كيف ترى الروبوتات؟
لقد جن جنون العالم بالروبوتات مع مقالات شبه يومية تتمحور حول ثورة روبوتات وشيكة.
فهل هنالك من مبررات لكل هاته الضجة والإثارة والخوف؟ هل ثورة الروبوتات قادمة حقًّا؟
الجواب الأرجح هو أن الروبوتات سوف تنخرط في العديد من جوانب حياتنا، لكن هذا لا يعني أننا سنرى العشرات من الروبوتات تتجول في الشوارع أو في مكاتبنا في المستقبل القريب جدًّا.
أحد الأسباب الرئيسية هو ببساطة أن الروبوتات لا تملك بعدُ القدرة على رؤية العالم حقًّا.
ولكن قبل الشروع في الحديث عن كيف ترى الروبوتات، ينبغي علينا أولًا تحديد ما الذي نعنيه فعلًا بالرؤية.
أنا أراك:
يمتلك معظمنا عينان تقومان بتجميع الضوء المنعكس عن الأشياء من حولنا وتحولان ذلك الضوء إلى تنبيهات عصبية ترسل عبر العصب البصري إلى الدماغ الذي يعالجها على الفور.
يدرك الدماغ ما يجري حولنا من خلال تلك النبضات الكهربائية ومن خلال تجاربنا.
ويبني بناءً على ذلك، تمثيلًا للعالم مما يُمكِّننا من القيام بملايين النشاطات كالتَّنقل والتقاط الأشياء وتمييز وجوه الآخرين.
كل هذه النشاطات، بدءًا من تلقي الضوء في عيوننا إلى فهم العالم من حولنا، هو ما نعنيه بالرؤية.
ويقدر الباحثون أن 50٪ تقريبًا من الدماغ تشارك في عملية الرؤية، وتمتلك جميع الحيوانات في العالم تقريبًا عيونًا ترى بنفس الطريقة، معظم هذه الحيوانات والحشرات على وجه الخصوص، أدمغتها أبسط بكثير من أدمغة البشر ولكنها تعمل بشكل جيد.
هذا ما يقودنا للقول بأن بعض طرق الرؤية يمكن تحقيقها بدون الحاجة إلى معالجة هائلة في عقول الثدييات، كما تبدو فائدة الرؤية واضحة خلال عملية التطور.
الرؤية عند الروبوتات:
تبدو توقعات العديد من الباحثين فيما يتعلق بقدرة الروبوتات على الرؤية غير مفاجئة، فهم يرجحون أن نشهد ازدهارًا حقيقيًا حين تتمكن الروبوتات من الرؤية وتحقق الفائدة المرجوة منها في مساعدة البشر.
فكيف نجعل تلك الروبوتات ترى؟ الخطوة الأولى الواضحة والمباشرة هي أن نستخدم كاميرا فيديو مشابهة تمامًا لكاميرا هاتفك الذكي، بهدف الحصول على تدفق مستمر من الصور، والجدير بالذكر هنا أن تكنولوجيا كاميرا الروبوتات هو حقل بحثي كبير بحد ذاته لكن الآن سنفكر فقط في كاميرا عادية، ثم نمرر تلك الصور إلى جهاز كمبيوتر وهنا ستتاح لنا العديد من الخيارات.
منذ السبعينيات فكر المهندسون في ميزات الصور، تلك الخطوط أو النقاط المثيرة للاهتمام مثل الزوايا أو بعض الزخارف.
وعندها أوجدوا خوارزميات تبحث عن هذه الميزات وتتبعها ضمن إطارات الصور المتعاقبة في الفيديو، هذه الخطوة تقلص أساسًا حجم البيانات من ملايين البيكسلات في الصورة إلى عدد قليل من الميزات بحدود المائة أو الألف.
في الماضي القريب عندما كانت قدرات الحواسيب محدودة اعتبرت هذه الخطوة أساسية في عملية الرؤية.
فكر المهندسون بعد ذلك فيما يحتاج الروبوت لرؤيته والقيام به، لذلك صنعوا برامج من شأنها التعرف على الأنماط أو النماذج في تساعد الروبوت على فهم العالم من حوله.
البيئة المحلية:
قد يرسم البرنامج خريطة مبسطةً جدًا للبيئة، بعدها يعمل الروبوت على مطابقة الميزات التي يجدها مع الميزات التي يبحث عنها والمحفوظة في مكتبة البرنامج.
تبرمج الروبوتات أساسًا من قبل الإنسان لتمييز الأشياء التي يعتقد الإنسان أن الروبوت يحتاج إلى معرفتها.
وهناك العديد من الأمثلة الناجحة لهذا النوع من أنظمة الرؤية عند الروبوت، لكن لا يوجد عمليًا اليوم روبوتات قادرة على التنقل باستخدام الرؤية وحدها.
مثل هذه الأنظمة هي غير موثوقة كفاية للحفاظ على الروبوت من الاصطدام أو السقوط وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها للاستخدامات العملية للروبوت.
فسيارات القيادة الذاتية التي تتحدث عنها وسائل الإعلام تستخدم إما الليزر أو الرادار لدعم أنظمة الرؤية لديها.
في السنوات الخمس أو العشر الماضية، بدأت الأفكار في الأوساط البحثية المتعلقة برؤية الروبوت في التبلور عن طريق انتاج أنظمة لا ترى على النحو السابق ولكنها بدلًا من ذلك تتعلم كيفية الرؤية.
بنية هذه النظم مستلهمة من الطريقة التي ترى بها الحيوانات، حيث استخدم العلماء مفهوم الطبقات العصبونية كما في أدمغة الحيوانات وبرمج المهندسون بنية هذه النظام ولكنهم لم يطوروا الخوارزمية التي تعمل على تلك الأنظمة وإنما تركت للروبوت ليعمل عليها بنفسه بما يعرف بـ «تعلم الآلة – machine learning».
اليوم وبفضل أجهزة الحواسيب ذات الإمكانيات الضخمة والتكلفة المعقولة، فقد أتيح المجال لظهور مثل هذه التقنيات والبدء بالعمل بها مع تزايد ملحوظ في معدل الاستثمار في هذا المجال.
«ذكاء السرب -The hive mind» (الذكاء الجماعي):
المميز في تعلم الروبوتات أنه يمكنها مشاركة ما تتعلمه فيما بينها بسهولة، فلا يتوجب على الروبوت أن يتعلم من البداية مثل صغار الحيوانات وإنما يمكن نقل الخبرة إلى الروبوت الجديد من الروبوتات الأخرى ومن ثم البناء على تلك الخبرة وتطويرها.
على سبيل المثال: قد يتعلم أحد الروبوتات كيف يبدو شكل القط وينقل تلك المعرفة إلى الآلاف من الروبوتات الأخرى، وعلى مستوى أهم من ذلك فقد يحل الروبوت مهمة معقدة مثل التنقل في جزء معين من المدينة يليها تبادل فوري لتلك المعلومات مع كل الروبوتات الأخرى.
وعلى نفس القدر من أهمية مشاركة الخبرات تأتي أهمية التعلم المشترك فعلى سبيل المثال: تبادل البيانات عبر شبكة الانترنت بين ألف روبوت يراقبون قطط مختلفة وعن طريق التعلم معًا يستطيعون تصنيف كل هذه القطط وهذا ما يعتبر مثالًا على «التعلم الموزع-distributed learning».
حقيقة أن الروبوتات في المستقبل لن تكون قادرة فقط على التعلم وإنما مشاركته وتوزيعه كان له آثار عميقة، فإن كان البعض متخوفا من الفكرة فالبعض الآخر ينظر إليها بمنتهى الإثارة والتشويق.
من المحتمل جدًا أن معاملات بطاقات الائتمان الخاصة بك يجري فحصها حاليًا من الاحتيال بواسطة مركز بيانات ذاتي الذاتي.
حيث يمكن لهذه الأنظمة رصد حالات الاحتيال التي لا يستطيع الإنسان ملاحظتها وهنا يستخدم «ذكاء السرب» لفعل الخير.
ثورة الروبوتات الحقيقية:
هناك العديد من التطبيقات التي تشارك فيها الروبوتات، ومن الصعب التفكير في جزء من حياتنا قد لا نحتاج فيه مساعدة الروبوتات.
تتجه الاستخدامات الأولى للروبوتات القادرة على الرؤية إلى الصناعات التي تواجه مشاكل في نقص في اليد العاملة مثل الزراعة أو الأعمال غير المرغوبة بطبيعتها أو الخطرة.
ومن الأمثلة على ذلك: البحث تحت الأنقاض بعد وقوع الكوارث وإجلاء الناس في المواقف الخطرة أو العمل في الأماكن الضيقة والتي يصعب الوصول إليها.
التطبيقات التي تتطلب فترة طويلة جدًا من الاهتمام والمراقبة هي الأخرى صعبة على الإنسان، وقد آن الأوان لتقوم بها الروبوتات التي تستطيع الرؤية.
وستصبح الروبوتات المنزلية مستقبلًا أكثر فائدة إذا تمكنت من رؤيتنا.
ومن المحتمل قريبًا أن الروبوتات القادرة على الرؤية ستكون مساعدة للجراحين في غرف العمليات.
فالرؤية الفائقة للروبوت وثبات ودقة الذراعين واليدين ستسمح للجراحين بالتركيز على ما يبرعون فيه، ألا وهو تقرير ما يجب القيام به.
وحتى القدرة على اتخاذ القرارات التي يمتلكها الأطباء يمكن استبدالها بالذكاء الجماعي للروبوتات الأطباء وبالتالي بإمكان الروبوتات القيام بالعملية بأكملها.
ترجمة: دعاء عساف
تدقيق: المهدي الماكي