيف نتحقق إذن من أن عاداتنا في التسوق ضارة؟

دلالات التسوق الضار:

تقول ألبيرز: «يتمثل الفرق بين التسوق القهري والطبيعي في النية والعواقب، إذ حينما نتسوق على نحو سليم، فإننا نشتري الأشياء التي نحتاج إليها بهدوء وبعد تخطيط».

«ينطوي التسوق القهري بالمقابل على الشعور بالاستعجال، وهو ينجم عن حافز عاطفي ويؤدي عادةً إلى الوقوع في أزمة نفسية ومالية».

قد يصعب اكتشاف الإدمان على التسوق لأن التسوق ليس سلوكًا اختياريًا، لا سيما أننا نتعرض يوميًا إلى إعلانات تشجعنا على التسوق أكثر، إلى جانب أننا نعيش في مجتمع مادي لا يفرق بين الثراء والنجاح، لذا من الطبيعي أن يشعر المرء بالرغبة في مواكبة جيرانه، لكن يعيش الكثير من الأشخاص في مستوى معيشة أعلى من مقدرتهم المادية.

فيما يلي بعض الدلالات التي تشير إلى أن عادات المرء في التسوق قد تكون ضارة:

  •  أن يلجأ إلى التسوق لمواجهة أي موقف، مثل أن يتسوق بكثرة في مجمع تجاري لمجرد أن صديقه المفضل قد يزوره، أو أن يشتري ملابس للسباحة من أجل حفل في المسبح مع أنه لا يستطيع السباحة، وغير ذلك.
  •  أن يعد التسوق هواية، وقد تكون هوايته الرئيسية أو الوحيدة.
  •  أن يشتري أشياء لا يحتاج إليها ولا يستخدمها أبدًا، إذ في حين أننا جميعنا نبذر بين الفينة والأخرى، إلا أنه إذا شعرنا بصعوبة بالغة في تبرير الشيء الذي اشتريناه، فهو على الأغلب لم يكن ضروريًا، لا سيما عندما لا نستخدمه أبدًا، ففي هذه الحالة يعد دافعنا في التسوق عاطفيًا وليس احتياجًا أو رغبة حقيقية.
  •  أن يعيد دائمًا معظم الأشياء التي يشتريها إلى السوق بعد فترة وجيزة، إذ تشير هذه العلامة إلى أنه يشتريها لمجرد الشعور ببهجة التسوق.
  •  أن يتسوق للتهرب من المشاعر السلبية، مثل أن يبدأ بتصفح المنتجات بعد شجار مع شريكه أو تدليل نفسه كلما يصبح عمله مرهقًا.
  •  أن تتفاقم حالته أو تحدث بسبب أمر ما، فقد تكون السلوكيات القهرية استجابةً للتوتر أو التغيير مثل وفاة شخص مقرب أو الإقلاع عن المواد الممنوعة، إذ قد تشعرنا جولات التسوق في هذه الحالة بأن الحياة على ما يرام بعد تعرضنا للصدمة، أو لا نجد شيئًا آخر لفعله في وقت فراغنا عدا التسوق.
  •  أن يشعر بأنه خرج عن السيطرة، مثل أن يميل إلى البكاء عند وصول شحنة جديدة إلى باب منزله، أو يتجنب البقاء وحيدًا لأنه لا يستطيع إيقاف نفسه عن التسوق، ويشعر بأن التسوق هو شاغله الوحيد وأنه لا يستطيع التحكم في نفسه عند الشراء.
  •  أن تتأثر النواحي الأخرى في حياته بسبب إسرافه في الإنفاق، مثل أن يهمل مسؤولياته لأنه يشعر بأن التسوق أفضل أو أكثر أهمية منها.
  •  أن يشعر بالندم أو الإحراج بعد شراء شيء ما.
  •  أن يكذب بشأن مشترياته، مثل أن يقول إنها هدايا أو يخفيها أو يدعي أنها كانت ضمن عروض وتخفيضات.
  •  أن يتسبب تسوقه بمشكلات مالية، كأن يستهلك رصيد بطاقاته الائتمانية أو يعجز عن سداد فواتيره أو ينفق من الأموال المخصصة لأمور أخرى مثل رحلة عائلية أو مصاريف الدراسة. تشير ألبيرز إلى أن بعض الأشخاص قادرين ماديًا على إنفاق المال بحرية ولا يدركون العواقب في بادئ الأمر، لذا ينبغي في هذه الحالة الانتباه إلى الأنماط السلوكية بدلًا من التركيز على رصيد الحساب المصرفي.
  •  أن يرتكب أفعالًا غير قانونية، مثل سرقة المتاجر أو المال أو تزوير الشيكات، ما يدل على أن إدمانه وصل إلى مرحلة خطيرة.

تتمثل الخطوة الأكبر عند مواجهة الإدمان على التسوق في الاعتراف بأنه سلوك غير صحيح، وفي حين أن المصاب قد يشعر بأنه عاجز، إلا أن ذلك ليس صحيحًا، إذ هناك العديد من السبل التي يمكنه الاعتماد عليها لحل المشكلة.

نصائح لمكافحة الإدمان على التسوق

لحل مشكلة الإدمان على التسوق، ينبغي أولًا أن نقرر هل نحن قادرين على تصحيح هذا السلوك بأنفسنا؟ ويجب أن نطلب المساعدة من خبير إذا شعرنا بأننا لا نستطيع السيطرة على تصرفاتنا.

إذا شعر المدمن على التسوق بأنه قادر على معالجة إدمانه بنفسه، يمكنه البدء بتجربة بعض العادات الصحية، لكن قد يكون تغيير السلوك مهمةً صعبة وقد لا تنجح معه بعض السبل، لذا يجب أن يتبع العادات الفعالة وتعديلها كما يرغب وتخطي غيرها، مثل:

  •  التوقف والتأمل قبل الشراء، وأن يتأكد من أنه يحتاج حقًا إلى الأشياء التي سيشتريها ويفكر في القيمة التي ستضيفها إلى حياته.
  •  أن يعد قائمة لاحتياجاته، فقد يكون التمييز بين الرغبات والاحتياجات صعبًا أحيانًا، وتمكن مشاركة هذه القائمة مع شخص موثوق لزيادة المسؤولية.
  •  تحديد ميزانية معينة، ويمكنه استخدام خطط أو ملفات أو تطبيقات لإيضاح وضعه المادي.
  •  حذف تطبيقات التسوق والأسواق الرقمية ومواقع الشحن إذا كان يمضي معظم وقته في تصفحها.
  •  البحث عن بدائل صحية، فبدلًا من تجربة مطعم جديد، يمكنه تحضير وجبة في المنزل، وبدلًا من شراء كتب جديدة، يمكنه استعارة كتبه من مكتبة عامة.
  •  الابتعاد عن الأشخاص الذين يشجعونه على التسوق وشراء منتجات جديدة.
  •  تجنب الخروج مع البطاقة الائتمانية واستبدالها بالنقود، ويستحسن أن يحمل معه المبلغ الذي يحتاج إليه لشراء الأشياء الضرورية فقط في كل مرة وإبقاء مبلغ احتياطي بسيط في السيارة للطوارئ.

وسائل الحصول على مساعدة

على غرار أي سلوك قهري آخر، فإن الرغبة ومحاولة التوقف عن التسوق القهري ليس دائمًا كافيًا، لذا يجب طلب المساعدة من معالج نفسي عند فشل المرء في معالجة إدمانه على التسوق بنفسه.

يعاني معظم الأشخاص المدمنين على التسوق مشكلةً ما تتطلب اهتمامًا خاصًا، وهي قد تكون مثلًا صدمة نفسية سابقة أو الشعور بالضغط في المنزل أو الميل إلى تخزين الموارد أو مشكلةً نفسية غير معالجة، لذا يجب عليهم مناقشة المسألة مع اختصاصي في الطب النفسي.

تقول ألبيرز: «لا تقتصر مهمة المعالج النفسي على فهم السلوك ومواجهته فقط، وإنما تتضمن أيضًا تعلم استراتيجيات صحية للتعامل مع المشكلة».

قد نفترض أحيانًا أن الإدمان على التسوق يمثل صورةً أقل جدية من السلوكيات القهرية، إلا أن ذلك غير صحيح، إذ أشارت دراسة عام 2021 إلى أن قرابة 20% من المدمنين على التسوق لديهم ميول انتحارية، ويجب على هؤلاء طلب المساعدة فورًا.

اقرأ أيضًا:

جميع أنواع الإدمان وطرق التعافي منه

ما العلامات المبكرة للإدمان؟

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر