كيف تستثمر أموالك في الطاقات المتجددة؟
اعتاد أغلبنا الحديث عن الطاقة المتجددة في إطار السياق التكنولوجي أو البيئي، حيث تقوم انطباعاتنا عن مشاريع الطاقة المتجددة على أنها نظرة بعيدة للمستقبل أو محاولة مرفهه لحماية البيئة، لكن ما ينبغي لفت النظر اليه هي المساحة التي خلقتها الطاقة المتجددة في مجال الاستثمار.
وحينما نتحدث هنا على الاسثمار، فإن الحديث لا يخص فقط كبار المستثمرين، أو مالكي الأرصدة البنكية الضخمة، إنما يشمل الإطار هنا الشرائح الأصغر من المستثمرين وقبلهم ساكني المنازل من غير المستثمرين الذين ترهقهم فواتير الكهرباء الشهرية المتصاعدة.
وهذا بالضبط ما استحدثه الطاقة المتجددة في مجال الاستثمار، فبينما كان الاستثمار في مجالات الطاقة حكرا على الحكومات ومن بعدها شركات الطاقة العملاقة، تمكنت الطاقات المتجددة من اختراق هذا الهيكل الصلب الذي ظل مسيطرا على الاقتصاد العالمي منذ بدايات القرن العشرين، فاعطت مرونة الاستثمارات الفرصة لإنشاء محطات طاقة متباينة الأحجام تسمح لصغار المستثمرين من إنتاج وبيع الطاقة من خلال وحدات محدودة وكذلك أتاحت الفرصة لمالكي وسكان المنازل البسيطة لامتلاك وحدات متناهية الصغر تمنكنهم من إنتاج وحدات طاقة تكفي لسد احتياجاتهم اليومية البسيطة دون الاعتماد على شبكات الكهرباء الحكومية والخاصة.
أكثر البلدان جذبا للاستثمار في الطاقات المتجددة :
يدور الصراع بين الدول لتكون أكثر جاذبية للاستثمار في الطاقة المتجددة حول محاور رئيسية محددة هي: نظام التشريع الذي يحكم بيع وشراء الطاقة الشمسية داخل سوق الطاقة القومي أو الاقليمي، نظم الاقتراض البنكي التي تقدم للشركات المستثمرة، توفر الصناعات المكملة والخدمية لمشاريع الطاقة المتجددة، وأخيرا جاذبية البلاد إجمالا للاسثتمار من حيث الاستقرار والنمو الاقتصادي والسياسي.
سنذكر في هذا المجال التقديمي ترتيب البلاد الاكثر جاذبية للاستثمار في الطاقة المتجددة حسب تقرير ارنست اند يونج (واحدة من الأربعة الكبار, أكبر شركات ومحاسبة مهنية في العالم) في سبتمبر 2015.
⦁ الولايات المتحدة الأمريكية
تعتبر خطة الرئيس الأمريكي باراك أوباما CPP التي أطلقها في أغسطس 2015 كمحرك أساسي دفع الاقتصاد الأمريكي إجمالا للتوجه الى استثمارات الطاقة المتجددة وتعتبر خطة أوباما أول إطار تشريعي قومي يضع حدودا واضحة على نسب الانبعاثات الكربونية بهدف تخفيض الانبعاثات على مستوى البلاد إجمالا الى نسبة 32% بحلول عام 2030، وتهدف الخطة إلى تحقيق ثلاثة أضعاف الإنتاج من مصادر الطاقة المتجددة غير-الهيدروليكية خلال الخمس عشرة سنة القادمة.
⦁ الصين
تعتبر الصين المنافس الأشرس للولايات المتحدة الأمريكية على المركز الأول بالنظر إلى خطتها للخمس أعوام القادمة والتي تضم ضعف ما تطمح الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذه من محطات الطاقة الشمسية والرياح. ورغم حجم المشاريع الصينية في الطاقة المتجددة إلا أنها لم تبلغ بعد أي من أهدافها الطموحة لنسب الطاقة المنتجة من مصادر متجددة. ومازالت محاولات الحكومة الصينية قائمة لتحرير السوق الاقتصادي وتشجيع المزيد من الاسثمارات الأجنبية في هذا المجال، إلا أن تباطؤ الاقتصاد الصيني إجمالا في السنوات الماضية أدى إلى تراجع نسب الطاقة المزودة في شبكة الكهرباء من محطات الطاقة الشمسية والرياح الى 9% و15 % فقط.
⦁ الهند
تظهر الهند كالمنافس الجديد القادم خلف الصين، فقد استطاعت أن تعلو لأول مرة في هذا التصنيف فوق مرتبة ألمانيا.
وضعت الهند هدفا للعام 2022 لإنتاج 175 جيجاواط من مصادر الطاقة المتجددة. ولا تكف الحكومة عن العمل على تشريعات قانونية تسهل وتحفز الاستثمارات في الطاقة المتجددة من خلال المنشور الأحدث لوزارة الطاقة المتجددة في العام 2015 والتشريع القومي لمحطات طاقة الرياح البحرية. ويتنبأ الخبراء بوجود استثمارات بقيمة 300 مليار دولار أمريكي يخطط لها أن تستثمر في السوق الهندي خلال العشرة أعوام القادمة.
⦁ المانيا
رغم تراجع المانيا في التصنيف، إلا أنها مازالت متوجة على صدارة العرش الأوروبي في هذا التصنيف، ويعزى ذلك التراجع في جذب الاستثمارات الى التراجع المسجل لمعدلات انشاء مشاريع الطاقة المتجددة كنتيجة للتحول التشريعي في نظام المزادات العلنية والخروج الجزئي من نظام تعرفة البيع لشبكة الكهرباء. وتتزايد بطبيعة الحال، مخاطر الاستثمار في نظم المزادات، وقد استقبل المستثمرين وخاصة صغار المستثمرين والمهتمين بالمشاريع المحلية هذا التحول كمؤشر حكومي لترك استثمارات الطاقة المتجددة لتواجه المنافسة في سوق الكهرباء لوحدها بدون مستوى الدعم الذي اعتادات الدولة تقديمه لهذا القطاع طوال العشرين عاما الماضية، ورغم كل ذلك تظل ألمانيا حسب ما تنتجه من 38.9 جيجاواط من الطاقة المتجددة هي أكبر منتج على مستوى العالم للطاقة المتجددة حتى اليوم.
تأتي في المراكز التالية كل من اليابان ثم كندا وفرنسا، يليهم الصعود البرازيلي والشيلي في التصنيف المصاحب لنشاط هذين السوقين بصورة استثنائية خلال الأعوام الماضية مدعوما بالتشريعات الحكومية التي جعلت من استثمارات الطاقة المتجددة منافسا اقتصاديا قويا لمصادر الطاقة التقليدية في بلدين تمتلكان امكانيات طبيعية متميزة، دفع صعودهما بالتأكيد بريطانيا التي تتأرجح في فوضى تشريعية قوية أخذت بها الى المركز الحادي عشر لأول مرة في هذا التصنيف.
كما يذكر التقرير على جوانب أخرى، صعود متزايد لكلا من تركيا (المركز 15) والمكسيك (المركز 18) كبلدان غنيان أيضا بالموارد الطبيعية وتمتلكان أهداف واعدة وظروف اقتصادية داعمة لصعود متزايد في جاذبية الاستثمار في الطاقة المتجددة. وعلى المستوى الأفريقي، احتل المغرب المركز 25، كأكثر بلد أفريقي وعربي جاذب للاستثمار في الطاقات المتجددة، ثم صعدت بعدها كينيا إلى المركز 31 مع إعلان شركات أمريكية وكندية خططها لعقود استثمار بإجمالي قيم تصل الى 2.2 مليار دولار أمريكي و233 مليون دولار أمريكي في مشاريع كبيرة الحجم. وأخيرا تصعد مصر للمركز 37 عالميا والثاني عربيا فوق المملكة العربية السعودية مع توجه الدولة لإبرام عقود لمشاريع الطاقة المتجددة أبرزها كانت الصفقة المبرمة مع إحدى الشركات الايطالية لإنشاء محطتين للطاقة الشمسية بسعة 500 ميجاواط.
إعداد: أحمد فقي
تدقيق: بدر الفراك