ما الذي يتطلبه إطعام مليون شخص على المريخ؟ تجيب دراسة حديثة: لحوم منتجة معمليًا ومحاصيل تزرع داخل أنفاق، ومزارع الحشرات (صرصور الحقل). عندما يتعلق الأمر بخطط إرسال بعثات مأهولة إلى المريخ، تفترض ناسا أن الرحلات ستكون ذهابًا وعودة مع مرور قصير بالكوكب الأحمر، لكن ظهرت بعض شركات الفضاء التجارية بهدف استعمار الفضاء الخارجي ومن ضمن هذه الشركات Space-x التي تصبو إلى بناء حضارة على المريخ.
تتضمن أكثر الإستراتيجيات العملية للإقامة الطويلة على المريخ الاعتماد على الموارد المتاحة بالفعل على الكوكب عوضًا عن الاعتماد على سفن الإمدادات الواردة من الأرض.
حدد الباحثون الطاقة والماء والأكسجين ومواد البناء والغذاء باعتبارها خمسة موارد رئيسية تحتاجها المستعمرات المحتملة على المريخ. الأربعة الأولى من تلك الموارد يُحتمل أن تكون موجودة بوفرة على الكوكب.
على سبيل المثال، توفر الشمس -مدعومة بالمفاعلات النووية- الطاقة اللازمة لساكني المريخ. تُعد المعادن الطينية والجليد مصادر للمياه. أيضًا يمكن تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أكسجين. وأخيرًا يمكن تحويل التربة المريخية إلى قرميد للبناء.
في المقابل، لا توجد مصادر غذاء طبيعية على المريخ ولا حتى طريقة سهلة لإنتاجه من المواد الخام المتاحة على الكوكب باستخدام مفاعل كيميائي بسيط مثلًا.
وقد قال مدير فريق الباحثين كيفين كانون لموقع SPACE.COM إن الغذاء سيكون أصعب شيء يمكن إنتاجه محليًا على المريخ. كما أنه لا يمكن استيراد كل الكميات المطلوبة منه إذا كان الهدف الرئيسي هو إنشاء مستعمرة ذات اكتفاء ذاتي.
وبأخذ هذه التحديات في الاعتبار، أراد العلماء تحديد ما قد يتطلبه الأمر لتحقيق هدف إنتاج غذاء يكفي لمليون شخص على المريخ.
قال كانون: «كنا نعمل مع عدد كبير ممن أرادوا زراعة نباتات في تربة المريخ المقلدة التي نصنعها، وهذا ما جعلنا نراقب الأبحاث القائمة بغرض إنتاج الغذاء للبعثات المستقبلية للمريخ.
اكتشفنا أن أغلب التركيز موجه إلى إنتاج خضروات منخفضة السعرات بينما لم تؤخذ في الاعتبار الابتكارات الجديدة الخاصة بمصادر بروتين بديلة، لذا تساءلنا عوضًا عن طريقة البعثات القصيرة الخاصة بناسا، ما الذي يتطلبه الأمر لإطعام مدينة يسكنها مليون شخص حسب ما تتصور سبيس إكس؟».
لاحظ الباحثون أن تربية الحيوانات لتوفير منتجات الألبان واللحوم لن تكون حلًا عمليًا على المريخ في المستقبل القريب لصعوبة نقل تلك الحيوانات عبر الفضاء، وفي نفس الوقت، لا يرغب معظم الناس في التحول إلى النظام النباتي بشكل كامل. إذن ما الحل؟
يقترح الباحثون الاعتماد على مزارع الحشرات واللحوم المنتجة معمليًا.
يشير البحث أن مزارع الحشرات مناسبة تمامًا للمطبخ المريخي لكونها توفر الكثير من السعرات الحرارية لكل وحدة أرضية مقابل استهلاكها القليل جدًا من الماء والغذاء. صرصور الحقل على وجه التحديد أحد الأمثلة الواعدة على الحشرات الصالحة للأكل، إذ يمكن اشتقاق الطحين منه وتضمينه في وصفات الأكل المختلفة.
ويقول كانون إن الحشرات هي أفضل طرق توفير الغذاء لو تجاوز الناس عامل القرف.
وبالنسبة لأولئك الذين لا يفضلون الحشرات، قد توفر الزراعة الخلوية -وهي إنتاج الحيوانات من الخلايا المخلقة في المعامل- نوعًا مألوفًا من الطعام للناس على المريخ مثل الطحالب واللحوم والأسماك واللبن الصناعي والبيض الصناعي.
وأضاف الباحثون أن المبالغ المالية الضخمة التي خصصها المستثمرون لتطوير تلك التقنيات قد خفضت بالفعل تكلفة اللحوم الصناعية من 325000 دولار إلى 11 دولار فقط لكل قرص من البرجر.
وعندما يتعلق الأمر بالمحاصيل، فإن تصميم المستعمرات المريخية عادة ما يتحوي على دفيئات زراعية. لكن الحقيقة أن تلك الدفيئات ليست عملية. لأن المريخ بعيد جدًا عن الشمس.
حتى على خط استواء الكوكب حيث تكون أشعة الشمس أقوى، فإن كمية الضوء الذي سيصل إلى النباتات ستكون مساوية لما تحصل عليه النباتات في ولاية آلاسكا.
إضافة إلى أن الدفيئات الزراعية على الأرض تمتص ما يصل من 50 بالمئة إلى 70 بالمئة من الضوء، على الرغم من أنها مصنوعة من الألواح الزجاجية الشفافة ومن المحتمل أن تحجب أكثر من ذلك على المريخ نظرًا لضرورة استخدام مواد أقوى لتسخين الدفيئة وزيادة ضغط الهواء داخلها لأن هواء الكوكب الأحمر أبرد وأخف من الهواء على الأرض.
البديل هنا هو استخدام أنفاق مضاءة بمصابيح LED عالية القوة مدعومة بالطاقة الشمسية التي ستجمع وتضخ خلال كابلات ضوئية.
وأضاف الباحثون إن الزراعة دون تربة عبر أنظمة الزراعة المائية أو الهوائية أمر ممكن لكن هذه الاستراتيجيات قد تتطلب شحنات أكبر إلى المريخ في صورة أطباق وأنابيب وخزانات. وعلى الرغم من احتمال أن تكون الزراعة المعتمدة على التربة أكثر مقاومة للأمراض النباتية، قد تطلب التربة المريخية غير العضوية الكثير من الأبحاث والمعالجات لتحويلها إلى تربة حية صالحة للزراعة.
اقترح بحث سابق عددًا من المحاصيل التي قد ثبتت فاعليتها عندما يتعلق الأمر بإطعام المستعمرين المريخيين مثل القمح والذرة وفول الصويا والفول السوداني والبطاطا الحلوة. وقد تجعل التعديلات الجينية النباتات أكثر فائدة للمريخيين بطريقة مختلفة مثل استهلاك ثاني أكسيد الكربون أكثر وزيادة الإنتاجية.
قال كانون: «تقريبًا كل الأبحاث المقدمة حتى الآن صبت تركيزها على زراعة النباتات لإطعام رواد الفضاء. لكن النباتات تحتاج مساحات كبيرة. وتحقيق ذلك على كوكب آخر يعني بناء مصانع داخلية عملاقة وتدفئتها وإضاءتها وضغط الهواء داخلها.. وإذا أردت إطعام عدد كبير من السكان على كوكب آخر، عليك التخلي عن الخضروات المليئة بالماء والتفكير في الكم الهائل من الطاقة والماء والمواد الخام المطلوبة لإنتاج سعرات حرارية كافية.
ولمعرفة ما قد يتطلبه إطعام مدينة مريخية يسكنها مليون شخص، صمم الباحثون نموذجًا لسكان المريخ سواء عبر الهجرة أو الميلاد على سطح المريخ بمعدل 10 مواليد لكل 1000 شخص -وهو المعدل الطبيعي لمدينة متطورة على الأرض- لكل سنة أرضية. افترض العلماء الحاجة إلى 6900 بعثة مزودة بطاقم لنقل حوالي مليون مهاجر إلى المريخ في خلال قرن كامل، إضافة إلى حوالي 340000 شخص من المواليد على المريخ خلال تلك الفترة.
قدّر العلماء أيضًا مقدار السعرات الحرارية التي سيحتاجها كل شخص وصمموا نموذجًا للأرض باعتبار أن النظام الغذائي يتضمن القمح والذرة والبطاطا الحلوة وصراصير الحقل ودجاجًا معملي المنتج واكتشفوا أن مستعمرة مريخية يسكنها مليون شخص قد تصل للاكتفاء الذاتي من الغذاء خلال 100 سنة بالاعتماد على 14500 كيلومتر من الأنفاق التي يبلغ عرضها حوالي 3.6 متر مصفوفة بشكل أفقي.
ورغم كل ذلك، سيحتاج المريخيون إلى استيراد كميات كبيرة من الغذاء خلال تلك الفترة . وستشحن هذه الكميات في حوالي 54000 شحنة. وقد أفاد العلماء إن ثمة عددًا من الإستراتيجيات لتقليص كميات الطعام المستوردة بشكل كبير مثل زيادة عدد المزارع المبنية على المريخ.
وينبغي أن تركز الأبحاث المستقبلية حول أفضل طريقة لإطعام المريخيين على تحسين إنتاجية المحاصيل والعمل على إيجاد أكثر أنواع الحشرات استساغة عند الأكل، وتحسين طعم وملمس اللحوم المزروعة ورفع كفاءة المصابيح المستخدمة في الزراعة، إلى جانب تطوير طرق أوتوماتيكية لبناء مناطق مضغوطة ومحمية للمزارع.
قال كانون إن أوضح نقد يوجه إليهم هو أن أبحاثهم مجرد خيال علمي، وأن قضية إرسال بعثة إلى المريخ لن تتحقق قبل عقود. لذا لماذا نعمل عليها الآن؟
وأضاف: «أي شخص يفكر بهذه الطريقة عليه أن ينظر بجدية إلى ما تفعله سبيس إكس. لقد بنوا بالفعل نماذج للسفن التي سترسل أول المستوطنين إلى المريخ.. الآن هو الوقت المناسب لمعرفة كيف نفعل ذلك».
قد يساعد البحث حول طريقة إطعام المريخيين في إطعام الناس على الأرض.
إن القيود التي يفرضها المريخ -الجو البارد الخفيف- تجبرنا على إنتاج طعام بطرائق أكثر استدامة وأخلاقية من الممارسات الحالية في الزراعة الصناعية. لذا، فإن التحول إلى الحمية المريخية قد يساعد كوكبنا.
أنشأ العلماء موقعًا على الإنترنت يقدم بعض المعلومات حول كيفية فعل ذلك، اضغط هنا لزيارته
اقرأ أيضًا:
نموذج عن صاروخ Space X الذي سيوصلنا إلى المريخ قد يكون جاهزا خلال شهر
كيف يمكن لأحد مكونات النبيذ أن يساعدنا على التأقلم مع جاذبية المريخ ؟
ترجمة: مصطفى عبد المنعم
تدقيق: عون حداد