لازالت البشرية منهمكةٌ في إيجاد حلّ للمتاهات وكيفيّة الهروب منها حتى الآن.
هل يمكن للرياضيات أن توجهك نحو المخرج الصحيح؟.
أصبحت المتاهات رائجة مؤخرًا من خلال سلسلة الحلقات التلفزيونية (WestWorld) الخاصة بشبكة (Home Box Office) الأمريكية ثم من بعدها سلسلة (The Crystal Maze) الخاصة بالتلفاز البريطاني.
ولكن المتاهات كانت منتشرة بشكل واضح منذ آلاف السنين وتعتبر أشهرها (متاهة مينوتور-Lybyrinth home of the Minotaur)، حيث لعبت دور البطولة في علم الأساطير الإغريقية.
تقسم المتاهات الى نوعين رئيسيين، النوع الأوّل يحتوي على طريق واحد غالبًا ما يتخذ مسارًا حلزونيًا ثم ينطوي على نفسه مجددًا في عدد من الحلقات المتناقصة.
أمّا النوع الثاني يحتوي على العديد من الطرق المتشعبة والتي تضع المستكشف أمام العديد من الخيارات، ما يزيد من صعوبة وصوله للمخرج الصحيح.
في حين أنّ تصميم المتاهة قد يكون عملًا بشريًا مجديًا، فإنّ علماء الكمبيوتر والرياضيات لديهم عشق بالخوارزميات الخاصة بتوليد المتاهات.
الخوارزميات تنقسم غالبًا إلى نوعين رئيسيين، النوع الأول يبدأ بمساحة محدودة مفردة ثم تنقسم بعد ذلك عن طريق جدران أو أبواب مختلفة لتنشأ العديد من المساحات الأقل.
أما النوع الثاني فتبدأ فيه الخوارزميات بعالم من الغرف الغير متصلة ثم تتهدم الجدران بينها لتتشكل الممرات والطرق بين تلك الغرف.
الهروب الكبير
هناك العديد من التقنيات والطرق الخاصة بالهروب من المتاهات، ولكن يجب عليك أولًا معرفة نوع المتاهة التي تريد حلّها.
جميع الطرق تصلح للمتاهات البسيطة، تلك التي لا تحتوي اختصارات متخفية خلال الجسور أو (ممرات حلقية-passage loops) هي عبارة عن الممرات التي تنتهي إلى حيث بدأت.
إذًا بفرض أنها متاهة بسيطة، فحلها –كما يعرف الجميع– سيكون من خلال السير بمحاذاة الحائط.
في الأساس عليك وضع إحدى يديك على حائط ما في المتاهة (لا يشترط وضع يد معينة طالما ستكون ثابته طوال الطريق) ثمّ استمر في السير، ملتزمًا بملامسة يدك للحائط.
في النهاية ستخرج من المتاهة.
هذا لأنه إذا تخيلت أنك أمسكت بجدران متاهة وقمت بتمديدها لتزيل أي زوايا بها، فستحصل في النهاية على شكل شبيه بالدائرة، وسيكون جزء منها هو المحيط الخارجي للمتاهة الذي يحتوي على المدخل والمخرج.
هذه الطريقة لن تعمل في حالة أنّ بداية المتاهة ونهايتها في مركز المتاهة وليس في محيطها.
لكن بعض المتاهات صممت خصيصًا لتُحبط مستكشفها مثل (متاهة حدائق إسكوت من شجر الزان في ديفون –Escot Garden’s beech hedge maze in devon)، والتي تحتوي على خمسة جسور على الأقلّ فهي بعيدة كل البعد عن البساطة.
طريقة أخرى للهروب من المتاهات هي (خوارزمية تريموس – Tremaux’s algorithm) وهي تعمل في جميع الحالات.
تخيل كما في قصة (هانسل وجريتيل – Hansel and Gretel) الخيالية أنّه يمكنك ترك فتات الخبز خلفك أثناء مسيرك خلال المتاهة ثم تذكر تلك القوانين:- إذا وصلت لتقاطع طرق لم تواجهه من قبل (لن تجد فتات الخبز في التقاطع أمامك) يُمكنك إذًا اختيار طريق بشكل عشوائيّ.
– إذا وصلت لتقاطع طرق وكان إحدى الطرق به فتات الخبز والآخر بدون، إذًا اختر الطريق الذي لم تمر به من قبل (بدون فتات الخبز).
– إذا كنت أمام طريقين إحداهما مررت به مرتين والآخر مرة واحدة، فاختر الطريق الذي مررت به مرة واحدة فقط وتجنب الآخر وتذكر أن تترك به فتات الخبز للمرة الثانية.
– القاعدة الأساسية احذر ثم احذر من أن تمر من طريق يحتوي على قطارين من فتات الخبز (أيّ مررت به مرتين) تجنب هذا الطريق أ.
هذه الطريقة مضمونة في النهاية ستجعلك تخرج من أي متاهة بسهولة.
كل يوم في متاهة
إذًا إلى أيّ مدى تُعتبر تلك الأشياء الخاصة بالمتاهات مفيدة؟
حسنًا، من المنظور المعماري أو من ناحية التصميم الحضاري فإنّنا حقًا نريد تجنب خلق تلك المتاهات ولو عن طريق الخطأ.
المتاهات أمرٌ مُسَلي ولكنّه ليس بالشيء الضروري الذي نحتاجه في حياتنا اليومية أو في طريقنا حينما نريد الذهاب إلى العمل.
في ثمانينات القرن الماضي لاحظ (بيل هيلر – Bill Hillier) –صاحب النظريات في الهندسة المعمارية– أنَّ عقارات الإسكان الاجتماعيّ قريبة الشبه في تنسيقها من المتاهات.
هذا يجعلنا نطرح أحد أهمّ الأسئلة ما هو المعيار الحقيقي الذي يجعلنا نشبه إحدى الأماكن بالمتاهات أو لا؟
الطريقة التي نحل بها المتاهات والألغاز مثل مكعب روبيك قد تساعدنا في الحفاظ على عقولنا أكثر نشاطًا وصحة.
للإجابة على هذا السؤال، طوَّر هيلر معيار (الوضوح – intelligibility) والذي يتمثل في العلاقة بين ما يمكنك رؤيته من مكان معين سواء كان في منزلًا أو عقارًا أو حيّ منذ الوهلة الأولى وإلى أيّ مدى يُمكن الوصول لنفس المكان من بقية الأماكن الأخرى.
المعيار يتراوح ما بين الصفر والواحد الصحيح، البيئة التي تُحقق نسبة عالية أكثر من 0.5 فهي غالبًا ما تكون واضحة يسهل فهمها والتجول فيها بسهولة وتُصبح مرغوبة من الجميع مثل (بارنسبيري – Barnsbury) في لندن.
والعكس صحيح، فالأماكن التي يكون معيار وضوحها منخفض تكون أكثر إرباكًا وصعوبةً للتجول بها وتُصبح بالفعل قريبة الشبه بالمتاهات مثل عقار باربيكان في لندن، بالرغم من أنَّ تصميمه الهندسي نال الإشادة إلا أنًّ الزائرين يحتاجون إلى تتبع الخطوط الصفراء ليجدو طريقهم لوجهتهم المرغوبة.
(رياضيات تصميم المتاهات قابلة للاستخدام في تطبيقات محاربة الخرف الحديثة كما كانت تُستخدم في الأساطير الإغريقية القديمة) كان معيار الوضوح هو المعيار المستخدم في تصميم مستويات اللعبة الحديثة (Sea Hero Quest)، وهي لعبة تم تصميمها لقياس مهارات الأفراد في الملاحة من أجل التعمّق في أبحاث خاصة بالخرف.
لقد قمنا بالهندسة العكسية لمعيار الوضوح من أجل إنتاج مستويات ألعاب أكثر أو أقلّ شبهًا بالمتاهات، حتى نضمن قدرًا من التحديات الجديدة أمام كل لاعب.
لذلك فإن رياضيات تصميم المتاهات مفيدة في تطبيقات محاربة الخرف الحديثة كما كانت من قبل في الأساطير الإغريقية القديمة.
- تحرير: طارق الشعر
- المصدر