السّاعات الذريّة وقدرتها في الحفاظ على دِقّة الوقت لمليارات السّنين
ذرّات السيزيوم Caesium، المقصوفة بالأشعّة الميكرويّة Microwaves، تُبقي هذه السّاعات بالضّبط في الوقت المُحدَّد.
في هذا المقال، يشرح فيشنو فارماVishnu Varma آلية عملها.
من السّهل اعتبار السّاعات من المسلّمات- أصبح عددٌ أقلّ من النّاس يرتدون ساعات اليد، فيفضّلون تفقّد الوقت عن طريق هواتفهم الذكيّة أو حواسبهم الشخصيّة. ولكنَّ التأكُّد من دقّة ضبط الوقت كانت مشكلة لم يتمُّ إيجاد حلّ لها إلّا في أربعينيّات القرن العشرين.
المبادئ الأساسيّة لكيفيّة عمل السّاعة لم تتغيّر كثيرًا منذ أكثر من 350 سنة. إنّ أهم جزء في أيّ جهاز لضبط الوقت هو (مرجع التردُّد-(frequency reference الذي يضمن أنّ كلّ ثانية هي نفسها تمامًا.
لنأخذ على سبيل المثال، رقّاص السّاعةPendulum-. تقوم قوّةٌ صغيرةٌ بالنقر عليه للتأكُّد من أنّه يحتاج لثانية واحدة من أجل إكمال أرجوحة، والتي تُعرَف في مفهوم الوقت كذبذبة. تكمن المشكلة في أنّ أيّ تدافع طفيف أو حتّى تقلّب في درجة الحرارة يمكن أن يغيّر مدّتُها.
تمّ اختراع ساعة الكوارتز-Quartz في سنة 1927، مستبدلةً رقّاص السّاعة بالمذبذب البلّوري (الكريستالي) للكوارتز-Quartz crystal oscillator كمرجع للتردُّد. تتذبذب بلّورة الكوارتز عندما يعبر من خلالها تيّار كهربائيّ. وهي تعتبر أيضًا كَهْرَضَغْطِيّ، بمعنى إنّها تُراكم الشّحنة الكهربائيّة عند الثنيّ.
مصدرٌ صغيرٌ للوقود- كبطاريّة السّاعة – يزوّد الطّاقة لدارة إلكترونيّة مصغَّرة-microchip circuit ممّا يجعل البلّورة تتذبذب بتردّد معيّن: 32,768 مرّة في الثّانية. بعد ذلك، تكشف الدّارة الإلكترونيّة هذه الاهتزازات وتقوم بتحويلها إلى نبضات كهربائيّة- نبضة واحدة خلال كلّ ثانيّة – والتي بدورها تغذّي محرّك صغير من أجل إبقاء عَقْرَبُ الثّوَانِي يمشي باستمرار.
حاليًّا، تستمرُّ العديد من السّاعات في استخدام الكوارتز لأنَّه أسهل في الصّيانة و يضبط الوقت بدقّة منطقيّة. ولكن كما في حالة رقّاص السّاعة، فإنَّ تذبذب بلّورة الكوارتز يمكن أن يتغيَّر تبعًا لدرجة الحرارة والضّغط. في حين أنَّ هذه التغيُّرات الطّفيفة لا تؤثّر على حياتنا اليوميَّة، إلّا أنَّ التقدُّم في التكنولوجيا والتجارب العالية الدقّة تحتاج إلى ضبط وقت أكثر موثوقيّة.
في عام 1949، طوَّر علماء من المعهد الوطنيّ للمعايير والتكنولوجيا في الولايات المتحدة-The National Institute of Standards and Technology in the US أوَّل ساعة ذريّة. كان يُطلَق على مرجعها الترددي اسم « التردُّد الرّنيني- resonant frequency المعدَّل الطبيعيّ للاهتزازات الذي يُحدَّد بواسطة المعاملات الفيزيائيّة للجسم المُهتزّ، حيث ستصل الذرّة لحالة عالية الطّاقة عند هذا المستوى.
على سبيل المثال، تمتلك ذرّة سيزيوم-133caesium-133 تردُّد رنيني بمقدار 9,192,631,770 هيرتز. هذا يعني على الأرجح أنَّ الإلكترون الخارجي (الأكثر بُعدًا عن النّواة) سوف يقفز إلى مستوى الطّاقة الأعلى التّالي- مُنتجًا نسخةً عالية الطّاقة من الذرَّة – وذلك خلال تواجد الإشعاع الميكرويّ على نفس التردُّد المذكور سابقًا.
يشيع استخدام سيزيوم في السّاعات الذريّة-atomic clocks لأنَّه في عام 1967 تمّ إعادة تعريف هذه السّاعات اعتمادًا على تردّد الذَّبذبة للفوتونات الخارجة وذلك عندما قفزت بين مستويات الطّاقة.
في السّاعة الذريّة القياسيّة، يُوضَع السيزيوم السائل- وهي الحالة الطبيعية للمادة في درجة حرارة الغرفة – في الفرن و يُسخَّن ليتحوَّل إلى حالة غاز، هذا يؤدي إلى انتقال بعض الذرّات لحالة عالية الطّاقة. يتمُّ تسريب الغاز عبر مغناطيس من أجل تصفية تلك الذرّات.
بعد ذلك، يعبر التيّار المتبقّي من الذرّات المنخفضة الطّاقة عبر مُرسل الموجةwave transmitter- ، الذي يَقصِفها بالأشعّة الميكرويّة بتردُّد قدره 9,192,631,770 هرتز. إذا كان التردد صحيحًا تمامًا، فمن المفترض لجميع ذرّات سيزيوم-133 أن تنتقل بشكلٍ خاطف إلى حالة عالية الطّاقة.
من ثُمَّ تعبر هذه الذرّات عبر مغناطيسٍ آخر. لكن هذه المرّة، يُسمَح فقط للعالية الطّاقة منها أن تعبُر وتصطدم بكاشف- Detector.
إذا استشعر الكاشف بوجود فراغات بين التصادمات، سيعلم أنّ ليس جميع الذرّات قد تمَّ تعزيزها، وبالتّالي فإنَّ مُرسل الموجة لا يقوم بتوليد التردُّد الصَّحيح.
تُرسَل بعد ذلك إشارةً كهربائيّة إلى المولِّد لتصحيح التردُّد المُرسَل، إلى أن يصطدم تيّار ثابت من ذرّات سيزيوم-133 بالكاشف. ثمَّ يتمُّ تقسيم النّاتج على 9,192,631,770 لإنتاج ثانية واحدة.
قدرة التصحيح الذّاتي هذه تجعل من السّاعات الذريّة أجهزة دقيقة. إذا تُرِكَت تعمل لوحدها، أفضل الأنواع اليوم- والتي تستخدم مواد مثل الإسترونيومstrontium – لن تتغيَّر إلّا بأقلّ من ثانية بعد أكثر من مليار سنة.
على الرُّغم من أنّ هذه الدِقّة تبدو غير ضروريّة، بغضِّ النّظر عن القياسات التجريبيّة، هذه السّاعات هي جزء ذو أهمية لا تُصدَّق في نظام تحديد المواقع العالمي – Global Positioning System) .(GPS بدون هذه الدِقّة، مثلًا، يمكن لأخطاء صغيرة بحجم الميكروثانية- microsecond جعل نظام تحديد المواقع الخاص بك الاعتقاد أنّك بعيد مئات الأمتار عن الموقع الذي أنت متواجد فيه فعليًّا.
- ترجمة: لميا عنتر
- تدقيق: رؤى درخباني
- تحرير: زيد أبو الرب